اناشيد اطفال خبز
ليس الهدف من هذه الدراسه تقديم تفسيرا لسفر نشيد الانشاد ايه بايه وانما هي مجرد قراءه لاهوتيه للسفر ككل مع تقديم بعض المبادئ التفسيريه .
هناك عده عوامل ينبغي ان نضعها في الاعتبار ونحن نحاول ان نفهم سفر نشيد الانشاد واي نص كتابي بشكل عام:
1- لكي نستطيع ان نفهم سفر نشيد الانشاد ينبغي ان نحدد اولا القالب الادبي الذي كتب به السفر. فكل قالب ادبي يتم تفسيره بطريقه معينه . فالنصوص التاريخيه مثلا تختلف في فهمها عن النصوص النبويه او الرسائل الرعويه او الامثال، وهكذا.
2- ينغي ان نفهم السفر في ضوء القرينه الكتابيه التي وضع فيها السفر. فترتيب الاسفار ليس بصدفه او بدون اهميه لاهوتيه وتفسيريه . فالله في عنايته وسيادته قد جعل للاسفار المقدسه ترتيبا معينا في القانونيه (القانونيه هو مصطلح لاهوتي المقصود به الاسفار المعتمده والقانونيه التي اوحي بها الله في كلمته المقدسه ، والقانونيه تشمل ايضا ترتيب تلك الاسفار وترابطها اللاهوتي). وبالتالي ينبغي ان تكون القانونيه هي احد العوامل الرئيسيه في فهمنا للسفر ولمحتواه اللاهوتي. اي كيف يرتبط السفر لاهوتيا بباقي الاسفار التي جاءت قبله وبعده وكيف يرتبط السفر بالفكر العام في كل اسفار الكتاب المقدس؟ وهل هناك عبارات لغويه او مفردات اصطلاحيه لاهوتيه داخل السفر تجعل هناك روابط لاهوتيه بينه وبين اسفار اخرى في القانونيه ؟
3- ينبغي ان نفهم السفر في ضوء خطه الله لخلاص البشر والفداء في المسيح والتي اعلن عنها الله بشكل تدريجي من بدايه الاسفار المقدسه وحتى اخر سفر في القانونيه . يبدا الاعلان عن خطه الله للفداء في سفر التكوين مع خلق الانسان ثم سقوطه في الخطيه ثم عمل المسيح الكفاري المعلن عنه في العهد الجديد الذي تم التمهيد له في احداث وشخصيات العهد القديم ثم اتمام الكلي لهذا الفداء بمجيء المسيح ثانيا عندما يكتمل ملكوت الله على الارض، ونجد الاعلان عن هذا الاتمام في اسفار قانونيه كثيره منها مثلا سفر الرؤيا.
4- ينبغي ان ندرك جيدا ان المسيح هو مركز الاسفار القانونيه وان النصوص المقدسه تشير لشخصه وعمله سواء بشكل مباشر او عن طريق تشبيهات وظلال ورموز. وبالتالي ففهمنا للاسفار المقدسه ينبغي ان يكون فهما كرستولوجيا (كرستولجي يعني مسيانيا او مسيحيا اي في اشاره لشخص المسيح (من هو؟) وعمل المسيح (ماذا تمم ويتمم وسيتمم؟).
5- لا ينبغي ان نصرف وقتا طويلا لمحاوله فهم من هو كاتب السفر. فاذا اعلن السفر، او شهد احد اسفار القانونيه ، بوضوح عن كاتبه واعطى بعض الارشادات عن الخلفيه التاريخيه التي كتب فيها فهذا امر جيد ويجب استخدامه في التفسير. ولكن ان لم يعلن السفر عن كاتبه او ظروف الكتابه او المكتوب اليهم فلا داعي لصرف وقت وجهد في محاولات تخمينيه افتراضيه لمعرفه هذه الامور. فالله في عنايته لم يعلن لنا عن كل هذه المعلومات وهو مدرك تماما انها غير الزاميه لفهم كلمته المقدسه والا كان قد اعلنها لنا.
ناتي الان لسفر نشيد الانشاد وسنتبع المبادئ السابق ذكرها في فهمنا لهذا السفر:
اولا القالب الادبي:
يتضح لنا في الاصل العبري ان السفر قد كتب في صوره شعر ادبي يسرد احداثا تاريخيه وليس نثرا. يرى البعض ان السفر هو عباره عن قصه ادبيه لاحداث تاريخيه تحكي زواج الملك سليمان من عروسه شولميث (نشيد الانشاد 6: 13). ولكن المشكله في هذا الراي هو ان القراءه المباشره للسفر لا توضح حبكه القصه المزعومه . فلكل قصه ادبيه عده عوامل كشخصيات القصه والحبكه الدراميه وذروه الاحداث (اي العقده ) ثم الحل، وهكذا. لكننا لا نرى كل هذه العوامل في السفر. كما ان القصه الادبيه غالبا ما يتم سردها باسلوب نثري وان كان هذا لا يمنع ان يستخدم الشعر في سرد القصه الادبيه . كما انه هناك مرات يصعب علينا فهم من هو المتحدث في اجزاء السفر المختلفه كما يصعب تحديد الحدث المراد شرحه. ومرات نجد تكرارا لبعض اجزاء من السفر. ولذلك فان كان القالب الادبي قصصي فان هذه القصه غير متماسكه من الناحيه الادبيه .
