الاضجاع على الجانب الايمن كحيل
الاحاديث الوارده في النوم على الشق الايمن:
ارشدت الاحاديث النبويه الى النوم على الشق الايمن، وفي الوقت نفسه جاء النهي عن النوم على هيئات اخرى.
فمما جاء في النوم على الجانب الايمن حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اذا اتيت مضجعك فتوضا وضوءك للصلاه ثم اضطجع على شقك الايمن، ثم قل: اللهم اسلمت وجهي اليك وفوضت امري اليك والجات ظهري اليك رغبه ورهبه اليك، لا ملجا ولا منجى منك الا اليك، اللهم امنت بكتابك الذي انزلت وبنبيك الذي ارسلت، فان مت من ليلتك فانت على الفطره ، واجعلهن اخر ما تتكلم به، قال: فرددتها على النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما بلغت اللهم امنت بكتابك الذي انزلت قلت ورسولك، قال: لا ونبيك الذي ارسلت»(1).
وفي روايه اخرى: عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اذا اوى الى فراشه نام على شقه الايمن ثم قال: «اللهم اسلمت نفسي اليك ووجهت وجهي اليك وفوضت امري اليك والجات ظهري اليك رغبه ورهبه اليك لا ملجا ولا منجى منك الا اليك امنت بكتابك الذي انزلت ونبيك الذي ارسلت».
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من قالهن ثم مات تحت ليلته مات على الفطره »(2).
وعن سهيل قال: كان ابو صالح يامرنا اذا اراد احدنا ان ينام ان يضطجع على شقه الايمن ثم يقول: «اللهم رب السماوات ورب الارض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء فالق الحب والنوى ومنزل التوراه والانجيل والفرقان اعوذ بك من شر كل شيء انت اخذ بناصيته، اللهم انت الاول فليس قبلك شيء وانت الاخر فليس بعدك شيء وانت الظاهر فليس فوقك شيء وانت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين واغننا من الفقر».
وكان يروى ذلك عن ابي هريره عن النبي -صلى الله عليه وسلم-(3).
وعن ابي هريره -رضي الله عنه-: ان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «اذا اوى احدكم الى فراشه فلياخذ داخله ازاره فلينفض بها فراشه وليسم الله فانه لا يعلم ما خلفه بعده على فراشه، فاذا اراد ان يضطجع فليضطجع على شقه الايمن وليقل: سبحانك اللهم ربي بك وضعت جنبي وبك ارفعه ان امسكت نفسي فاغفر لها وان ارسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين»(4).
وعن ابي قتاده -رضي الله عنه- قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اذا كان في سفر فعرس بليل اضطجع على يمينه، واذا عرس قبيل الصبح نصب ذراعه ووضع راسه على كفه»(5).
وعن حفصه رضي الله عنها قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اذا اضطجع على فراشه اضطجع على شقه الايمن ويقول: «اللهم قني عذابك يوم تجمع عبادك».
وكانت يمينه لطعامه وشرابه وثيابه واخذه واعطائه، وشماله لطهوره، وكان يصوم ثلاثه ايام من كل شهر يوم الاثنين ويوم الخميس وفي الجمعه الثاني يوم الاثنين(6).
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتوسد يمينه عند النوم، فعن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اذا اويت الى فراشك وانت طاهر فتوسد يمينك»(7).
وقد جاء النهي عن النوم على البطن، فعن قيس بن طخفه الغفاري عن ابيه قال: اصابني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نائما في المسجد على بطني، فركضني برجله، وقال: «مالك ولهذا النوم، نومه يكرهها الله او يبغضها الله»(8).
وفي التعليق على هذه المساله يقول ابن القيم: “وانفع النوم: ان ينام على الشق الايمن؛ ليستقر الطعام بهذه الهيئه في المعده استقرارا حسنا؛ فان المعده اميل الى الجانب الايسر قليلا، ثم يتحول الى الشق الايسر قليلا ليسرع الهضم بذلك لاستماله المعده على الكبد، ثم يستقر نومه على الجانب الايمن ليكون الغذاء اسرع انحدارا عن المعده ، فيكون النوم على الجانب الايمن بداءه نومه ونهايته، وكثره النوم على الجانب الايسر مضر بالقلب بسبب ميل الاعضاء اليه فتنصب اليه المواد.
