الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكلي الا على الله واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له، اقرارا بربوبيته، وارغاما لمن جحد به وكفر، واشهد ان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، او سمعت اذن بخبر اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى اله واصحابه، وعلى ذريته ومن والاه، ومن تبعه الى يوم الدين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وارنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه، وادخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
ايها الاخوه المؤمنون: في الخطبه السابقه تحدثت عن وسائل الثبات على الايمان، وقد سئلت في بحر هذا الاسبوع، هل من وسائل لتقويه الايمان ؟ ولا سيما ونحن في عصر كثرت فيه الضلالات، فقلت اجعل هذا الموضوع ان شاء الله تعالى موضوع الخطبه القادمه ، فالموضوع اليوم، ليس وسائل الثبات على الايمان، ولكن وسائل تقويه الايمان، فكما ان البث يحتاج الى تقويه كلما بعدت المسافه اما اذا كثرت المشوشات فلا بد من تقويه قويه ، وكذلك الايمان يحتاج الى تقويه ، اما اذا كثرت الضلالات، والشبهات والانحرافات، والفتن، فما احوجنا اليوم الى ان نقوي الايمان وان نزيده وقد يسال سائل، هل يزداد الايمان او ينقص ؟ الجواب عن هذا السؤال قوله تعالى، يقول الله عز وجل:
﴿هو الذي انزل السكينه في قلوب المؤمنين ليزدادوا ايمانا مع ايمانهم﴾
(سوره الفتح: 4 )
فزياده الايمان حق، ولا بد للمرء من ان يزيد ايمانه، لان المغبون من تساوى يوماه، ومن لم يكن في زياده فهو في نقصان، اذا ما احوجنا ولا سيما في عصر كثرت فيه الضلالات، الفكريه ، والاعتقاديه وكثرت فيه المذاهب الوضعيه ، ما احوجنا في عصر كثرت فيه الفتن والمنزلقات، والانحرافات، اذا كنا بحاجه ونحن في الاعصر القديمه الى ان نزيد ايماننا، وان نقويه، فحاجتنا الى ان نزيد ايماننا وان نقويه في هذا العصر اشد، والايمان ايها الاخوه يزيد بنص قوله تعالى:
﴿ هو الذي انزل السكينه في قلوب المؤمنين ليزدادوا ايمانا مع ايمانهم﴾
ويقول عليه الصلاه والسلام فيما رواه الطبراني والحاكم من صحيح الجامع الصغير:
((ان الايمان ليخلق في جوف احدكم كما يخلق الثوب فسالوا الله تعالى ان يجدد الايمان في قلوبكم ))
واكبر دليل على ذلك ان حاله المؤمن عقب صلاه الجمعه ، وسماع الخطبه ، ودخوله بيت الله، وانسه بالله، وسماعه الحق، وبين يوم الخميس، وقد بعد العهد بصلاه الجمعه ، فالايمان كما قال عليه الصلاه والسلام:
((يخلق في جوف احدكم كما يخلق الثوب، فسالوا الله تعالى ان يجدد الايمان في قلوبكم.))
ايها الاخوه الكرام: روى الامام مسلم في صحيحه عن ربيعه بن كعب الاسلمي رضي الله عنه قال: كنت ابيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتيته مره بوضوئه وحاجته، فقال لي: يا ربيعه سلني حاجتك، فقلت يا رسول الله: اسالك مرافقتك في الجنه ، فقال عليه الصلاه والسلام: او غير ذلك يعني من حاجات الدنيا فقلت هو ذاك، وليس لي حاجه غير ذلك، فقال:
((اذا اعني على نفسك بكثره السجود.))
يتضح من هذا الحديث الصحيح الذي رواه الامام مسلم في صحيحه انه ما لم تبذل جهدا خاصا فلن يزداد ايمانك، اذا اكتفيت بالسماع، اذا اكتفيت باداء العبادات على نحو او اخر، ولم تبذل جهدا خاصا، ان في طلب العلم، وان في اتقان العباده ، فلن يزداد الايمان، سال النبي عليه الصلاه والسلام، وهو في خدمته، قال:
((اعني على نفسك بكثره السجود))
كما ان الطالب ولو انه حضر المحاضرات، ولم يفتح الكتاب في البيت ولم يحل المسائل، ولم يراجع، ولم يذاكر، ولم يسال، ولم يلخص، ولم يكتب، كيف يحصل العلم، قال له: اعني على نفسك بكثره السجود، هذه مقدمه لكن صلب الخطبه فيها عده فقرات، اولها:
ان من اهم الوسائل في تقويه الايمان، فرق بين خطبه الاسبوع الماضي وخطبه هذا الاسبوع، خطبه الاسبوع الماضي كيف نثبت على الايمان، اي كيف نتلافى التدهور، كيف نتلافى الانزلاق، لكن اليوم الموضوع اخر، كيف نزيد الايمان، كيف نرفع وتيرته، كيف نقوي الايمان في النفوس.
يا ايها الاخوه الكرام: العنصر الاول: هو طلب العلم.
