الشعر الغزلي العذري

سبب التسميه

سمي الغزل العذري نسبه لقبيله عذره، لما اشتهرت به من رقه الاحساس وكثره العشاق الصادقين في حبهم – الذين كانوا يموتون حبا! واصبح الغزل العذري اصطلاحا على كل شعر يصف عاطفه الحب في خصائصه.

تاريخ الغزل العذري

ان الغزل العذري ينسب الى بني عذره الذين اشتهروا بهذا النوع من الغزل. ثم انتشر وشاع عند القبائل، ومنهم بنو عامر الذي نشا في كنفهم قيس بن الملوح. لكن ترجع بدايات هذا الغزل الى العصر الجاهلي الذي انتشر في نهاياته، حيث كان الغنى والترف يعم بعض القبائل. اما مع ظهور العصر الاسلامي، فقد قل هذا الغزل مع دخول الناس في الدين وتغلغل التقوى في نفوسهم. ولكن الغزل العذري قد بلغ ذروته في العصر الاموي عندما نشات حياه اللهو والثراء والرفاهيه .

خصائص الغزل العذري

• العفه , وذلك بتاثير الاسلام .
• لا يتعرض هذا الحب للملل او القسوه , ولذلك فهو يتصف بالديمومه .
• يلاحظ على شعراء هذا اللون من الغزل تكريس اخلاصهم لفتاه واحده , حتى شاع اسمها واشتهر, ونسب الشاعر اليها, فقيل مجنون ليلى, وكثير عزه , وجميل بثينه
• العذاب الشديد في سبيل المحبوب الذي قد يؤدي الى الهيام, او الجنون او الموت

تعابيره

ان الغزل العذري، منذ نشاته عبر عن وجدانيه الشاعر وعواطفه الجياشه الصادقه تجاه معشوقته. فهو، يعبر عن اعمق المشاعر التي سعى الى سبر اغوارها وكشف مكنوناتها، والتي هي التعبير عن الحب والعشق المتين الذي لا يتزعزع امام عثرات الزمن، فقد قال قيس، بعد ان حاول شفاء روحه من سقم الحب الذي الم به جراء تعلقه بليلى، وهو يخاطب روحه، ويحاور ذاته، ويناجي قلبه:

اما عاهدتني يا قلب اني

اذا ما تبت عن ليلى تتوب

فهاانا تائب عن حب ليلى

فما لك كلما ذكرت تذوب

والغزل العذري، كان وما يزال، يعبر عن مراره السهر والارق، وعن مشاعر الالم والمعاناه لدى الشاعر، وذلك يعود الى فراقه عن معشوقته والبعد عنها جراء عوامل قصريه . فقد قال قيس “مجنون ليلى”:

اظل رزيح العقل ما اطعم الكرى

وللقلب مني انه وخفوق

وتبرز الوجدانيه في اشعار الغزل العذري، حين يواجه الشاعر قيس بن الملوح، قدره المحتوم بحب ليلى، ويعبر عما يجيش في داخله، من حرقه وحسره ، وهم وغم، وذلك حين قضى الله بان تكون من نصيب غيره، وترك له النواء والبكاء، والشكوى والبلوى. ولا سلوى له غير الشعر حين ينشد:

خليلي لا والله لا املك الذي

قضى الله في ليلى ولا ما قضى ليا

قضاها لغيري وابتلاني بحبها

فهلا بشيء غير ليلى ابتلانيا

وهكذا كانت المواقف الوجدانيه عند شعراء الغزل العذري عطورا زكيه سحرت قلوبهم. فكان الشعر الغزلي، اداتهم للتعبير عما يجول في فضاء نفوسهم من مشاعر لونت بالوان الفرح والمناجاه والعتاب والحزن والتشاؤم.

اشهر شعراء الغزل العذري

• قيس بن الملوح: عرف ايضا بمجنون ليلى. فقد نشا مع ليلى في بيئه واحده ، وترعرعا معا حتى كبرا، فتحابا. لكن ليلى اجبرت على الزواج من غيره، فلم يتحمل قيس وقع هذه الكارثه ، ففقد صوابه.

• جميل بن معمر: عرف ايضا بجميل بثينه . لقد عشق بثينه ، وهام بها، وتقدم للزواج منها، لكنه رفض كي لا يبدو ان هذا الزواج هو ستر لعار بثينه . فاجبرت على الزواج من غيره، لكن هذا لم يمنعه من ملاقاتها.

اشهر ابيات الغزل العذري

• من ابيات شعراء الغزل العذري

قول الشاعر جميل بن معمر:

تعلق روحي روحها قبل خلقنا

ومن بعد ما كنا نطافا وفي المهد

فزاد كما زدنا فاصبح ناميا

وليس اذا متنا بمنتقض العهد

ولكنه باق على كل حادث

وزائرنا في ظلمه القبر واللحد

ويقول عنتره العبسي في حبيبته عبله

ولولاها فتاه في الخيام مقيمه

لما اخترت قرب الدار يوما على البعد

مهفهفه والسحر في لحظاتها

اذا كلمت ميتا يقوم من اللحد

اشارت اليها الشمس عند غروبها

تقول اذا اسود الدجي فاطلعي بعدي

وقال لها البدر المنير الا سفري

فانك مثلي في الكمال وفي السعد

فولت حياء ثم ارخت لثامها

وقد نثرت من خدها رطب الورد

وسلت حساما من سواجي جفونها

كسيف ابيها القاطع المرهف الحد

تقاتل عيناها به وهو مغمد

ومن عجب ان يقطع السيف في الغمد

مرنحه الاعطاف مهضومه الحشا

منعمه الاطراف مائسه القد

يبيت فتات المسك تحت لثامها

فيزداد من انفاسها ارج الند

ويطلع ضوء الصبح تحت جبينها

فيغشاه ليل من دجي شعرها الجعد

وبين ثناياها اذا ما تبسمت

مدير مدام بمزاج الراح يشهد

شكا نحرها من عقدا متظلما

فوا حربا من ذلك النحر والعقد

وقد حظي الشعر الغزلي العذري على مر الازمنه بجمهور عظيم، ولقي اقبالا كبيرا من قبل الشعراء والمستمعين، لعفته وطهارته وايقاعه العذب على مسامع الاذان. لذلك، دام هذا النوع من الشعر وحافظ على شعبيته مع تواتر السنين و العقود، لدرجه انه ما زال شائعا ليومنا هذا. حتى ان بعض الشعراء قد تخصصوا في كتابه الشعر الغزلي، لقدر ما يوحي باحاسيس الشاعر ويعبر عنها بطريقه لبقه ومحببه لدى القراء والجماهير.