واردا النوم: النوم على الظهر، ولا يضر الاستلقاء عليه للراحه من غير نوم، واردا منه ان ينام منبطحا على وجهه.
قال ابقراط في كتاب التقدمه : واما نوم المريض على بطنه من غير ان يكون عادته في صحته جرت بذلك يدل على اختلاط عقل وعلى الم في نواحي البطن.
قال الشراح لكتابه: لانه خالف العاده الجيده الى هيئه رديئه من غير سبب ظاهر ولا باطن، وقد قيل: ان الحكمه في النوم على الجانب الايمن ان لا يستغرق النائم في نومه لان القلب فيه ميل الى جهه اليسار فاذا نام على جنبه الايمن طلب القلب مستقره من الجانب الايسر وذلك يمنع من استقرار النائم واستثقاله في نومه بخلاف قراره في النوم على اليسار فانه مستقره فيحصل بذلك الدعه التامه فيستغرق الانسان في نومه ويستثقل فيفوته مصالح دينه ودنياه”(9).
العلم الحديث يكشف فوائد النوم على اليمين:
كشف العلم عن العديد من فوائد النوم على اليمين، وانه الهيئه المثلى للنوم، وفي الوقت نفسه توصل العلماء الى العديد من مضار النوم على البطن، فحين ينام الشخص على بطنه -كما يقول د.ظافر العطار-: يشعر بعد مده بضيق في التنفس؛ لان ثقل كتله الظهر العظميه تمنع الصدر من التمدد والتقلص عند الشهيق والزفير كما ان هذه الوضعيه تؤدي الى انثناء اضطراري في الفقرات الرقبيه والى احتكاك الاعضاء التناسليه بالفراش مما يدفع الى ممارسه العاده السريه ، كما ان الازمه التنفسيه الناجمه تتعب القلب والدماغ.
ولاحظ باحث استرالي ارتفاع نسبه موت الاطفال المفاجئ الى ثلاثه اضعاف عندما ينامون على بطونهم بالنسبه الى الاطفال الذين ينامون على احد الجانبين.
كما نشرت مجله التايم دراسه بريطانيه مشابهه تؤكد ارتفاع نسبه الموت المفاجئ عند الاطفال الذين ينامون على بطونهم(10).
اما النوم على الظهر فانه يسبب -كما يرى الدكتور العطار- التنفس الفموي، لان الفم ينفتح عند الاستلقاء على الظهر لاسترخاء الفك السفلي، لكن الانف هو المهيا للتنفس؛ لما فيه من شعر ومخاط لتنقيه الهواء الداخل، ولغزاره اوعيته الدمويه المهياه لتسخين الهواء، وهكذا فالتنفس من الفم يعرض صاحبه لكثره الاصابه بنزلات البرد والزكام في الشتاء، كما يسبب جفاف اللثه ومن ثم الى التهابها الجفافي، كما انه يثير حالات كامنه من فرط التصنع او الضخامه اللثويه .
ومن مضار هذه الوضعيه ايضا ان شراع الحنك واللهاه يعارضان فرجا الخيشوم ويعيقان مجرى التنفس فيكثر الغطيط والشخير، كما يستيقظ -المتنفس من فمه- ولسانه مغطى بطبقه بيضاء غير اعتياديه الى جانب رائحه فم كريهه .
وهذه الوضعيه غير مناسبه للعمود الفقري؛ لانه ليس مستقيما فيؤدي ذلك الى انثناءين رقبي وقطني، كما تؤدي عند الاطفال الى تفلطح الراس اذا اعتادها لفتره طويله (11).