القالب الادبي الاكثر وضوحا للسفر هو ان السفر عباره عن قصائد حب مكتوبه باسلوب شعري. ولان السفر مجموعه من القصائد الشعريه فهذا يفسر لنا عدم الترابط الادبي بين تلك القصائد المختلفه . ولانه قصائد عن الحب فهذا يفسر لنا وجود تلميحات جنسيه داخل السفر. ولكن كون السفر مجموعه من قصائد الحب لا يمنع ان يكون هناك معاني ثانويه تشير الى المسيح والكنيسه كما سنرى فيما بعد.
وما يؤيد هذا الراي هو وجود تشابه بين بعض الابيات الشعريه في السفر وبعض قصائد الحب الشعريه المصريه القديمه .[1] يرجع زمن كتابه هذه القصائد المصريه الى ما بين 2000 الى 1000 قبل الميلاد تقريبا. اي قبل الزمن الذي عاش فيه الملك سليمان. ولان الحضاره المصريه في تلك الحقبه كانت لها تاثيرا كبيرا على باقي الممالك المجاوره فلا نتعجب ان وجدنا تشابها بين بعض من هذه الاشعار وبعض الابيات الشعريه في سفر نشيد الانشاد. وهذا التشابه يؤكد لنا طبيعه السفر من ناحيه القالب الادبي. فالسفر هو عباره عن مجموعه من قصائد الحب مكتوبه بشكل شعري.
وهذه القصائد الشعريه في سفر نشيد الانشاد تمنحنا فهما خاصه للعلاقه الجنسيه الممتلئه بالحب على انها مكانا مباركا ومقدسا للحضور الالهي. فتقدم هذه الاشعار قاعده للاهوت يتم من خلاله كمال العلاقه الجنسيه وفدائها.
ثانيا سفر نشيد الانشاد كادب الحكمه بحسب قانونيه العهد القديم:
ان سفر نشيد الانشاد وكلا من الامثال والجامعه منسوبين للملك سليمان حيث انه هو مصدر ادب الحكمه في اسرائيل. فكما ان موسى هو مصدر الشريعه وداود هو مصدر المزامير كذلك سليمان هو مصدر ادب الحكمه . ان دور سليمان الملك كاحكم رجل في اسرائيل تم الاعلان عنه بشكل اوضح في سفر الملوك الاول (1 ملوك 3؛ 4: 29؛ 5). ان نسب سفر نشيد الانشاد لسليمان في قانونيه العهد القديم يضع هذا السفر في قرينه كتابات ادب الحكمه . وحيث ان حكمه سليمان مصدرها الله فبالتالي الحب الموصوف في السفر هو حب الهي.
ان ترتيب اسفار العهد القديم كما هو موجود بين ايدينا باللغه العربيه وكذلك الترجمات الانجليزيه ماخوذ عن الترجمه السبعينيه للعهد القديم.[2] وبحسب هذا الترتيب تم تقسيم العهد القديم الى اربعه اجزاء: التوراه (او ناموس موسى)، الاسفار التاريخيه ، الاسفار الشعريه ، ثم الاسفار النبويه . لكن في النص العبري المعتمد والمعروف بالنص المازوري يوجد ترتيب مختلف لاسفار العهد القديم. وبحسب الترتيب العبري هذا تم تقسيم العهد القديم الى ثلاثه اجزاء: التوراه (او ناموس موسى)، والانبياء، والمزامير (ليس المقصود سفر المزامير فحسب وانما سمى هذا القسم بالمزامير لان سفر المزامير هو اول اسفار هذا الجزء). واننا نجد الرب يسوع يشير الى العهد القديم باجزائه الثلاثه مما يؤيد اعتماد الترتيب العبري وتفوقه على ترتيب الترجمه السبعينيه . ففي لوقا 24: 44 وبعد القيامه ظهر المسيح للتلاميذ واخذ يشرح لهم كيف ان كل العهد القديم يشير الى شخصه والى عمله. قال المسيح: “هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وانا بعد معكم : انه لا بد ان يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والانبياء والمزامير.” وهنا يتضح لنا التقسيم الثلاثي للعهد القديم وذلك بحسب الترتيب العبري. وحيث ان نصوص العهد القديم باللغه العبريه هي الموحى بها وان الترجمه السبعينيه هي في مجرد ترجمه لذلك وجب علينا ان نتبع الترتيب العبري لاسفار العهد القديم لان اشاره المسيح لهذا الترتيب جعل له اهميه وتميز. والله في عنايته جعل من خلال قانونيه العهد القديم وترتيب اسفاره اطارا لاهوتيا لفهم الاسفار المقدسه ونصوصها. ولذلك فترتيب الاسفار هو في حد ذاته عامل اساسي ينبغي ان يوجه طريقه فهمنا لمحتوى الاسفار نفسها.
