العلاقه بين الفلسفه والدين
واخيرا اذا نحن اعتبرنا الترجمه الانجليزيه المعتنى بها لتهافت التهافت مع تعاليق س٬ فان بن برغ (3) لا تتاخر
عن تقرير كون ابن رشد درس اكثر مما درس الغزالي وهو اكازاده٬ فان تهافت الفلاسفه للغزالي لم يترجم كله بعد٬
بايه لغه من لغات اوروبا(٬(4 اما تهافت الفلاسفه لهواكازاده فلم يدرسوه قط في اوروبا (5) وايضا فقد وقعت
تحريفات كثيره في الكتب العربيه فيما يتعلق بهذا المؤلف٬ وكذلك في الفرنسيه والانجليزيه وحتى في التركيه .
فمن جهه يمكن تدارك النقص الذي بيناه٬ اذا نحن درسنا الكتب الثلاثه من جهه علاقه الدين بالفلسفه ٬ ومن جهه
اخرى يجب اصلاح نظريات المؤلفين الذين حكموا على هذه العلاقه عند ابن رشد٬ وتصحيح الاغلاط الراجعه
لكتاب تهافت الفلاسفه لهواكازاده .
والفرق الاهم بين الفلسفه والدين(6) راجع الى منشا القضايا هو العقل عند البعض والوحي عند الاخر٬ فاصل قضايا
الدين من الدين٬ واصل قضايا الفلسفه من الانسان.
فهل هناك اذن توافق بين بيانات الفلسفه وبين بيانات الدين لان كيليهما يرمي الى توضيح الحقيقه ؟ هذه هي المساله
التي تعرض في وقت واحد مع وجود الدين والفلسفه ٬ وقد كان اول من واجه المساله مفكرون يهود٬ وحاولوا الجواب
عنها (7) ثم وجد المسيحيون(8) والمسلمون(9) انفسهم ازاء نفس القضيه (10).
والذين رموا في العالم الاسلامي الى التوفيق بين الفلسفه وبين الدين فيما يرجع للمسائل القائمه من الوجهه التاريخيه
والاجتماعيه (11) او لمعارضه بعض ايات القرءان يدعون بالمتكلمين اذا كان اساس نظرهم الدين او الفلاسفه اذا
كان اساس مبداهم الفلسفه (12).
وقد ارادوا ان ينسقوا بين الفلسفه وبين الدين فيما يخص المسائل المشتركه ٬ مثلا: هل العالم ابدي لا بدايه له؟ هل
للعالم خالق؟ هل يمكن لماهيته تحديد؟ هل السماء حيه ؟ ما هي اسباب حركاتها؟ هل تعرف نفوس السماوات الجزئي؟
ما هي طبيعه النفس؟ هل البعث وسائر الخوارق ممكنه ؟ كل موضوعات التهافت راجعه لهذه المسائل.
وللوصول الى الحكم على العلاقه الموجوده بين الفلسفه والدين طبقا لما في كتب (التهافت) سنحاول ان نجيب في هذا
المقال على الاسئله الاتيه :
1) ما هي حاله كل شرح ENONCES من كل كتاب تهافت بالنظر الى النقطه الاولى عند مؤلفه.
2) ما هو موقف كل كتاب تهافت من الاخر؟.
3) ما هي قيمه كتب التهافت من جهه علاقه الفلسفه بالدين؟.
وهكذا سنتمكن من دراسه افكار المؤلفين المذكورين٬ ونصلح الاغلاط التي وقعت فيما يرجع لكتاب التهافت
لهواكازاده .