اما النوم على الشق الايسر فهو غير مقبول ايضا لان القلب حينئذ يقع تحت ضغط الرئه اليمنى، والتي هي اكبر من اليسرى مما يؤثر في وظيفته ويقلل نشاطه وخاصه عند المسنين، كما تضغط المعده الممتلئه عليه فيزيد الضغط على القلب، واما الكبد الذي هو اثقل الاحشاء فانه ليس بثابت بل معلق باربطه وهو موجود على الجانب الايمن فيضغط على القلب وعلى المعده مما يؤخر افراغها.
فقد اثبتت التجارب التي اجراها غالتيه وبوتسيه ان مرور الطعام من المعده الى الامعاء يتم في فتره تتراوح بين 2،5 – 4،5 ساعه اذا كان النائم على الجانب الايمن ولا يتم ذلك الا في 5 – 8 ساعات اذا كان على جنبه الايسر.(12)
فالنوم على الشق الايمن هو الوضع الصحيح لان الرئه اليسرى اصغر من اليمنى فيكون القلب اخف حملا، ويكون الكبد مستقرا لا معلقا، والمعده جاثمه فوقه بكل راحتها، وهذا كما راينا اسهل لافراغ ما بداخلها من طعام بعد هضمه، كما يعتبر النوم على الجانب الايمن من اروع الاجراءات الطبيه التي تسهل وظيفه القصبات الرئويه اليسرى في سرعه طرحها لافرازاتها المخاطيه .
وينقل الدكتور الراوي ويضيف قائلا: ان سبب حصول توسع القصبات للرئه اليسرى دون اليمنى هو ان قصبات الرئه اليمنى تتدرج في الارتفاع الى الاعلى حيث انها مائله قليلا مما يسهل طرحها لمفرزاتها بواسطه الاهداب القصبيه ، اما قصبات الرئه اليسرى فانها عموديه مما يصعب معه طرح المفرزات الى الاعلى فتتراكم تلك المفرزات في الفص السفلي مؤديه الى توسع القصبات فيه والذي من اعراضها كثره طرح البلغم صباحا، وهذا المرض قد يترقى مؤديا الى نتائج وخيمه كالاصابه بخراج الرئه والداء الكلوي، وان من احدث علاجات هؤلاء المرضى هو النوم على الشق الايمن(13).
وقد اظهرت الدراسات الطبيه ان الانسان عندما ينام على جانبه الايمن تكون الخليه الشماليه للقلب مرتفعه بقدر اربع سنتيمترات تقريبا.
واذا نظرنا الى شكل القلب نرى انه لا يقع في الصدر عموديا تماما؛ بل انه يميل الى اليسار عند جانبه الاسفل، بينما يميل جانبه الاعلى الى اليمين مقدار عشر درجات؛ لذا فان النوم على الشق الايمن يساعد في تدفق الدم من الخليه اليسرى العاليه من القلب الى سائر انحاء الجسم عبر وريد الاورطى، بما يريح القلب لان جميع الاعضاء تكون في اسفله او في مستواه.
هذه الراحه لا يشعر بها القلب في حاله القيام والجلوس والمشي؛ لانه في هذه الاحوال يضطر القلب ان يضخ الدم الى الاعضاء العاليه بمقدار تسعين درجه .
وعند استلقاء الانسان على الظهر يجري الدم الى معظم اجزاء البدن بدون تعسر ماعدا جانب الجبهه من الراس؛ لان القلب يكون مساويا للجسم، ولكن هذه الحاله لا تريح القلب كحاله الاضطجاع على الشق الايمن، حيث يكون صمام القلب مائلا الى الجانب الايمن فيساعد على تدفق الدم.(14)
ويعتقد بعض الناس ان القلب يرتاح اذا اضطجع الانسان على الجانب الايسر ايضا، ولكن الطب اثبت عكس ذلك؛ لان القلب يحتاج الى بذل طاقه لكي يضخ الدم من الخليه اليسرى التي تكون في الاسفل الى وريده الاورطى الذي يقع على ارتفاع عشر درجات منه، والدم في هذه الحاله لا يجري طبيعيا حسب قانون الجاذبيه الا الى 45% من اجزاء الجسم.