فمثلا بحسب الترتيب العبري للعهد القديم ياتي سفر الامثال يليه سفر راعوث[3] ثم سفر نشيد الانشاد. وفي سفر الامثال نجد الحكمه مجسده في صوره امراه (امثال 8 – 9). ثم نجد وصفا للمراه الفاضله (او الحكيمه ) في اخر اصحاح في سفر الامثال (امثال 31). ثم ياتي سفر راعوث حيث نجد راعوث مثالا ونموذجا للمراه الحكيمه الفاضله التي وصفها الاصحاح الاخير في سفر الامثال اي قبل سفر راعوث مباشره .[4] واخيرا نجد الاحتفال والتمتع بالمراه الحكيمه في سفر نشيد الانشاد. فقرينه ترتيب الاسفار القانونيه تعطي لنا اطارا لاهوتيا نفهم من خلاله محتوى السفر والقصد منه.
يصور سفر نشيد الانشاد وصول حاشيه الملك سليمان لحضور حفل زفافه. الحفل الذي امتد لمده سبعه ايام. يوصف الملك بالحب الذي يسعى وراء عروسه. وبالتالي فالسفر هو عباره عن انعكاس الحكمه لطبيعه الحب المبهجه والسريه بين الرجل والمراه داخل اطار الزواج. والسفر ايضا هو عباره عن احتفال بخليقه الله الصالحه مع التركيز على جانب الحب الانساني. الذي هو انعكاسا للحب الالهي.
وهنا يجب ان نوضح عده امور خاصه بالمفهوم المسيحي الكتابي للحب الانساني والجنس في العلاقه الزوجيه :
1- خلق الله الانسان على صورته. وفي قصه الخلق في تكوين 1 – 2 نجد ان الله كان يقيم كل شيء خلقه بعد اتمامه اذ يقول عنه انه “حسن” (تكوين 1: 4، 10، 12، 18، 21، 25، 31). ولكن عندما خلق الله ادم كان تقيمه للامر مختلفا اذ ولاول مره في قصه الخلق ياتي تقييم الله للوضع على انه “ليس جيدا” (تكوين 2: 18). والكلمه “جيدا” في اللغه العبريه هي نفس الكلمه “حسن” المستخدمه سابقا في تقييم الخليقه .
اي ان الله في حكمته لم يرى البشريه جيده وحسنه الا بخلق المراه (قارن تكوين 1: 31 حيث ياتي تقييم الله العام لكل الخليقه بان كل شيء قد عمله هو حسن جدا بعد ان خلق كل شيء بما فيه ادم وحواء). والسؤال لماذا؟ نجد الاجابه عن ذلك في تكوين 1: 28 حيث نجد التكليف الالهي للانسان بان يثمر ويكثر ويملا الارض. وهو تكليف موجه لادم وحواء معا. اي على الانسان ان يجعل من هذه الارض ملكوتا لله بانجاب ذريه تعبد الله وتمجده. ولكن كيف لادم ان يتمم هذه المهمه لوحده. فهو يحتاج لامراه كي تتم عمليه الانجاب بشكل طبيعي. ولهذا نجد ان الله قد خلق في الانسان الغريزه الجنسيه وباركها بل وتوقع منهم استخدامها لاتمام المهمه الالهيه . فالجنس هو جزء من خليقه الله الصالحه جدا. وهو ايضا عامل اساسي في اتمام الارساليه التي كلف بها الله الانسان قبل السقوط. فالجنس ليس احد نتائج السقوط كما يظن البعض. ان المفهوم المسيحي يرى ان الزواج مكرما والمضجع غير نجس (عبرانيين 13: 4). وبالتالي ينبغي فهم رساله سفر نشيد الانشاد في ضوء تكليف الله للانسان والارساليه التي كلفه بها واهتمام الله بالانسان وبكل جوانب حياته بما فيه الحب والعلاقه الجنسيه التي خلقها الله فيه.
2- يعلمنا الكتاب المقدس بكل وضوح ان الزواج في حد ذاته يشير الى المسيح. يقول بولس في افسس 5: 32 “هذا السر عظيم، واعني به سر المسيح والكنيسه .” والسر هنا هو المقصود به تاسيس علاقه الزواج في تكوين 2. وبالتالي فعلاقه الزواج كما يرسمها لنا سفر نشيد الانشاد تشير الى عهد الحب الذي دخل فيه الله مع شعبه. وهناك نصوص مقدسه اخرى من الانبياء نجدهم فيها قد استخدموا الحب المتعلق بالزواج لكي يصفوا العلاقه بين الله واسرائيل (هوشع 1 – 2؛ ارميا 2: 2؛ 3: 1 – 3؛ اشعياء 50: 1؛ 54: 5؛ 62: 4؛ حزقيال 16؛ 23).
