افضل مقالات مفيدة بالصور مواضيع جميلة

شرح حديث ( لكل داء دواء )

شرح حديث - لكل داء دواء - 20161013 69

شرح حديث ( لكل داء دواء )

شرح حديث - لكل داء دواء - 20161013 69

شرح حديث: (لكل داء دواء…)

عن جابر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: ((لكل داء دواء، فاذا اصيب دواء الداء، برا باذن الله عز وجل)).

اعلان 3

المفردات:
لكل: جار ومجرور، خبر مقدم، و(كل) من الكلمات التي تفيد العموم، وفي اغلب استعمالها تكون مضافه ، وقد تنون، فيكون تنوينها عوضا عن المضاف اليه، نحو قوله تعالى: ﴿ قل كل يعمل على شاكلته ﴾ [الاسراء: 84]؛ اي: كل انسان، او كل احد، ولا تدخل عليها “ال” في كلام عربي فصيح؛ لانها مضافه لفظا او تقديرا، فاصبحت بهذه الاضافه معرفه او في حكم المعرفه ، ومثلها (بعض)[1].

داء: مضاف اليه، والداء: المرض، وهو نوعان: بدني، وهو ما يصيب الانسان في جسمه، كالحمى والصداع والقروح وغيرها من الامراض الماديه ؛ وروحي، وهو ما يصيب الانسان في روحه ونفسه، كقسوه القلب وغلظته، وسوء الخلق ورداءته، ومنه النفاق والحسد والكبر، والعياذ بالله تعالى! ويجمع الداء على ادواء.

دواء: مبتدا مؤخر، والدواء: ما يعالج به الداء طلبا للشفاء، وهو نوعان كذلك: روحي معنوي، مثل الرقى والدعاء والاستغفار؛ وحسي مادي: كالعسل، والحجامه ، والعقاقير المعروفه في علم الطب، ومنه الكي، وهو اشدها، ويجمع الدواء على ادويه ، كما يجمع الشفاء على اشفيه .

ولا يجوز من الدواء روحيا كان او ماديا الا ما اذن به الشرع، وافضله ما ورد في الكتاب العزيز والسنه النبويه ، ولا سبيل الى معرفه طب القلوب والارواح الا من قبل الوحي، واما طب الابدان، فيرجع معظمه الى التجربه .

فاذا اصيب دواء الداء:
الفاء للعطف والترتيب، و(اذا) ظرف للمستقبل من الزمان، والمشهور انه خافض لشرطه منصوب بجوابه[2]، واصيب: فعل ماض مبني للمجهول فعل الشرط، ودواء: نائب الفاعل، والداء: مضاف اليه، واصل الجمله : فاذا اصاب المريض دواء دائه؛ اي: وجده وصادفه، حذف الفاعل؛ لانه غير معين فلا يتعلق به غرض خاص، واقيم المفعول مقامه فارتفع ارتفاعه.

برا: اي سلم وعوفي، جواب الشرط، يقال: برا من مرضه يبرا برءا، وبرئ بالكسر برءا فهو بارئ؛ اي: معافى، ويقال: برئ من العيب براءه ؛ مثل: سلم سلامه ، وزنا ومعنى.

باذن الله عز وجل: متعلق بجواب الشرط، واذنه تعالى: ارادته ومشيئته.

المعنى الاجمالي:
اشتمل الحديث على جملتين: اسميه افادت العموم، وفعليه شرطيه مرتبه عليها.

بين النبي صلى الله عليه وسلم في الجمله الاولى انه ما من مرض في هذا الوجود – روحيا كان او بدنيا – الا وله دواء يعالج به، علمه من علمه، وجهله من جهله، وبين في الجمله الاخرى التي رتبها على سابقتها انه اذا وافق الدواء الداء، واذن الله تعالى بالشفاء، عوفي المريض من مرضه، وسلم من دائه، فهذان شرطان للبرء لا بد منهما:
اصابه الداء وموافقته للدواء، بان يكون مناسبا له في كميته وكيفيته وزمان تعاطيه ومكانه، وتلقيه بالقبول، ولا سيما الدواء الرباني والطب النبوي.

واذن الله تعالى ومشيئته، فما شاء الله كان، وما لم يشا لم يكن ﴿ وما تشاؤون الا ان يشاء الله ﴾ [الانسان: 30].