كما ان شكل وريد الاورطى يكون ملتويا بعد خروجه من القلب، وبهذا الالتواء لا يتمكن من ايصال الدم الى الجانب الايمن للراس وسائر الاعضاء. وحينما نستخدم الوساده عند النوم يكون الراس عاليا عن مستوى القلب، وتظهر هنا الحكمه في عاده الرسول -صلى الله عليه وسلم- بوضع الوساده الخفيفه عند النوم او وضع يده اليمنى تحت الخد الايمن.
وهناك عروق وشرايين كثيره تتشعب من القلب لايصال الدم الى اعضاء الجسم، وحسب طبيعه نظام وقوع هذه العروق والشرايين واشكالها، فانه يزيد جريان الدم فيها عند تاديه حركات الصلاه من سجود وقيام وقعود، وكذلك عند النوم على الجانب الايمن.
وقد اكتشف الدكتور جون مانج الاستاذ بجامعه لوربول ان الجهه اليمنى للدماغ تقوم بمهمات اكبر من الجهه اليسرى، ويدل هذا الاكتشاف على ان النوم على الشق الايسر غير صحي، كما انه مخالف لطبيعه الجسم؛ لانه يؤدي الى تقليل تدفق الدماء الى الجهه اليمني للدماغ التي تحتاج الى مقدار وافر من الدماء؛ لانها هي التي تسيطر على معظم نشاطات الجسم، وبالتالي فان النوم طوال الليل على الظهر او على الجهه اليسرى يعرقل وصول الدم الى جميع اعضاء الجسم(15).
ويرى الدكتور محمد محفوظ ان النوم على اليمين من اسباب الوقايه من الارتجاع الحمضي، ويعرف الارتجاع الحمضي للمعده من اسمه بانه عوده بعض محتويات المعده من الطعام والسوائل الهضميه الحمضيه الى المريء والبلعوم مما يؤدي للشعور بالم او حرقه باعلى البطن او خلف عظم القص ويصاحبه احيانا تجشؤ وشرقه نتيجه ضعف في عضله اسفل المريء القابضه .
فيقول الدكتور محمد: انني لاحظت من دراسه اجريتها بنفسي لاكثر من 600 مريض يعانون من هذا المرض ان اكثر من 95% منهم لا ينامون على الشق الايمن من اجسامهم!، ففوائد النوم على الشق الايمن يطول الحديث عنها ولكن بخصوص الارتجاع الحمضي للمعده وجدت من خلال دراساتي ان التكوين التشريحي لعضله الفؤاد يغلق باحكام تام عند النوم على الشق الايمن بعكس كل الاوضاع الاخرى، كذلك اثبت العلم بان الافراز الحمضي للمعده يزيد ليلا، اي عند النوم فتخيل اخي القارئ ان لم يحكم اغلاق عضله الفؤاد ماذا سيحدث!، كذلك اثبت العلم بان النوم على الشق الايمن يساعد في تسريع عمليه الهضم وتفريغ المعده من الطعام والشراب(16).
وجه الاعجاز:
جاء الدين الاسلامي الحنيف ليعلم العباد كيف تكون العباده الصحيحه ، وكيف يمارس الناس عاداتهم بسلامه ورشد، ومن تلك العادات النوم، ففي الهدي النبوي العديد من الاداب والاحكام المتعلقه به، ومن اهمها النوم على الجانب الايمن.
وقد كشف العلم الحديث عن الكثير من فوائد النوم على الشق الايمن، وفي الوقت نفسه كشفت تلك الابحاث عن بعض مضار النوم على غير الشق الايمن، وهذا كله جاء متاخرا على الوحي الذي انزله الله تعالى على رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، الا انه جاء مؤكدا ومدللا على صحه ما ارشد اليه نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم-، حتى يكون ذلك شاهدا على ان هذا النبي -صلى الله عليه وسلم- ما كان ينطق بكلام من عنده، وانما هو كلام رب العالمين نزل به الروح الامين على قلب سيد الخلق اجمعين -صلى الله عليه وسلم-.