ثالثا خطه الله للفداء واعلانها بشكل تدريجي:
يساهم سفر نشيد الانشاد في الاعلان عن خطه الله لفداء شعبه حيث يعلن الله عن هذه الخطه بشكل تدريجي عبر النصوص المقدسه . اننا نجد بين ابيات سفر نشيد الانشاد احتفالا بعوده الانسان لجنه عدن. ففي الجنه كان ادم وحواء “عريانين، وهما لا يخجلان” (تكوين 2: 25). كان الانسان حرا ان ياكل من ثمار الجنه وان يحيا في تناغم وتجانس مع الحيوانات وان يسير ويتحدث مع الله (تكوين 3: 8 – 9). ولكن بعد طرده من الجنه نتيجه الخطيه وجد الانسان نفسه في عالم الشقاء والتعاسه والحياه الصعبه المريره . وسفر نشيد الانشاد يقدم لنا لمحه لعوده الانسان لعدن. انها عوده لحاله البراءه التي خلق العالم لكي يكون عليها. انها عوده الى “العري وعدم الخجل”، عوده لبهجه الخليقه المطلقه والوجود في حضور الله (قارن نشيد الانشاد 4: 12، 15 – 16؛ 5: 1؛ 6: 2).
ان سفر نشيد الانشاد يتحدث عن ملك اسرائيل الراعي، الذي هو من نسل داود، المقدم على انه الشخص الاسرائيلي المثالي، مستمعا بعروسه المثاليه في جنه خصبه حيث تنعكس نتائج السقوط. فسفر نشيد الانشاد مليء بصور ماخوذه عن الجنه تجسد مشاهد متعدده من عدن. ومن المثير للاهتمام هو ما يمكن ام يكون ذروه تعبير السفر عن استعاده العلاقه الحميمه التي فقدت في تكوين 3 والتي يعبر عنها السفر بلغه لها اصداء بدايه الاغتراب. فنهايه اللعنه على المراه في تكوين 3: 16 تقول “الى زوجك يكون اشتياقك، وهو عليك يسود.” وهذا ينعكس في نشيد الانشاد 7: 10 حيث يقول “انا لحبيبي والي اشتياقه.” والكلمه “اشتياق” الموجوده في تكوين 3: 16 هي نفس الكلمه المستخدمه في نشيد الانشاد 7: 10. ففي اللعنه يكون اشتياق المراه للرجل (اي ان تحاول ان تسود عليه وان تكون هي الراس) ولكن في نشيد الانشاد الذي يمثل العوده لجنه عدن يكون اشتياق الرجل للمراه (اي ان يقدم نفسه لاجلها).
ولذلك فعندما نتخذ تكوين 2 – 3 مفتاحا لفهم سفر نشيد الانشاد نشترك في سيمفونيه الحب التي كانت للانسان الاول. فقد خلق الرجل والمراه لكي يتبادلوا العواطف ويعيشوا في انسجام مع بعضهما البعض في الجنه ، حيث تتحد الطبيعه والتاريخ كي يحتفلوا بالجسد الواحد الذي يتحقق بالعلاقه الجنسيه . فحبهم هو حقا “عظم من عظامي ولحم من لحمي” (تكوين 2: 23) وصوره الله هذه في الذكر والانثى هي حقا حسنه جدا.
ولكن السفر لا يعود فقط بالانسان الى حاله البراءه في جنه عندن وانما يقود الانسان الى حاله افضل بكثير من عدن وهي حاله اكتمال ملكوت الله على الارض. وهنا يشير السفر الى الحب في معناه الكامل والمقدس عندما يتحقق ملكوت الله في ملئه على الارض كما هو في السماء. فالسفر يرجع بالانسان الى ما قبل السقوط ويتطلع بنا الى اكتمال تحقيق الملكوت. وما بين الحالتين نجد خطه الله لفداء شعبه تتحقق من خلال شخص المسيح وعمله.
رابعا المسيح في سفر نشيد الانشاد:
يشير سفر نشيد الانشاد الى شخص المسيح وعمله. ان الحب والزواج هو الموضوع الاساسي لسفر نشيد الانشاد. وكما راينا ان النصوص المقدسه تستخدم الزواج كصوره او ظل لعلاقه الله مع شعبه. ولكن الشخصيه الجليه في السفر هو العريس، اي الملك سليمان نفسه. فسليمان من دون كل الشخصيات وكل الملوك هو شخصيه العريس في السفر. وبالرغم من ان سليمان كان حكيما جدا الا ان حكمته هذه لم تجعله يتبع متطلبات العهد الموسوي بعدم الزواج من الاجنبيات (تثنيه 7: 1 – 3). وهذا السلوك جلب عليه التاديب الالهي. لكن هذا لا يقلل من دور سليمان الفعال ومكانته في اللاهوت الكتابي. دوره هذا نجده في اطار العهد الداودي (اي عهد الله مع داود) في 2 صموئيل اصحاح 7. ففي 2 صموئيل 7 يعد الله داود بابن يكون وارثا ووسيطا لبركه الله لشعبه داخل العهد. وعد الله ان يقيم نسل داود كي يرث داود، حيث “يخرج من احشائك واثبت مملكته” (2 صموئيل 7: 12). بعد ان نضع نقاط فشله جانبا، نجد ان دور سليمان في مسرح اللاهوت الكتابي هو رمزا لشعب الله ووعد الله والخلاص في اطار العهد. فلادم بعد خطيته، وعد الله ان نسل المراه سوف يسحق راس الحيه (تكوين 3: 15). ولنوح، وهو سائر في غيبوبه السكر، تعهد الله ان من نسل سام، ابن نوح، سوف ياتي المخلص (تكوين 9: 26). ولداود، بعد ان سقط في خطيه الزنا مع بثشبع وقتل زوجها، وعد الله انه سيقيم نسل داود كوسيله لخلاص شعبه. في كل المرات، وبالرغم من حالات الفشل الشخصيه ، كان هناك وعدا شخصيا من الله، والتحقيق الفوري لهذا الوعد هو ظلا لتحقيقا اعظم واكمل في المسيح.