وفي معنى هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: ((ما انزل الله داء، الا انزل له شفاء))؛ رواه البخاري عن ابي هريره ؛ اي: ما اصاب الله عبدا بداء الا جعل له دواء يبرئه، بينه الله تعالى في كتبه، او على لسان انبيائه ورسله، او هدى اليه من شاء من عباده بالهام صادق او تجربه موفقه .

بعض ما يؤخذ من الحديث:
1- دل الحديث بافادته العموم على ان الله تعالى خلق ادويه لجميع الامراض، حتى الناشئه عن السموم القاتله ، والمستعصيه على الاطباء المهره ، ولكنه سبحانه طوى علمها عنهم فلم يجعل لهم اليها سبيلا؛ تحقيقا لقوله – جل شانه -: ﴿ وهو القاهر فوق عباده ﴾ [الانعام: 18]، وقوله سبحانه: ﴿ وما اوتيتم من العلم الا قليلا ﴾ [الاسراء: 85].

2- كما دل الحديث على ان التداوي من الاسباب الماديه للشفاء، فلا تاثير له الا باذنه وارادته عز سلطانه، فكما لا يلزم من وجود الداء العلم بالدواء، لا يلزم من وجود الدواء تحقيق الشفاء، بل ربما احدث الدواء داء اخر، وربما تحقق البرء من غير دواء، كما شوهد في كثير من الاحيان.

3- وفي الحديث مشروعيه التداوي؛ بل استحبابه، وانه لا ينافي التوكل، بل هو من جملته؛ اذ لا تتم حقيقه التوحيد الا بالاخذ في الاسباب التي نصبها الله تعالى مقتضيات لمسبباتها قدرا وشرعا، فتعطيلها يقدح في التوكل نفسه، فان الصادق في توكله يمتثل ما امر به من الاخذ في الاسباب، معتمدا على العزيز الوهاب، وربما وجب التداوي شرعا اذا كان في تركه تعطيل امر واجب من واجبات المعاش او المعاد، لا جرم ان المرض الشديد يحول بين المريض وخير كثير، وقد جاء الامر بالتداوي صريحا في قوله صلى الله عليه وسلم: ((تداووا عباد الله، فان الله – عز وجل – لم ينزل داء الا انزل معه شفاء، الا الموت والهرم))؛ رواه الامام احمد وغيره عن اسامه بن شريك[3].

4- والحديث يشير اشاره لطيفه الى لطفه سبحانه بعباده ورحمته بهم، اذ ابتلاهم بالادواء واعانهم عليها بالادويه ، كما ابتلاهم بالذنوب واعانهم عليها بالتوبه والحسنات الماحيه .

5- وبهذا الايضاح يرد الحديث على غلاه الصوفيه الذين ينكرون التداوي، ويقولون: ان المرض بقضاء الله وقدره! غافلين او متغافلين عن ان التداوي كذلك بقضاء الله وقدره، بل كل ما يقع في الكون بقضاء الله وقدره، ومن ذلك اقرب الاشياء الينا الجوع والعطش، وقد امرنا بدفعهما بالاكل والشرب، كما امرنا بدفع المضار، وقتال الكفار، وجهاد النفس والهوى، ونهينا عن الالقاء بايدينا الى التهلكه ، مع ان الاجل لا يتغير، والمقادير لا يتقدم شيء منها ولا يتاخر.

من مباحث الحديث:
(ا) هل هذا الحديث عام باق على عمومه كما يستفاد من (كل) الموضوعه للعموم، او هو عام مخصوص بالهرم – وهو كبر السن – وبالموت، كما في حديث اسامه بن شريك المتقدم؟
قيل: انه عام مخصوص، ومعناه ان لكل داء دواء الا داءين اثنين لا دواء لهما البته ، هما: الهرم والموت، ولكن هذا التخصيص لا يتم الا اذا عددنا الهرم والموت مرضين حقيقيين، وقلنا: ان الاستثناء متصل؛ اي: انهما من جنس الامراض الحقيقيه ، فان قلنا: انهما ليسا من الامراض الحقيقيه ، وانما سماهما الرسول صلى الله عليه وسلم داءين على التشبيه بالمرض الذي تنتهي به الحياه ، فالاستثناء حينئذ منقطع.

