الاطفال والاولاد امانه عندكم
الابناء امانه عظيمه في عنق كل اب وام، وفي هذه المحاضره يبين الشيخ قضايا مهمه في التربيه وفي توجيه الابناء، مع ذكر بعض سلبيات الامهات والاباء اثناء تربيه ابنائهم. وايضا بين الشيخ ان السبب الاول لانحراف الابناء انما هو اهمال الاباء لابنائهم، فالابناء من يهتم بتربيتهم في الصغر يجني ثمرات هذه التربيه في الكبر وبعد الموت، فالعمل ينقطع عن الرجل اذا مات الا من ثلاث، ومنها: (ولد صالح يدعو له).
احبتي في الله: الله عز وجل قد بين لنا ان اولادنا نعمه او نقمه : انما اموالكم واولادكم فتنه [التغابن:15] .. ان من ازواجكم واولادكم عدوا لكم [التغابن:14] هذا في جانب الخطر ان يكون الاولاد فتنا واعداء، وفي الجانب الاخر: والذين امنوا واتبعتهم ذريتهم بايمان الحقنا بهم ذريتهم وما التناهم من عملهم من شيء [الطور:21] .. والذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قره اعين واجعلنا للمتقين اماما [الفرقان:74] فالولد اما ان يكون قره عين يسرك ان تلقاه في الدنيا وتجتمع به في الجنه في الاخره ، واما ان يكون فتنه وعدوا تقول: يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين [الزخرف:38].
كيف يكون هذا وكيف يحصل؟ تامل اخي الحبيب!! ان الله سبحانه وتعالى جعل الابناء والاولاد والبنين والحفده زينه في الحياه الدنيا وبهجه في المجالس، وعونا على مشاق الحياه وشدائدها: المال والبنون زينه الحياه الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير املا [الكهف:46] بل ما قيمه الحياه بلا ذريه واولاد؟ انها شاقه وعسيره بل ان البيت الذي لا تسمع فيه للاطفال صوتا ولا عبثا كانه مقبره ليس بها ساكن.
لولا بنيات كزغب القطا رددن من بعض الى بعض
لكان لي مطرف واسع في الارض ذات الطول والعرض
وانما اولادنا بيننا اكبادنا تمشي على الارض
لو هبت الريح على بعضهم لامتنعت عيني عن الغمض
الاولاد الهبه السماويه ، المنحه الربانيه ، سبحان من وهبهم وانعم بهم علينا! سبحان من اعطانا!
اذا اردت ان تعرف عظمه وجلال هذه النعمه فتخيل نفسك واحدا من اولئك الذين ابتلاهم الله بالعقم، يذهبون من طبيب الى طبيب ومن حكيم الى اخر طلبا للولد، تخيل انك تدخل منزلك وكانك تدخل قبرا لا تسمع به كلمه من طفل يناديك: (يا ابت او يا بابا) سبحان المالك المتصرف: لله ملك السماوات والارض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء اناثا ويهب لمن يشاء الذكور * او يزوجهم ذكرانا واناثا ويجعل من يشاء عقيما انه عليم قدير [الشورى:49-50].
الاباء هم السبب الاول في انحراف الابناء
احبتي في الله: ان هؤلاء الاولاد الذين تعبنا تعبا طويلا شاقا بالغا في الحصول عليهم ما سقط من سقط منهم، وما ضل من ضل منهم، وما انحرف من انحرف منهم بغته او فجاه او بين عشيه وضحاها، لا تصدق ان رجلا قال: بات ولدي ليله صالحا فاصبح فاجرا، لا تصدق من قال: اصبح ولدي مؤمنا فامسى كافرا، لا تصدق من قال: غدا ولدي برا فراح مجرما!! لا. انما المساله لها خطرات وخطوات وكما قال الاول:
وللمنيه اسباب من السقم
قد يكون السبب الاول فيما تكرهه وفيما اقض مضجعك وعذب ضميرك، واذاك في نفسك، ونكد عليك عيشك، وجعلك تتجرع الغصص في حلقك ربما كان السبب في انحراف ولدك هو انت انت من حيث لا تشعر.