لذا فسليمان، وهو النتيجه المباشره لوعد الله العهدي لداود والميثاق العهدي بين الله وكنيسته، كان مثالا (او ظلا) للمركز الجوهري للعهد: الرب يسوع المسيح، الذي هو ابن داود (متى 1: 1)، وهو اصل وذريه داود (رؤيا 22: 16). ان العهد الجديد يبدا وينتهي بالمسيح على اعتباره ابن داود، متطابقا مع كونه الاتمام والتحقيق النهائي والاكمل لوعد الله العهدي بارسال المخلص.
وبالتالي فاننا نجد ان شخصيه سليمان نفسه (وليس مجرد فكره الزواج) في سفر نشيد الانشاد هو المفتاح التفسيري للسفر. لانه هو ابن داود الذي وعد به الله وارثا للعهد. ولهذا فهو ظلا ومثالا لابن داود الاعظم، الرب يسوع المسيح، الذي زواجه من الكنيسه يعتبر عقيده اساسيه في العهد الجديد كما انها استعاره اساسيه ايضا في العهد الجديد. وبالتالي فتفسير سفر نشيد الانشاد على انه مثالا وظلا لشخص المسيح لا يعتمد على استخدام كتاب الكتاب المقدس لاستعاره الزواج وانما على المكانه التي احتلها سليمان في الاعلان الكتابي المتدرج.
تشابهات بين العهد الداودي وسفر نشيد الانشاد:
يمكن توضيح الفكره السابقه عن ان شخصيه سليمان في سفر نشيد الانشاد هي ظل للمسيح من خلال شرح التشابهات بين مصطلحات العهد مع داود وبين مصطلحات سفر نشيد الانشاد نفسه.
اولا صوره الزرع والغرس:
يقول الله في 2 صموئيل 7: 10 انه سيزرع (يغرس) شعبه في ارضهم.[5] وهذه الفكره منتشره خلال العهد القديم. فمزمور 80: 7 يصف اسرائيل على انها كرمه ماخوذه (مقتلعه ) من مصر وتم اعاده غرسها في كنعان. ويستخدم كلا من اشعياء 58: 11 وارميا 31: 12 صوره الزرع والغرس عن شعب الله. فالله هو حقا الغارس (قارن يوحنا 15: 1) وشعبه هو الغرس. وفكره الغرس والزرع هي الفكره الاساسيه في العهد مع داود.
هناك اشارات كثيره في سفر نشيد الانشاد للحدائق والجنات في اشاره الى سليمان (نشيد الانشاد 6: 2) وفي اشاره الى عروسه (نشيد الانشاد 4: 12؛ 8: 13). ان اوصاف اوراق النباتات الخصبه والزهور العطره في سفر نشيد الانشاد تستدعي صوره فردوس جنه عدن التي اعدها الله لادم في فجر التاريخ البشري. ولهذا فالجنه التي دمرها الانسان بخطيته قد قرر الله ان يعيد بناءها وغرسها بنعمته، وصوره الجنه هذه نجدها بشكل متكامل في العهد الداودي.
في ضوء كل هذا فان الاشارات الى بساتين الملك وكرومه، حيث تستمتع العروس بالموده والقرب في حضوره، لها معاني اعمق. فالعريس هو الشجره المتميزه بين شجر الوعر (نشيد الانشاد 2: 3) وفي داخل جنته يستمتع بثمار ليس فقط زرعه وانما ايضا ثمار حب عروسه. ولهذا ففي سفر نشيد الانشاد يوجد صدى للعمل الالهي في العهد. الله هو الاله الزارع. والكنيسه هي عمل يديه. وجماعه العهد الخاصه به هي جماعه مثمره (قارن هوشع 14: 8؛ غلاطيه 5: 22 – 23). فبركات الصداقه الحميمه والحب يمكن التمتع بها فقط كنتيجه مباشره لعهد النعمه .
