قضاء الفوائت يجب ان يكون على الفور، وان تكون مرتبه ؛ كما فرضها الله عز وجل:
– قال تعالى: {ان الصلاه كانت على المؤمنين كتابا موقوتا}.
– وقد جاء في الصحيحين وغيرهما ان المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عن الصلوات، فصلاها صلى الله عليه وسلم على الترتيب؛ فعن جابر بن عبد الله ان عمر بن الخطاب جاء يوم الخندق بعدما غربت الشمس، فجعل يسب كفار قريش، قال: يا رسول الله، ما كدت اصلى العصر حتى كادت الشمس تغرب، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: “والله ما صليتها”، فقمنا الى بطحان، فتوضا للصلاه ، وتوضانا لها، فصلى العصر بعدما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب.
– ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه صلى على غير الترتيب المعروف؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح البخاري: “صلوا كما رايتموني اصلي”.
وعليه: فان فاتك فرض من الفرائض؛ كالعصر مثلا، ودخل وقت الفرض الثاني، فان كان الوقت مازال متسعا، فالواجب عليك ان تصلي العصر اولا، ثم المغرب؛ لان الترتيب بين الفائته او الفوائت اليسيره مع الصلاه الحاضره واجب؛ كما ذكرنا، ما لم يؤد الى تاخير الحاضره عن وقتها.
قال ابن رجب الحنبلي في “فتح الباري”: “من كان عليه صلاه فائته ، وقد ضاق وقت الصلاه الحاضره عن فعل الصلاتين، فاكثر العلماء على انه يبدا بالحاضره فيما بقي من وقتها، ثم يقضي الفائته بعدها؛ لئلا تصير الصلاتان فائتتين، وهو قول الحسن وابن المسيب وربيعه والثوري والاوزاعي وابي حنيفه ، واحمد في ظاهر مذهبه، واسحاق وطائفه من اصحاب مالك، وهؤلاء اوجبوا الترتيب، ثم اسقطوه خشيه فوات الحاضره ، وكذلك قال الشافعي؛ فانه لا يوجب الترتيب، انما يستحبه؛ فاسقط هاهنا استحبابه وجوازه، وقال: يلزمه ان يبدا بالحاضره ، وياثم بتركه.
وقالت طائفه : بل يبدا بالفائته ، ولا يسقط الترتيب بذلك، وهو قول عطاء والنخعي والزهري ومالك والليث والحسن بن حي، وهو روايه عن احمد، اختارها الخلال وصاحبه ابو بكر”.
اما لو ادرك من فاتته صلاه العصر جماعه المغرب: فانه يصلي معهم المغرب اولا، ثم يصلي العصر بعده؛ فقد سئل شيخ الاسلام عن رجل فاتته صلاه العصر، فجاء الى المسجد، فوجد المغرب قد اقيمت، فهل يصلي الفائته قبل المغرب او لا؟
فاجاب:
الحمد لله رب العالمين، بل يصلي المغرب مع الامام ثم يصلي العصر باتفاق الائمه ولكن هل يعيد المغرب؟ فيه قولان. احدهما: يعيد وهو قول ابن عمر ومالك وابي حنيفه ، واحمد في المشهور عنه. والثاني: لا يعيد المغرب وهو قول ابن عباس وقول الشافعي والقول الاخر في مذهب احمد. والثاني اصح فان الله لم يوجب على العبد ان يصلي الصلاه مرتين اذا اتقى الله ما استطاع والله اعلم”.
واعلم ان من اخر الصلاه عن وقتها من غير نوم ولا نسيان – فقد اتى كبيره من اعظم الكبائر؛ وذلك لان فعل الصلاه في وقتها فرض من اوكد فرائض الصلاه ، وقد جاء النهي الشرعي عن تاخير الصلاه عن وقتها وبالاخص صلاه العصر:
– ففي الصحيحين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من فاتته صلاه العصر، فكانما وتر اهله وماله”.
– وفيهما ايضا قال صلى الله عليه وسلم: “من فاتته صلاه العصر فقد حبط عمله”.
قال شيخ الاسلام: “تفويت العصر اعظم من تفويت غيرها؛ فانها الصلاه الوسطى المخصوصه بالامر بالمحافظه عليها، وهي التي فرضت على من كان قبلنا فضيعوها”.
فمن كان مستيقظا ذاكرا للصلاه حرم عليه تاخيرها بحال، واختلف في كفره؛ قال شيخ الاسلام ابن تيميه : “فلم يجوزوا تاخير الصلاه حال القتال بل اوجبوا عليه الصلاه في الوقت، وهذا مذهب مالك والشافعي واحمد في المشهور عنه، وعن احمد روايه اخرى انه يخير حال القتال بين الصلاه وبين التاخير، ومذهب ابي حنيفه : يشتغل بالقتال، ويصلي بعد الوقت”.
واما تاخير الصلاه لغير الجهاد؛ كصناعه او زراعه او صيد او عمل من الاعمال ونحو ذلك: فلا يجوزه احد من العلماء وانما يعذر بالتاخير النائم والناسي؛ فلا يجوز تاخير الصلاه عن وقتها لجنابه ولا حدث ولا نجاسه ولا غير ذلك؛ بل يصلي في الوقت بحسب حاله؛ فان كان محدثا وقد فقد الماء او خاف الضرر باستعماله تيمم وصلى، وكذلك الجنب يتيمم ويصلي اذا فقد الماء او خاف الضرر باستعماله لمرض او لبرد، وكذلك العريان؛ يصلي في الوقت عريانا، ولا يؤخر الصلاه ليصلي بعد الوقت في ثيابه، وكذلك اذا كان عليه نجاسه لا يقدر ان يزيلها فيصلي في الوقت بحسب حاله وهكذا المريض يصلي على حسب حاله في الوقت،، والله اعلم.