قوله تعالى : الذين اذا اصابتهم مصيبه قالوا انا لله وانا اليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمه واولئك هم المهتدون
فيه ست مسائل :
الاولى : قوله تعالى : مصيبه المصيبه : كل ما يؤذي المؤمن ويصيبه ، يقال : اصابه اصابه ومصابه ومصابا . والمصيبه واحده المصائب . والمصوبه ( بضم الصاد ) مثل المصيبه . [ ص: 164 ] واجمعت العرب على همز المصائب ، واصله الواو ، كانهم شبهوا الاصلي بالزائد ، ويجمع على مصاوب ، وهو الاصل . والمصاب الاصابه ، قال الشاعر :
اسليم ان مصابكم رجلا اهدى السلام تحيه ظلم
وصاب السهم القرطاس يصيب صيبا ، لغه في اصابه . والمصيبه : النكبه ينكبها الانسان وان صغرت ، وتستعمل في الشر ، روى عكرمه ان مصباح رسول الله صلى الله عليه وسلم انطفا ذات ليله فقال : انا لله وانا اليه راجعون فقيل : امصيبه هي يا رسول الله ؟ قال : نعم كل ما اذى المؤمن فهو مصيبه .
قلت : هذا ثابت معناه في الصحيح ، خرج مسلم عن ابي سعيد وعن ابي هريره رضي الله عنهما انهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه الا كفر به من سيئاته .
الثانيه : خرج ابن ماجه في سننه حدثنا ابو بكر بن ابي شيبه حدثنا وكيع بن الجراح عن هشام بن زياد عن امه عن فاطمه بنت الحسين عن ابيها قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من اصيب بمصيبه فذكر مصيبته فاحدث استرجاعا وان تقادم عهدها كتب الله له من الاجر مثله يوم اصيب .
الثالثه : من اعظم المصائب المصيبه في الدين ، ذكر ابو عمر عن الفريابي قال حدثنا فطر بن خليفه حدثنا عطاء بن ابي رباح قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذا اصاب احدكم مصيبه فليذكر مصابه بي فانها من اعظم المصائب . اخرجه السمرقندي ابو محمد في مسنده ، اخبرنا ابو نعيم قال : انبانا فطر . . . ، فذكر مثله سواء . واسند مثله عن مكحول مرسلا . قال ابو عمر : وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ; لان المصيبه به اعظم من كل مصيبه يصاب بها المسلم بعده الى يوم القيامه ، انقطع الوحي وماتت النبوه . وكان اول ظهور الشر بارتداد العرب وغير ذلك ، وكان اول انقطاع الخير واول نقصانه . قال ابو سعيد : ما نفضنا ايدينا من التراب من قبر [ ص: 165 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انكرنا قلوبنا . ولقد احسن ابو العتاهيه في نظمه معنى هذا الحديث حيث يقول :
اصبر لكل مصيبه وتجلد واعلم بان المرء غير مخلد
اوما ترى ان المصائب جمه وترى المنيه للعباد بمرصد
من لم يصب ممن ترى بمصيبه ؟ هذا سبيل لست فيه باوحد
فاذا ذكرت محمدا ومصابه فاذكر مصابك بالنبي محمد
الرابعه : قوله تعالى : قالوا انا لله وانا اليه راجعون جعل الله تعالى هذه الكلمات ملجا لذوي المصائب ، وعصمه للممتحنين : لما جمعت من المعاني المباركه ، فان قوله : انا لله توحيد واقرار بالعبوديه والملك . وقوله : وانا اليه راجعون اقرار بالهلك ، على انفسنا والبعث من قبورنا ، واليقين ان رجوع الامر كله اليه كما هو له . قال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى : لم تعط هذه الكلمات نبيا قبل نبينا ، ولو عرفها يعقوب لما قال :يا اسفى على يوسف .
الخامسه : قال ابو سنان : دفنت ابني سنانا وابو طلحه الخولاني على شفير القبر ، فلما اردت الخروج اخذ بيدي فانشطني وقال : الا ابشرك يا ابا سنان حدثني الضحاك عن ابي موسى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : اذا مات ولد العبد قال الله لملائكته اقبضتم ولد عبدي فيقولون نعم فيقول اقبضتم ثمره فؤاده فيقولون نعم فيقول فماذا قال عبدي فيقولون حمدك واسترجع فيقول الله تعالى ابنوا لعبدي بيتا في الجنه وسموه بيت الحمد .وروى مسلم عن ام سلمه قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من مسلم تصيبه مصيبه فيقول ما امره الله عز وجل انا لله وانا اليه راجعون اللهم اجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها الا اخلف الله له خيرا منها . فهذا تنبيه على قوله تعالى : وبشر الصابرين اما بالخلف كما اخلف الله لام سلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانه تزوجها لما مات ابو سلمه زوجها . واما بالثواب الجزيل ، كما في حديث ابي موسى ، وقد يكون بهما .
السادسه : قوله تعالى : اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمه هذه نعم من الله عز [ ص: 166 ] وجل على الصابرين المسترجعين . وصلاه الله على عبده : عفوه ورحمته وبركته وتشريفه اياه في الدنيا والاخره . وقال الزجاج : الصلاه من الله عز وجل الغفران والثناء الحسن . ومن هذا الصلاه على الميت انما هو الثناء عليه والدعاء له ، وكرر الرحمه لما اختلف اللفظ تاكيدا واشباعا للمعنى ، كما قال : من البينات والهدى ، وقولهام يحسبون انا لا نسمع سرهم ونجواهم . وقال الشاعر :
صلى على يحيى واشياعه رب كريم وشفيع مطاع
وقيل : اراد بالرحمه كشف الكربه وقضاء الحاجه . وفي البخاري وقال عمر رضي الله عنه : نعم العدلان ونعم العلاوه : الذين اذا اصابتهم مصيبه قالوا انا لله وانا اليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمه واولئك هم المهتدون . اراد بالعدلين الصلاه والرحمه ، وبالعلاوه الاهتداء . قيل : الى استحقاق الثواب واجزال الاجر ، وقيل : الى تسهيل المصائب وتخفيف الحزن .