ثانيا يركز العهد الداودي على نسل داود (2 صموئيل 7: 12):
لاحظ ان الشخص المستفيد من العهد لا يذكر اسمه في 2 صموئيل 7، ولا يشار اليه على انه ابن داود وانما نسل داود.[6] الوعد بتثبيت مملكته وكرسيه يتحقق جزئيا في سليمان، الذي هو ابن داود، ولكنه يمتد الى ما هو ابعد منه، الى المستفيد النهائي للعهد، اي الرب يسوع المسيح الذي هو نسل داود. فهو اصل وذريه داود (رؤيا 22: 16). المسيح جاء منه داود وهو جاء من داود. فتعاليم العهد الجديد عن المسيح مرسخه في العهد الداودي. وسليمان بطل سفر نشيد الانشاد هو الوارث الموعود به في العهد. بالتالي هو مثال وظل للمسيح. ولكن اتمام العهد بشان نسل داود يتحقق ايضا في الزواج نفسه. فالزواج هو عباره عن اتفاق يحفظ ويربط الحب بين طرفين. هو ايضا هبه منحها الله لتكاثر البشريه . والله لم يقصد فقط ان يكون الزواج اطارا لعلاقه الحب ولكنه قصد ايضا ان يكون نتيجه الزواج استمتاع جسدي للعلاقه الجنسيه التي ينتج عنها ولاده الاطفال. فالاتحاد الاسري مبني على اساس عهد الزواج. وبدون سفر نشيد الانشاد قد نظن من التاريخ الكتابي ان سليمان لم يكن لديه زواج كامل بحسب فكر الله. مع ان الله قد ادب سليمان تحديدا لانه اتخذ لنفسه زوجات اجنبيات، مرتكبا الزنا في داخله وطارحا كل حذر واستقامه في مهب الريح. ولكن عندما تكثر الخطيه تزداد النعمه جدا (روميه 5: 20). فبالرغم من خيانه سليمان وزناه، الا ان الله يكرم التزامه للفضيله والزواج بتذكيرنا في سفر نشيد الانشاد بهذا الزواج الممتلئ من بركه الله. وليس هذا فقط ولكن السفر يتطلع بنا الى الله حين يتمم شروط الوعد العهدي: سيكون هناك نسلا. فسليمان لن يكون عاجزا وعروسه لن تكون عاقرا. فصوره الغرس، وصوره النسل تنتقل في قرينه الزواج الى امر متوقع ومنتظر، حيث تتحقق بركه العهد بشكل نهائي في قدوم ابن داود الاعظم، الرب يسوع المسيح. فالمسيح هو النسل الموعود به، وبالرغم من فشل سليمان في طاعه ناموس الله، الا ان النعمه تكثر للدرجه التي فيها يكون رابطه الزواج هي الوسيله التي من خلالها ياتي النسل الموعود به، اي المخلص الموعود به.
ثالثا يركز العهد الداودي على تثبيت واستمرار العرش الملكي:
يؤكد العهد الداودي على ان المملكه وكرسي المملكه سوف يثبتون (2 صموئيل 12 – 13). حيث يتعهد الله ان يضمن استمرار نسل داود ككرسي شرعي للسلطه وكمكان يعرف على انه مكان للبركه . والعلاقه قريبه جدا بين العرش الذي جلس عليه داود وبين الحكم الملكي الذي يمارسه الرب على شعبه حيث يقول سفر اخبار الايام الاول “وجلس سليمان على كرسي الرب ملكا مكان داود ابيه” (1 اخبار الايام 29: 23). فالكرسي الذي اعتلاه سليمان هو كرسي الرب. وبالتالي فالعرش الذي جلس عليه نسل داود ليس اقل من كونه عرش الله نفسه. ونفس الفكره نجدها بوضوح في اخبار الايام الثاني حيث يشار الى مملكه الرب على انها في يد بني داود (2 اخبار الايام 13: 8).
يعرض سفر نشيد الانشاد صفات وصور ملكيه في كثير من المواقع. فاورشليم وهي مدينه داود ذكرت اكثر من مره (1: 5؛ 2: 7؛ 3: 5، 10؛ 5: 8، 16؛ 6: 4؛ 8: 4)، وكذلك ايضا القصر الملكي (1: 4؛ 2: 4). واوضح اشاره الى مكانه سليمان الملكيه هي في 3: 9-11، حيث موكب تتويج سليمان، والاشاره الى موضوع الزواج والتتويج. فسفر نشيد الانشاد يركز على الفكرتين معا: مكانه الملك وزواجه. وهكذا ينسج السفر من خلال مجموعه من التشبيهات والاستعارات التي ترسم لنا شخصيه سليمان ووظيفته تحت سياده الله. وبالرغم من خطاياه الشخصيه وضعفاته، والتي هي كثيره ، الا انه كان يمتلك وظيفه رسميه كملك على شعب الله. وهذه الوظيفه تحديدا اتمت شروط العهد الذي صنعه الله مع ابيه. والتاج الذي كان على راس سليمان كان رمزا قويا لامانه اله سليمان. ولذلك اصبح صوره ومثال للتاج الذي وضع يوما ما على راس يسوع المسيح. فسفر نشيد الانشاد يحتفل ليس فقط بالعريس الملكي والعروس الملكيه ، وانما يذكرنا ايضا ان العريس ليس مجرد زوجا عاديا ولكنه شخصا قد ختم عليه الله، اي انه ملكا لله. ومن المهم ان نتذكر التميز، والتلازم، بين الاشارات الى شخصيه سليمان وبين وظيفته طوال السفر.
