علاقه الفلسفه بالعلم والاختلاف بينهم
ان ما هو متفق عليه، ان كل العلوم كانت تدور في فلك الفلسفه ، اذ كانت تلقب هده الاخيره بام العلوم، و بالتالي فان استخدام مفهوم العلم المحض في مقابل الفلسفه استخدام حديث، لا يبعد في التاريخ الى ابعد من القرن 17م. هدا لما اصطنعته العلوم من مناهج بحث تميزها عن بعضها البعض من ناحيه و عن الفلسفه من ناحيه اخرى، على هدا الاساس نتساءل، هل هده التفرقه بين مفهوم العلم والفلسفه يعني بالضروره انهما منفصلان و لا وجود لنقاط تقاطع و ترابط بينهما؟
تحليل :
ا : اوجه الاختلاف
ان طبيعه المشكله الفلسفيه تختلف عن طبيعه المشكله العلميه ، فالعلم يقوم على ملاحظه الحوادث و اجراء التجارب عليها، قصد معرفه القوانين التي تتحكم في مجرى هده الحوادث. اما الفلسفه فانها تقوم على التامل في ما وراء الظواهر من اجل معرفه ماهياتها، و على التامل في شروط هده المعرفه و في قيمتها.
يتمثل هدا التامل في الجهد الذي يبدله الناظر في المسائل الفلسفيه ، فيتخذ منها المعارف الاوليه المعطاه لمعارف اخرى تفضي به في نهايه المطاف الى معرفه اجماليه شامله ، هدا ما لا نجده في العلم، دلك اننا علمنا ان الفلسفه هي بحث عن الاسباب القصوى للوجود و عليه يكون للعلم مجال اضيق من الفلسفه اذ يظل محصورا في دراسه الجزئيات بدراسه كل حدث على حدا و بمعزل عن الظواهر التي تملئ العالم.
ان الفلسفه اذن هي النظر في الوجود من حيث هو موجود حسب المفهوم الارسطي . و نتيجه لدلك فانها ايضا تكون نظرا في المعرفه من حيث هي وسيله لادراك هدا الوجود، و منه ندرك ان منهج الفلسفه هو التامل، التامل الذي ادا ما مارسه الانسان خلص الى زيف الكثير من ما كان يضنه حقيقه ، فالنهج شكل الفارق الهام بين الفلسفه و العلم، و هدا الاخير لم يستقل عن الفلسفه الا بعد ان انتهج لنفسه نهجا مغاير بان ابدع منهجه الخاص في البحث، اذ شكل المنهج التجريبي القائم على الفرضيه و الملاحظه و التجريب، فكان المخبر اساس الحقيقه العلميه .
فيمثل العالم بالمحامي المدافع عن قضيه ما فهو ينطلق من صدق قضيه ما و يشهر في سبيلها كل ما يمتلكه من حجج، اما الفيلسوف فهو القاضي الذي يتبنى راي او تصور ما، و هو لا يبث فيه الا بعد ان يعرض كل الاحتمالات الممكنه ، فيوازن بين هدا وداك ليبني موقفه.
ب : اوجه التشابه :
قد توهمنا النظره السطحيه الى تاريخ المعرفه بان هناك حقائق يتجاوز بعضها البعض الاخر، بل و حقائق متنافيه ، في حين ان عمليه البحث مستمره لا هواده فيها، و ان النظره العميقه تبين لنا في الاخير ان هناك تجليات للحقائق و صقلا لها على مر الزمن، و ان الحقيقه تبقى كذلك مهما كان انتمائها للعلم او الفلسفه ، اذ كل منهما يسعى الى غايه واحده و هي الكشف عن الحقيقه .
ان اهم ما يتقاطع فيه كل من العلم و الفلسفه هو تحرير العقل البشري في عمليه بحثه من كل قيود و اغلال الاساطير و الخرافات، التي شكلت حتى زمن غير بعيد، البنيه الاساسيه في تركيبه المعرفه ، و تحريره من الاستغلال حتى لا يكون موظفا لفئه ما على حساب اخرى، و العصور الوسطى في اوربا خير دليل على دلك. فالعلم و الفلسفه اذن يقومان على البرهان و الحجه و الدليل، لا على الخيال و الوهم.
و على مر التاريخ شكل كل من العلم و الفلسفه هدفا لسهام العامه من رجال الدين و غوغاء العامه من المجتمع، مما دعا الى تحريم الاشتغال بهما و اعتبر المشتغلين فيهما زنادقه بل وكفره .
و يشهد الواقع على ان الفلسفه و العلم التزم كل منهما الى حد ما بتوجه معين او ايديولوجيه محدده ، فسخرا لخدمه معسكر من معسكرات العالم، سواء في عهد الثنائيه القطبيه او في عهد الرياده الالمانيه التي كانت قائمه على فلسفه الانسان الاعلى و فلسفه القوه النيتشويه و تقديس هتلر للعلم و العلماء، منطلقا لها.
ج : اوجه التداخل
رغم الاختلاف القائم بين صناعه العلم و صناعه الفلسفه ، يحضر بينهما تداخل و تكامل، حيث ان الفلسفه تخدم العلم من خلال تزويده بالقضايا المنطقيه و طرق واساليب الدفاع عن الراي، و من حيث انها ترقى به الى مستوى العالميه و العلم بدوره يثري الفلسفه من خلال طرحه لمسائل فكريه معقده .
و في القرن الماضي و خصوصا مع النزعه الوضعيه المنطقيه ، نظر الى الفلسفه نظره علميه ، من خلال ضبطها للغه الفلسفه ، مما جعل هده العمليه اصلا لفلسفه علميه ، فقد وجد في علوم عصرنا الاداه لحل بعض المشاكل الفلسفيه العالقه ، التي كانت في العهود الماضيه موضوعا للتخمين، فمد العلم الفلسفه من جهته بالتقنيات الحديثه في مجال البحث. كما عمله الفلسفه على رسم طريق العلم من خلال تقيم ما وصل اليه العلم من نتائج، و دلك بتحديد نقائصه، كما عملت على بحث حدود العقل خاصه مع كانط مما جعل السبيل امام العلم ممهدا للبحث و التقصي.
خاتمه :
بالرغم مما بين الفلسفه و العلم من اختلافات تصل في بعض الاحيان الى حد الخصومه ، فان بينهما قضايا متبادله و خبرات مشتركه ، لا تطمس ما لكل واحده منهما من خصوصيه .