فان كنت لا تدري فتلك مصيبه وان كنت تدري فالمصيبه اعظم
اخي الحبيب: انت الولي وانت الاب والمؤدب والراعي ربما كنت سببا في ضياع اولادك، وربما دمرت هذه الاسره بمن فيها من البنين والبنات، ربما كنت السبب بل المتهم الرئيس في اذكاء شعار الفتنه والمتاهه والشقاء في اولادك وبناتك، والبعض يقول: لا. لا تحملني المسئوليه وحدي، اليس على الولد كفل من هذه الملامه ؟ اليس للولد حظ من هذه الاسباب؟ الجواب: نعم. ولكن اخي الحبيب! ان الولد حينما يقول: هذا جناه ابي علي، وما جنيت على احد اذا كان والده من المضيعين له الذين لم يحسنوا تربيته ولم يلتفتوا له ابدا.
نعم. كثير من الاباء والامهات ما قصروا، البسوه ناعم الحلل، واسكنوه اوسع الفلل، وعطروه وزينوه وعالجوه، ما تركوا موضع ابره في بدنه الا ونعموها بطعام وشراب، ولباس ودواء، ولكنهم تركوا اكبر شيء في بدنه وهو فؤاده وقلبه وعقله، جسمه المحدود اعتنوا به، اما عقله وقلبه الذي يتسع لاضرب من الشر كثيره ، او اصناف من الخير كبيره عظيمه اهملوه، ما تركوا جانبا الا وقدموا له وافر الغذاء فيه، اما غذاء روحه وغذاء عقله وفكره، فاهملوه غايه الاهمال، وحينئذ حينما يتخلى الاب وتتهاون الام في ذلك الامر سهل للاعداء من شيطان الجن وشياطين الانس افساد الابناء وسلخهم من الحجاب والحياء، واماته العفاف والاداب في انفسهم، اوليس اذا تخلى الولي عن الولايه والامانه التي تعلقت برقبته؛ ضاعت الامور من بين يديه؟!
اذا انت انت ايها الاب! انت المسئول قبل كل شيء؛ لانك اسلمت الولد والبنت لقمه سائغه للذئاب البشريه ، لانك تواريت وابتعدت وتزاورت ذات اليمين وذات الشمال عن دفه القياده ومسئوليه التوجيه والرياسه ، فسمحت لاسراب الخفافيش ان تغزو منزلك في جنح الليل المظلم، ورضيت بالمنكرات والمعاصي ان تتصدر مساحات كبيره من بيتك وتستحوذ عليها، انت بهذا شعرت ام لم تشعر افسدت ولدك، وكنت عونا لشياطين الانس والجن في تحقيق ماربهم من هنا وهناك، ولذا ايها الاحبه ! كان لزاما علينا ان نتامل هذه المسئوليه العظيمه ، وان القليل القليل من التوجيه والرعايه يحفظ الاولاد باذن الله، ويغني عن الكثير الكثير من الاداب والوعيد والتهديد والملاحقه في الكبر، فما دام الامر سهلا يسيرا، والاولاد لا زال الواحد منهم غضا طريا كاغصان غضه لينه كيفما عدلتها اعتدلت، فان ذلك اسهل بكثير من ان تهمله حتى اذا بلغ الولد سبعه عشر عاما، او سته عشر عاما او اقل او اكثر، اخذت تهدده بالعصا، والحرمان والطرد والابعاد، والجلد والاهانه ، والتوبيخ والعبارات الجارحه التي لا تزيده لك الا بغضا ولا منك الا فرارا.
