الطفوله
الطفوله هي الحياه التي نحياها جميعا فتحفر فينا كل ما نحن عليه وتكون شخصياتنا بشكل كامل، وهي الحياه التي نحن اليها مهما كبرنا، فدائما ما ياخذنا الحنين الى لعبنا ولهونا وبراءتنا، وحتى جهلنا الذي يضحكنا، ويرسم على وجوهنا الابتسامه حين نتذكره ونروي قصصه، تلك البراءه التي عشناها والاحلام الطفوليه التي بنيناها وكانت بسيطه او عملاقه ، والجمل التي تفوهنا بها فاصبحت نبراسا لكل من احتضننا. مهما نتكلم عن الطفوله لن نفيها حقها ولا تقديرها في انفسنا، ونحن نكبر حتى نكون اسرا تكون ثمرتها الحقيقيه هي الاطفال؛ حيث ياتون ليتوجوا الحب، ويكملوا مشوار الحياه بلطافتهم وزهوهم ليقوموا بمحو نزق الحياه وابتلاءاتها.
وصفت الطفوله في جميع المجتمعات القديمه والحديثه ، العربيه والاجنبيه بكل اطيافها من خلال الادب والشعر؛ فهي الوجود الذي يثبت نفسه دائما عندما نود التعبير عن المشاعر المفاجئه التي تنتابنا او عن مشاعرنا الصادقه ، فنقول ” احبك كطفل ” او ” ابتسمت بطفوله وبراءه “.
قصيده ابي القاسم الشابي في وصف الطفوله
يا قطعه من كبدي فداك يومي وغدي
وداد يا انشودتي البكر ويا شعري الندي
يا قامه من قصب السكر رخص العقد
حلاوه مهما يزد يوم عليها تزد
توقدي في خاطري وصفقي وغردي
تستيقظ الاحلام في نفسي وتسقيها يدي
عشرون قل للشمس لا تبرح وللدهر اجمد
عشرون يا ريحانه في انملي مبدد
عشرون هلل يا ربيع للصبا وعيد
وبشر الزهر باخت الزهر واطرب وانشد
وانقل الى الفرقد ما لم نمده عن فرقد
يا قطعه من كبدي فداك يومي …. وغدي
وفي حديثنا عن الطفوله نشير الى انه للاسف الشديد على مدى قرون من الحياه البشريه على الارض لم يتوصل العالم البشري الى اتفاق شامل يحمي الطفوله كجزء من الانسانيه الا في وقت متاخر جدا مقارنه بتتالي الحضارات والشعوب، ويعود ذلك طبعا الى ان البشري لم يتطور بشكل كاف ليصل الى قيمه الانسانيه رغم تطور الكثير من العلوم البدائيه والمتقدمه ونموه كفرد وتسخيره للطبيعه بكل ما فيها لخدمته، ولكنه على ما يبدو كان منشغلا بمصلحته الماديه متناسيا ان اهم ركيزه لهذه المصلحه هي الحياه التي يعيشها افراد المجتمع بجميع اطيافهم العمريه ، وظل ذلك سائدا حتى عصور متقدمه من البشريه وبعد بناء مدن منظمه . وكان اول من تحدث بشان تاسيس جيل بشري يبتدئ منذ الطفوله الفيلسوف اليوناني الكبير افلاطون؛ فذهب في وضع نظريات لمدينته الفاضله تقوم على انشاء رياض للاطفال، وهي فكره متقدمه جدا في تاريخ البشريه ، ومتاخره جدا في وضعها كادراك بشري لقيمه الحياه الانسانيه ، وتتالت الفلسفات البشريه من حينها في العصور الاولى المزدهره للعقل البشري وفلسفته وفكره في تقديم طروحات للحفاظ على هذه الحياه ، وتخصيص نظريات خاصه بالطفوله وحمايتها، وكذلك فعلت الاديان التي شاعت في الارض فقدست القيم الانسانيه وطورت الشعور لدى الكائن البشري، وكثير منها تحدث عن الطفوله وقيمتها واسس التعامل مع الاطفال ومدى اهميه ذلك، وكان من اهم الاديان التي تحدثت عن فتره الطفوله هي الرسالتين الاسلاميتين المسيحيه والمحمديه ؛ فالمسيحيه كدين سلام بالدرجه الاولى قدس عموما جميع القيم الانسانيه ، وجعلها من اهم مرتكزاته بينما كان الاسلام المحمدي الرائد في تحديد هذه المعامله وشكلها كونه دينا منظما طرح ليكون اسلوب حياه وعباده في كافه نواحي الحياه ، واختص الطفوله بكثير من الايات والاحاديث منها ايات الله في القران عن معامله اليتيم معامله حسنه ليس فيها تمييز بينه وبين اقرانه، وتحدث الرسول الكريم – عليه الصلاه والسلام – في احاديث كثيره عن اهميه التربيه الحسنه والمعامله الانسانيه التي يجب ان يعامل بها الاطفال حتى نبني كبشريه مجتمعا رائدا ومتطورا انسانيا يقدس عقله وانسانيته ويحترمها، فلا يهينها بالتعامل بطرق حيوانيه او لا تليق بالعقل البشري .
وفي عصر النهضه خص اهم مؤسسي علم العقد الاجتماعي وهو جان جاك روسو الطفوله بكتاب خاص يتحدث عن اهميه هذه المرحله في حياه البشري، وكذلك الكثير غيره من الفلاسفه والعلماء كان اهمهم في العصر الحديث الاول عالم النفس الاشهر سيجموند فرويد الذي قال بان الاربع سنين الاولى من حياه الانسان هي التي تكون شخصيته بالكامل في صفاتها الاساسيه جميعها، وباقي ما تبقى هو صفات متغيره ومكتسبه من الخبرات، ولا تكون ثابته او علامه فارقه في شخصيه الفرد، اما في العصر الحديث وبعد قيام الحربين العالميتين وانتشار الخراب حول العالم واللامنطق والتعسف والجور والتعدي على كل الانسانيه صارت البشريه بحاجه الى مواثيق دوليه تحفظ الحق الانساني في الحالات الاستثنائيه ؛ كالحروب والمجاعات والكوارث الطبيعيه ، فظهر ما يسمى بالمعاهدات الدوليه لحقوق الانسان والتي تتضمن ميثاقا لحقوق الطفل ببلده الام اولا؛ بحيث لا يتم التعدي من قبل المجتمع والسلطات الحاكمه على حقه وفي الاوضاع الاستثنائيه لحفظ حقه في الحروب وما الى ذلك مما قد يهدد امنه وحياته، فصدر الميثاق الاول لحقوق الطفل عام 1989؛ ليكون ميثاقا من ضمن القانون الدولي صادق عليه كل اعضاء الامم المتحده بشكل كلي او جزئي، والمفاجئ بالامر انه على مر البشريه لم تتوصل الدول الى وضع هكذا ميثاق حتى اواخر الالفيه الاولى !!