ا لقد اوضح الغزالي غايه (التهافت) في الخطبه والمقدمات الاربع لكتابه٬ وهذه الغايه تعمل على اثبات بطلان افكار
الذين ينكرون الدين مدعين ان النظريات الفلسفيه تهيمن على جميع البراهين الكلاميه وبعض المسائل الطبيعيه ٬
وذلك عن طريق الاستدلال بمختلف الحجج المستمده من المذاهب المتناقضه احيانا٬ ويرى الغزالي من المحقق ان
للفلاسفه براهين ضروريه في سائر العلوم الرياضيه وبعض العلوم الطبيعيه ٬ ولكنهم لا يملكون براهين مماثله في
علوم الالاهيات٬ واذن فيجب التنبيه على التناقض الذي حصل في افكار الفارابي وابن سينا فيما يخص المسائل
المشتركه بين الفلسفه وبين الكلام حسب قواعد المنطق(٬(13 ولادراك روح الغزالي يجب ان نهتم بهذه المقدمات
وان لا ننسى محتوياتها٬ وكذلك للحكم على (تهافت التهافت) لابن رشد٬ لان الغزالي بين في هذه المقدمات المصادر
المهمه لانتقاداته(14) ولم يزعم قط بانه يعطي فيما يرجع للدين حججه البرهانيه بعد ان اعطى الدليل على ان
الفلاسفه لا يملكونها.
وبناء عليه فلا موجب لكون (مهران) لا يعطي اهميه لهذا المقدمات (15) ويقبل موقف ابن رشد الذي يرى ابقاءها
جانبا٬ على اننا سنرى ان ابن رشد كان بعيدا عن فهم مقدمات الغزالي حتى لا يعتبر محتوياتها٬ وليس في كتاب
تهافت الفلاسفه مكان يسمح لمهران ان يفكر كما يلي: (لقد تخيل الغزالي انه اوضح نظرياته السنيه على اساس حجج
فلسفيه (16) بينما كان ابن رشد محقا حينما اعتبر بعض حجج الغزالي جدليه وصوريه ٬ وليست برهانيه )٬ لانه
يرى ابن رشد ان التفلسف واجب بمقتضى شريعه الاسلام٬ والفلسفه هي اخت الدين٬ والفلسفه حقيقه ٬ والدين كذلك
حقيقه ٬ وفي الواقع هذه الحقيقه المزدوجه مكونه من جانبي حقيقه واحده (لان الحقيقه لا يمكن ان تكون ضد الحقيقه )
فاذا كانت الايه القرءانيه الصريحه تمس جوهر الدين فمن الممنوع قطعا تاويلها٬ فاذا كانت لا تمسه٬ فمن الواجب
على ذوي الحجه البرهانيه ان يتاولوها٬ بينما من الممنوع قطعا على ذوي (الحجه الجدليه ) ان يفعلوا٬ كما انه من
الممنوع على البرهانيين ان يذيعوا تاويلهم على الجدليين)٬ ولا ينبغي ان يتحدث للجمهور لا على التاويل الحق ولا
على التاويل الباطل (26) والحق ان ابن رشد في كتابه (فصل المقال) حل مساله العلاقه بين الفلسفه وبين الدين
بصفه واقعيه كما سبق ان قاله جوتيير (27) وان كان ابن رشد في هذا المؤلف يلح في التوفيق الضروري بين
الفلسفه وبين الدين٬ ونستطيع ان نتساءل: هل وصل لذلك؟ ويجيب جوتيير بان ابن رشد٬ حينما يكون مفوضا
FIDEISTE امام الجمهور وعقليا امام الفلاسفه ٬ يرى علاقه ايجابيه بين الدين والفلسفه ٬ ولكن جوتيير لم يضع
مساله ما اذا كان ابن رشد قد وفق من جهه النظر الفلسفيه الارسطوطاليسيه مع الديانه الاسلاميه ؟ واذن فقد كان من
المنتظر ان يمس هذا الجانب من الموضوع.
ويظهر من الكلام الثاني لجوتيير ان ابن رشد يميز الفلسفه من الدين عوض ان يوفق بينهما وها هي: (النصوص
الجديده لابن رشد تظهر بوضوح ان غايه الدين ليست من النوع النظري ولكن من النوع الاجتماعي … واحسن
الديانات ليس الاحق… ولكن احسن الديانات هي التي تكون رموزها اكثر تاثيرا على نفوس العوام)٬ ومن جهه
اخرى فقد اتهم التمييز في خلاصه رايه قائلا: (