رابعا يركز العهد الداودي على البنوه الالهيه للوارث الموعود به والمستفيد من العهد:
اعلن الرب وبشكل جلي عن ابن داود “انا اكون له ابا وهو يكون لي ابنا.” (2 صم 7: 14؛ تكرر في مز 89: 26 – 27). فالعهد له وظيفه تبني فيما يختص بابن داود، من خلال فضل اختيار الله له، كان عليه ان يدخل في علاقه فريده مع الله. هذه العلاقه الفريده نجد ظلا لها في قصه ميلاد سليمان. فعندما ولدته بثشبع يقول الكتاب المقدس ان “الرب احبه” (2 صموئيل 12: 24). وهذا الحب ظهر في الاسم الذي كثيرا ما ننساه وكان الرب قد اطلقه على سليمان: يديديا، ومعناه “محبوب الرب” (2 صموئيل 12: 25). في مزمور 89: 27 جعل الرب داود بكرا بالرغم من ان داود لم يكن فعليا اول ملك على اسرائيل ولم يكن اول ابنا مولودا لوالديه. ان اختيار داود نجد صدى له في المكانه والعلاقه مع الله التي احتلها سليمان. فمن دون كل عائله داود اختار الله سليمان كابن له. لذا فانه في غايه الاهميه ان اعظم قصيده حب في العهد القديم كانت قصيده سليمان، وليس احدا اخرا. وان كان اسهام سفر نشيد الانشاد للقانونيه يقتصر على مجرد الاحتفال بالحب الانساني في اقصى درجات نقائه، فكان من الممكن او المفترض جدلا ان تظهر في السفر اي شخصيه اخرى. ولكن في الواقع الشخصيه الرئيسيه في السفر هو سليمان، حيث دعي تحديدا ليس مجرد محبوب شولميث ولكن محبوب الرب، وليس مجرد ابن داود العظيم ولكن ابن الله القدير. فكلما ذكر سليمان في السفر تاتي الاشاره للعهد. فهو النسل الملكي الموعود به والذي جعله الله خاصته. فسفر نشيد الانشاد، وان كان لا يشير تحديدا الى اجداد العريس الملكي، مع ذلك يستدعي المكانه المتميزه التي احتلها العريس في تجلي اعلان الله. فهو ليس عريس عادي وليس ملك عادي.
خامسا يركز العهد الداودي على رحمه الله ومحبته الغير قابله للتغير:
يذكر 2 صموئيل 7: 15 بكل وضوح الوعد ان رحمه الله (والكلمه العبريه المترجمه رحمه تشير الى رحمته ومحبته وامانته في اطار العهد) لن تنزع من نسل داود. وقد جاءت كلمه الحياه الى كنيسه العهد القديم في الاعلان عن رحمه وامانه الله. وهذا الوعد هو ما جعل داود يتوقع امورا اعظم. فهو علم ان الله تكلم “الى زمان طويل” (2 صموئيل 7: 19). ولهذا فقد علم داود ان الله من خلال العهد قد احب شعبه لذلك يمكنه ان يتنبا ان الملك الاعظم سوف ياتي من صلبه. وبالرغم من بعض الافعال الفرديه التي قام بها نسل داود (بما فيه سليمان) والتي هي بمثابه عصيان لله وفقدانهم لبركات العهد، فهذا لا يؤثر على حتميه القسم الالهي. حيث يؤكد الله بشده على اخلاص واستمراريه عهده مع داود بالرغم من ظهور بعض الشخصيات في نسل داود التي بدت وكانها غير جديره بالعهد. وفي عرضه للاخبار الساره يدعو النبي اشعياء الجميع الى عهد ابدي (اشعياء 55: 1-3)، اي مراحم داود الصادقه . فالعهد في اساسه هو دعوه للجميع كي يقبلوا الاخبار الساره .
وبالرغم من ان الكلمه العبريه المترجمه رحمه غير موجوده في سفر نشيد الانشاد الى ان الفكره البارزه في السفر هي الحب الذي هو اقوى من الموت (نشيد الانشاد 8: 6). فالحب هو ذلك الشيء الذي لا يستطيع الموت ان يدمره. وان كان على المستوى الانساني ينتصر الموت، حتى في اصدق اشكال الحب بين الحبيبين يفصل الموت بينهما. ولكن الحب الذي يحتفل به سفر نشيد هو شيء ثابت، شيء ابدي. فالحب لا تغمره المياه الكثيره (نشيد الانشاد 8: 7). ومن الملفت للنظر ان اشعياء وفي القرنيه التي ذكرناها سابقا يتحدث عن الطوفان (اشعياء 54: 8 – 9)، وهو اشاره الى العهد النوحوي وحتميه نعمه الله الثابته الى الابد. فرحمه العهد هي الفكره المسيطره على هذا النص “باحسان ابدي ارحمك” (اشعياء 54: 8). يربط ارميا بين فكره الحب وبين فكره الرحمه الابديه في ارميا 31: 3 حيث يقول الله لشعبه “محبه ابديه احببتك، من اجل ذلك ادمت لك الرحمه ”.[7] والربط بين فكره الحب وفكره امانه ورحمه العهد هو بمثابه تكامل في العرض النبوي عن الرب الذي هو عروس الكنيسه . فالحب هو ذلك الشيء الذي لا تستطيع ان تقتنيه ثروه بيت الانسان (نشيد الانشاد 8: 7). وفي ضوء التفاعل داخل العهد الداودي بين رغبه داود ان يبني بيتا لله وبين عزم الله على ان يبني بيتا (اي مملكه ) لداود، نجد ان هذه العلاقه مهمه . فالدرس الذي تعلمه داود هو انه امتياز اعظم ان تكون موضوع بناء الله عن ان تكون باني بيتا لله. فحكمه الاخبار الساره تتمركز ليس حول ما نستطيع ان نعمله نحن من اجل الله ولكن ما يستطيع ان يعمله الله من اجلنا. وبالمثل فنفس فكره محبه الله العهديه وامانته للعهد، كونهم شيئان متكاملان لاعلان عهد نعمته مع داود، اصبح هذا ايضا الموضوع الغالب في سفر نشيد الانشاد. فسفر نشيد الانشاد هو حقا نشيد ابن داود.