وعلى هذا، فالحديث باق على عمومه، ليس مخصوصا ولا معارضا بحديث اسامه ، والامر بالتداوي مطلوب في كل حال ممكنه : ﴿ فاذا جاء اجلهم لا يستاخرون ساعه ولا يستقدمون ﴾ [الاعراف: 34].

(ب) وهل الحديث بما دل عليه من مشروعيه التداوي: جوازا او استحبابا او وجوبا – معارض بحديث السبعين الفا الذين يدخلون الجنه بغير حساب، وقد وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بانهم ((لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون))؛ رواه الشيخان وغيرهما عن ابن عباس؟ ففي هذا الحديث الصحيح وصف هؤلاء المتوكلين بانهم لا يطلبون الرقيه ولا يتداوون بالكي، وقد قدمنا ان الاخذ في اسباب الشفاء لا يمنع من التوكل، بل هو من جملته.

وقد اجيب عن هذا التعارض بجمله اجوبه :
منها: ان التوكل درجات بعضها فوق بعض، وهؤلاء السبعون الفا بلغوا الغايه في التوكل، وان التداوي والاخذ في الاسباب لمن دونهم من المتوكلين، وفي هذا الجواب ضعف؛ لان سيد المتوكلين صلوات الله وسلامه عليه تداوى وامر بالتداوي، ورقى نفسه ورقاه جبريل، وامر بالرقى الماذون فيها، وظاهر ان ذلك كله على سبيل الاستحباب، لا لبيان الجواز فقط كما قيل.

ومنها: ان هؤلاء المتوكلين لا يسترقون برقى الجاهليه ، ولا يكتوون معتقدين ان للكي تاثيرا بذاته، وهذا الجواب اضعف من سابقه؛ لان من رقى او استرقى برقى الجاهليه ليس من المتوكلين اصلا، وكذلك من اعتقد ان للكي او للدواء تاثيرا بذاته، فهو ضعيف الايمان، ويخشى عليه الزلل، فما ابعده عن التوكل والمتوكلين (السبعين)! ومن القواعد الشرعيه ان المزيه لا تقتضي الافضليه ، فاذا امتاز هؤلاء السبعون الفا بهذه الفضيله ، ففي الامه المحمديه ممن لم يتميز بها من هم افضل منهم في الجمله ، ولهذا شواهد كثيره لا تحصى[4].

ومما يزيد هذا الجواب قوه وقبولا ما جاء في حديث رفاعه الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((وعدني ربي ان يدخل الجنه من امتي سبعين الفا بغير حساب، واني لارجو الا يدخلوها حتى تبوءوا انتم ومن صلح من ازواجكم وذرياتكم مساكن في الجنه ))؛ الحديث رواه الامام احمد وصححه ابن حبان[5].

فقد دل على ان مزيه السبعين بالدخول بغير حساب، لا تستلزم انهم افضل من غيرهم، بل فيمن يحاسب في الجمله حسابا يسيرا من يكون افضل من هؤلاء السبعين.

[1] ومن هنا انكر الاصمعي على ابن المقفع ادخاله “ال” عليهما في قوله: العلم كثير، ولكن اخذ البعض خير من ترك الكل؛ انظر: المصباح.
[2] ورجح ابن هشام في المغني انه منصوب بشرطه، وليس خافضا له، وانظره.
[3] انظر روايات الحديث في المسند، والجامع الصغير، ومنتقى الاخبار، وفتح الباري، وارشاد الساري، وزاد المعاد…
[4] منها: ان حذيفه بن اليمان رضي الله عنهما، كان يمتاز بما اعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من اخبار الفتن الى يوم القيامه ، ومع ذلك فليس هو بافضل من الخلفاء الراشدين، ولا من العشره المبشرين بالجنه ، رضوان الله عليهم اجمعين.
[5] وقد وقع في احاديث اخرى ان مع السبعين الفا زياده عليهم؛ ففي حديث ابي هريره عند احمد والبيهقي في البعث… عن ابي هريره عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((فوعدني ان يدخل الجنه من امتي…)) فذكر الحديث وزاد: ((فاستزدت ربي فزادني مع كل الف ثمانين الفا))؛ وسنده جيد؛ انظر: الفتح في كتاب الرقاق، باب يدخل الجنه سبعون الفا بغير حساب.

 

  • شرح بالتفصيل لكل ذاء دواء
السابق
كيفيات بسيطة لنزع الشعر
التالي
اساليب تجعل الاولاد يحبون الدراسه