غش الرعيه
ايها الاحبه : واجبنا مرارا ان ننتبه لهذه المسئوليه وهي مسئوليه كلنا يحاسب عنها: كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، بل يقول صلى الله عليه وسلم: (ان الله سائل كل رجل عما استرعاه حفظ ام ضيع، حتى يسال الرجل عن اهل بيته) اوليس هذا امرا عظيما؟ ان الواحد لو كان امين صندوق وجاء يوم الجرد لاحمر وجهه، وخفق فؤاده، خشيه ان يضيع مما استودع شيئا من حطام المال قليلا كان او كثيرا، لكن لا يبالي حين يضيع من اولاده خمسه ، او لا يبقى من العشره الا اثنان لا يبالي ابدا، وهذا -ايها الاحبه !- من الجهل العظيم، بل ان ذلك غايه الغش والظلم والخديعه والخيانه ، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد يسترعيه الله رعيه يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته الا حرم الله عليه الجنه ) .
ما تقولون في رجل غش رعيته، وهم زوجته واولاده وبناته واهل بيته؟ غشهم فما امرهم بالصلاه ، وما نهاهم عن المنكرات، بل جعل البيت مسرحا ومستودعا لكل الوان الفجور والفساد، وحجته بذلك انه لا يريد ان يكون مطوعا، لا يريد ان يكون متشددا، لا يريد ان يكون متزمتا، بل يريد ان يكون منفتحا متساهلا، معتدلا متوسطا، من الذي قال لك ان هذا هو الاعتدال؟
اذا كان هذا الذي يفعله بعض الناس اليوم من الرضا بالمنكرات في بيوتهم، وتربيه بناتهم على التبرج والسفور، والسماح للزوجات ان تكون الواحده منهن خراجه ولاجه ، لا شغل لها الا الذهاب والاياب، ولا يعرف شيئا عن بيته، فلا يبالي ان يكون هو الذي سعى في تدمير بيته وتدمير اسرته.
كثير غشوا زوجاتهم واولادهم وبناتهم وضيعوهم غايه الضياع، واهملوهم غايه الاهمال، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيمن كان هذا حاله: (يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته الا حرم الله عليه الجنه ).
ان غايه الاثم ان يضيع الواحد من يقوت، كما قال صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء اثما ان يضيع من يعول) وملاك ذلك قول الله عز وجل: يا ايها الذين امنوا قوا انفسكم واهليكم نارا وقودها الناس والحجاره [التحريم:6] كل واحد منكم من يسمعني الان، او يسمع هذا الكلام بالشريط بعد الان، كل واحد منكم اما ان يكون ابا، واما ان يكون وليا، او سيكون ابا عن قريب لا بد ان يتحمل مسئوليته وان يستعد لهذه الامانه التي ثقلت على السماوات والارض وحملها الانسان: انه كان ظلوما جهولا [الاحزاب:72].
اخي الحبيب: انك يوم ان تعتني بصلاح اولادك وتعتني بتربيتهم وتترك كثيرا من حظوظ نفسك وشهواتها من السهر مع اصدقائك وزملائك، وتحرم نفسك من بعضها في سفراتك وذهابك وايابك، لتجعل اهلك واولادك احق بذلك من هذا كله تذكر انك تساهم في بناء مجتمع صالح، وتسعى في تكوين امه مسلمه ، نحن بامس الحاجه الى ايقاظ جذوه الوعي والشعور اليقظ فيها، يقول ابن القيم رحمه الله: وكم من رجل اشقى ولده وفلذه كبده في الدنيا والاخره باهماله وترك تاديبه واعانته على شهواته، ويزعم انه يكرمه وقد اهانه، وانه يرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده وفوت عليه حظه في الدنيا والاخره ، واذا اعتبرت الفساد في الاولاد رايت عامته من قبل الاباء.
اسمع هذه الكلمه من مرب فاضل وعالم جليل يقول: واذا اعتبرت الفساد في الاولاد رايت عامته: -يعني: اغلب فساد الاولاد- من قبل الاباء، انتهى كلام ابن القيم من تحفه المودود في احكام المولود .
احبتي في الله: بعض الاباء الكرام اذا راى من اولاده تمردا او انحرافا بدا يتذمر ويشتكي، وما علم انه هو السبب الاول في ذلك التمرد والانحراف، بل شانه كما قال الاول:
القاه في اليم مكتوفا وقال له اياك اياك ان تبتل بالماء
بل يجعل ولده كغنمه في قطيع من السباع والذئاب ويقول: من الذي نهشها؟ من الذي تعرض لها؟ من الذي اعتدى عليها؟!