الخاتمه :
ان التفسير المجازي الشائع لسفر نشيد الانشاد لا يهتم بالخلفيه التاريخيه للسفر ولا بشخصيات السفر كشخصيات لها دور في تاريخ الاعلان الالهي لخطه الفداء. وايضا التفسير الحرفي الذي يرى السفر على انه مجرد اشعار للحب بين سليمان وزوجته ايضا لا يفي الغرض من السفر حيث انه جزء من قانونيه الاسفار المقدسه والتي تشير بشكل شامل ومحدد لشخص وعمل المسيح وتعلن بشكل تدريجي عن خطه الله لفداء شعبه.
وبالتالي فيجب فهم سفر نشيد الانشاد في ضوء عمل الله واعلانه عن الفداء وتحديدا في ضوء عهد النعمه الذي اقامه مع داود. وكما راينا فان السفر يحمل في داخله صورا واشارات واستعارات ودلالات لاهوتيه تشير الى ربطه بالعهد الداودي وتمثل لنا الدليل الذي من خلاله نفهم السفر. وبهذا المعنى فالسفر يحتفل حقا بالحب الانساني وليس اقل من ذلك ولكنه في ذات الوقت يحمل معاني اكثر من ذلك بكثير جدا.
في العهد القديم كان اليهود هم الشعب المتميز الذي عليه ان يرحب بالامم في هيكل الله ويحملون رساله التوبه لهم. وفي سفر نشيد الانشاد لا يوجد امتياز لهم. فكل النساء تتنافس على حب سليمان ولكن الاميره شولميث تستولي على حبه بجمالها ووجدانها ومثابرتها. والتطبيق لهذا الموقف هو ان اليهود والامم متساوون في نظر الله. حيث ان شولميث كانت من الامم وليست من اليهود. فبالرغم من كونها غريبه عن العهد وجماعه العهد الا انها بفضل زواجها من سليمان قد اندمجت في هذه الجماعه . فزواجها من ابن داود ادى الى جعلها وريثه لله، ووارثه مع سليمان لبركات العهد، كعضوه كامله في جماعه العهد، وكانها لم تكن اي شيء خلاف ذلك من قبل. ويعتبر هذا هو جوهر رساله الانجيل، اننا اصبحنا “ورثه الله ووارثون مع المسيح” (روميه 8: 17). هذا هو قلب العهد. تجمع رساله افسس هذه الافكار معا. فهؤلاء الذين كان بالطبيعه “بدون مسيح، اجنبيين عن رعويه اسرائيل، وغرباء عن عهود الموعد” (افسس 2: 12) قد اصبحوا قريبين بدم المسيح، قريبين جدا، للدرجه التي فيها اصبحت الكنيسه هي عروسه (اف 5: 32).
وبالرغم من اننا يجب ان نتجنب التفسير المجازي والرمزي الذي يتجاهل الاحداث والشخصيات التاريخيه في السفر الا انه من الواضح جدا ان العهد الداودي يفتح لنا بابا لتفسير سفر نشيد الانشاد. ففي ضوء الاعلان عن العهد في تاريخ الفداء يمكننا ان نقول ان احتفال سفر نشيد الانشاد بالحب الانساني يشكل الفرصه الملائمه لموضوعه الاكبر، حيث يجب ان نرى ابعد من هذا، لان اعظم من سليمان ههنا.
فالسفر يتغنى بابن داود،[8] الذي هو ملك،[9] بمصطلحات مثاليه .[10] فعلى الرغم من الغربه التي يجب التغلب عليها، يتمتع هذا الملك، الذي هو نسل المراه ، ونسل ابراهيم، ونسل يهوذا، ونسل داود، بعلاقه حميمه تخلو من الخجل مع حبيبته،[11] في جنته التي هي ملكه.[12] وهذه كلها تعتبر صورا وظلالا مسيانيه تشير الى شخص وعمل المسيح.
فمن خلال اشعار سفر نشيد الانشاد تبصر البقيه التقيه في اسرائيل لمحه عن ذلك الشخص الذي سياتي ليعيدهم الى جنه عدن. ففي الخراب والدمار الذي اختبره الشعب خارج جنه عدن، وعلى الرغم من ان قلوب بعض ملوكهم قد انحرفت بعيدا عن طرق الرب من خلال النساء الاجنبيات، يتغنى السفر بجمال الملك الذي سوف يجمعهم معا مره اخرى. ومن المناسب ان يكون سفر نشيد الانشاد شعرا حين ان الشعر هو مراه تجعل ما قد تشوه جميلا.
- أشعارللحب ومودة