عباده الله لا تتم الا بالحب والخوف والرجاء
فان الواجب على المكلف ان يعبد ربه بالحب والخوف والرجاء جميعا، وان من عبد الله بالحب وحده تزندق كحال من ترك التكاليف من فساق الصوفيه بحجه الوصول، ومن عبد الله بالخوف فقط فهو كالخوارج، ومن عبد الله بالرجاء فقط وقع في بدعه الارجاء، والتوسط والقصد ان يكون في القلب الحب لله مع الخوف منه، ورجاء رحمته وعفوه، وقد قال ابن قدامه في كتاب مختصر منهاج القاصدين: فضيله كل شيء بقدر اعانته على طلب السعاده ، وهي لقاء الله تعالى، والقرب منه، فكل ما اعان على ذلك فهو فضيله ، قال الله تعالى: ولمن خاف مقام ربه جنتان.
وقال تعالى: رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: وعزتي وجلالي، لا اجمع على عبدي خوفين، ولا اجمع له امنين، ان امنني في الدنيا، اخفته يوم القيامه ، وان خافني في الدنيا، امنته يوم القيامه .
وعن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: عينان لا تمسهما النار ابدا، عين بكت من خشيه الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله.
واعلم ان قول القائل: ايما افضل الخوف او الرجاء؟ كقوله: ايما افضل الخبز او الماء؟
وجوابه: ان يقال الخبز للجائع افضل، والماء للعطشان افضل، فان اجتمعا نظر الى الاغلب، فان استويا، فهما متساويان، والخوف والرجاء دواءان يداوى بهما القلوب، ففضلهما بحسب الداء الموجود، فان كان الغالب على القلب الامن من مكر الله، فالخوف افضل، وكذلك ان كان الغالب على العبد المعصيه ، وان كان الغالب عليه الياس والقنوط، فالرجاء افضل، ويجوز ان يقال مطلقا: الخوف افضل، كما يقال: الخبز افضل من السكنجبين لان الخبز يعالج به مرض الجوع، والسكنجبين يعالج به مرض الصفراء، ومرض الجوع اغلب واكثر، فالحاجه الى الخبز اكثر، فهو افضل بهذا الاعتبار، لان المعاصي والاغترار من الخلق اغلب.
وان نظرنا الى موضع الخوف والرجاء فالرجاء افضل، لان الرجاء يسقى من بحر الرحمه , والخوف يسقى من بحر الغضب.
واما المتقي، فالافضل عنده اعتدال الخوف والرجاء، ولذلك قيل: لو وزن خوف المؤمن ورجاؤه لاعتدلا، قال بعض السلف: لو نودي: ليدخل الجنه كل الناس الا رجلا واحدا، لخشيت ان اكون انا ذلك الرجل. ولو نودي: ليدخل النار كل الناس الا رجلا واحدا، لرجوت ان اكون انا ذلك الرجل. وهذا ينبغي ان يكون مختصا بالمؤمن المتقي.
فان قيل: كيف اعتدال الخوف والرجاء في قلب المؤمن، وهو على قدم التقوى؟ فينبغي ان يكون رجاؤه اقوى.
فالجواب: ان المؤمن غير متيقن صحه عمله، فمثله من بذر بذرا ولم يجرب جنسه في ارض غريبه ، والبذر الايمان، وشروط صحته دقيقه ، والارض القلب، وخفايا خبثه وصفائه من النفاق، وخبايا الاخلاق غامضه ، والصواعق اهوال سكرات الموت، وهناك تضطرب العقائد، وكل هذا يوجب الخوف عليه، وكيف لا يخاف المؤمن؟
وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسال حذيفه رضي الله عنه: هل انا من المنافقين؟ وانما خاف ان تلتبس حاله عليه، ويستتر عيبه عنه، فالخوف المحمود هو الذي يبعث على العمل، ويزعج القلب عن الركون الى الدنيا، واما عند نزول الموت، فالاصلح للانسان الرجاء، لان الخوف كالسوط الباعث على العمل، وليس ثمه عمل، فلا يستفيد الخائف حينئذ الا تقطيع نياط قلبه، والرجاء في هذه الحال يقوي قلبه، ويحبب اليه ربه، فلا ينبغي لاحد ان يفارق الدنيا الا محبا لله تعالى، محبا للقائه، حسن الظن به، وقد قال سليمان التيمي عند الموت لمن حضره: حدثني بالرخص، لعلي القى الله وانا احسن الظن به.