ومن رعى غنما في ارض مسبعه ونام عنها تولى رعيها الاسد
هذا شيء لا شك فيه، والخلاصه : ان بعض الاباء يدري ما يعمل ابنه لكنه يتعامى وكانه ما راى، يقال له: يا فلان! ولدك رئي البارحه ومعه باكت دخان ويدخن في والزاويه الفلانيه ، يقول: سيهديه الله ان شاء الله، يا فلان! ولدك رئي البارحه مع شباب اكبر منه سنا سيماهم سيما اهل الفجور، يقول: سيهديه الله سيهديه الله، وهو ولد ليس عليه خطر فهو رجل، الخطر على الحرمه -على الانثى- اما الولد ما عليه خطر، يا فلان! ولدك تغيب عن المدرسه يقول: بكيفه ان نجح فلنفسه، وان فشل فعلى نفسه، يا فلان! الولد ظهرت عليه العلامات التاليه ، بل واقبح من ذلك جريمه الام التي تتستر على جرائم الاولاد، ام تفتش ثياب الولد تجد سيجاره فتقول: اسكت اسكت وتنتبه ان يعلم ابوه، صبوا عليها سيبون في الحمام وكاننا ما راينا ولا درينا، لو درى عنه سيذبحه، دعيه يقطعه، دعيه يجلده، هذا اوان التاديب، لكن جريمه من الولد يتبعها جريمه تسترها الام، ويكملها جريمه غفله الاب، ثم تكون النتيجه ما يكرهه الانسان ولا يحمد عاقبته.
المجتمع وتعاونه في تربيه الابناء
وينبغي لنا ايضا ان نكون عونا لبعضنا في تربيه اولادنا، نعم هي مسئوليه توجه لكل اب ولكل ام ولكل ولي مباشره ، لكن ولنا حقوق متبادله تجاه بعضنا، فانت اذا رايت من اولادي امرا غريبا فاخبرني، وانا اذا رايت من اولادك امرا عجيبا انبئك ونتبادل الحديث، وننتبه لهذه المساله ، بل ان بعض الاباء -وهذه سنه حسنه في احد الاحياء- لاحظوا ملاحظه ان اناسا شبابا كبارا ياتون الى حيهم وهم ليسوا من سكان الحي، شباب كبار كما يسمون من (الدشر) ينتقلون من احياء الى احياء ثانيه ، الذي معه السياره الفخمه ، والذي معه سياره ملونه ويبدءون يغرون الصغار والسفهاء بمختلف الاساليب كما تدور الثعالب على ديك فوق الشجره ، ما الذي يحصل لما راى رجال ذلك الحي ان غرباء سيماهم لا تنبئ بخير قد جاءوا يترددون في حيهم بسياراتهم وتصرفاتهم، وياتون في اوقات مريبه بهيئات واشكال عجيبه ، قاموا وسوروا ارضا وسط الحي، واستدعوا رجلا مربيا فاضلا من اهل القران وقالوا: نعطيك جعلا، نعطيك مالا شهريا، اولادنا هؤلاء الذين يخرجون من البيوت بحجه لعب الكره ، انت المسئول تجلس معهم من بعد العصر الى مغيب الشمس، واول ما تبدا معهم جلسه الشاي واقرا انت واياهم ولو نصف صفحه من القران ثم اجعلهم يلعبون الكره امام عينيك امام هذا السور المسور، امام اعينكم جميعا واذا اراد رجل غريب ان يدخل عليهم فلا تسمح له وامنعهم عنه، ما هي الا ايام بعد ان نفذوا الفكره حتى اصبح الحي نقيا سليما خاليا من تلك الذئاب الزائره التي تزور لتقتنص من اطفال الحي والمراهقين فيه بين الفينه والاخرى.
اذا حتى مسئوليه اصلاح الابناء نتبادل التعاون فيها ونتبادل الادوار فيها، وليس هذا والله بكثير ابدا.