ما من شيء يقربك الى الله عز وجل كالعلم، والدليل قوله تعالى:
﴿انما يخشى الله من عباده العلماء﴾
(سوره فاطر: 28 )
وقد تقرءون هذه الايه كثيرا، ولكن لو وقفتم عند دقائقها، وعند اداه انما، انما اداه قصر، ولو سالت كل علماء النحو في الارض علماء النحو العربي، لقالوا لك انما تفيد القصر والحصر، اي ان العلماء وحدهم، وليس احد سواهم يخشى الله، لا بد من ان تخشى الله، من ان تكون عالما، بمستوى او باخر، لقول الله عز وجل:
﴿انما يخشى الله من عباده العلماء﴾
فاذا اردت ان تقوي ايمانك فعليك بطلب العلم، قد يقول قائل، انا احضر خطب الجمعه كلها.
والجواب ايها الاخوه : ان الدرجه الجامعيه الاولى التي تسمى اجازه تحتاج الى محاضرات اسبوعيه تزيد عن عشرين محاضره ويحتاج الطالب الى اكثر من ثلاثين ساعه في الاسبوع يدرس كي ينال الدرجه الجامعيه الاولى التي لا قيمه لها كثيرا في المجتمعات في المتعلمه حتى ان بعض الخبثاء، عرف الجامعه تعريفا لاذعا قال هي مدرسه يدخلها الطالب جاهل متواضعا، يخرج منها جاهل متكبرا، عشرون محاضره في الاسبوع، وثلاثون ساعه دراسه على اربع سنوات متواليه كي تاخذ اقل درجه جامعيه هي الاجازه .
تريد ايمانا، تريد حنه عرضها السماوات والارض، تريد حياه ابديه في مقعد صدق عند مليك مقتدر، تريد خيري الدنيا والاخره ، تريد ان يرضى عنك خالق السماوات والارض، وتكتفي بنصف ساعه في الاسبوع تحضر فيها هذه الخطبه ، وقد تاتي متاخرا، وقد تاتي بعد ان تبدا وقد تاتي بعد ان تنتصف، وقد تاتي قبيل ان تنتهي، وقد تاتي بعد ان تنتهي، اهكذا ثمن الجنه ، لذلك اذا اردت تقويه الايمان فعليك بطلب العلم وما خطبه الجمعه ايها الاخوه الا كمن يقنع الناس بدخول الجامعه ، ولكن اقناع الناس بدخول الجامعه شيء، ودخول الجامعه والتزام المحاضرات ودراسه المقررات، ومتابعه الدراسه ، وقراءه الكتب، ومراجعه الكتب شيء اخر، فاذا اردت ان تقوي ايمانك فعليك بطلب العلم.
ابن عمر دينك دينك انه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا ولا تاخذ عن الذين مالوا.
ما عقيدتك ؟ هل في عقيدتك عقائد زائغه ، تسربت اليك وانت لا تدري، هل في عقائدك سوء ظن بالله عز وجل، هل تظن بالله ظن الجاهليه ، هل تسيء الظن بالله، متى تصحح عقيدتك ؟ متى تتلقى العقيده الصحيحه ؟ التي تعينك على العمل الصالح، لا بد من طلب العلم، ولا بد من طلب العلم، بوقت يتسع لطلب العلم، يقول الامام الغزالي: العلم لا يعطيك بعضه، الا اذا اعطيته كلك، فاذا اعطيته بعضك، لم يعطيك شيئا اذا اردت الدنيا فعليك بالعلم، واذا اردت الاخره فعليك بالعلم، واذا اردتهما معا فعليك بالعلم، فطلب العلم هو العنصر الاول في تقويه الايمان.
دققوا في قول النبي عليه الصلاه والسلام الذي رواه الايمان مسلم في صحيحه، يقول عليه الصلاه والسلام:
((من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريق الى الجنه ))
طلب العلم الشرعي الحقيقي ينتهي بك الى الجنه ، الى خلود في جنه الله عز وجل، فلا بد من معرفه العقيده الصحيحه ، لا بد من فهم كلام الله الفهم الصحيح، الم يقل الله عز وجل:
﴿وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا﴾
(سوره الحشر: 7 )
من لوازم هذه الايه ان تعرف سنه النبي عليه الصلاه والسلام فهل خصصت وقتا لمعرفه سنه النبي القوليه ، الم يقل الله عز وجل:
﴿لقد كان لكم في رسول الله اسوه حسنه ﴾
(سوره الاحزاب: 21 )
كيف يكون النبي اسوه حسنه لك، وانت لم تدرس سيرته، ولم تعرف ماذا فعل في بيته، ومع اصحابه، في سلمه وحربه، في رخاءه وشدته، في اقبال الدنيا عليه، وفي ادبارها عنه، من لوازم ان النبي عليه الصلاه والسلام قدوه لك ان تتعلم سيرته، بل ان العلماء يقولون: ان معرفه سنه النبي القوليه فرض عين، ومعرفه سنه النبي العمليه اي سيرته فرض عين.
ايها الاخوه الكرام: العنصر الثاني في تقويه الايمان: في الاسبوع الماضي في الثبات على الايمان، القران الكريم، قراءه وحفظا، لكن اذا اردت ان تقوي ايمانك لا بد من تدبر القران الكريم، ولا بد من تطبيق القران الكريم، من اجل ان يكون القران الكريم مقويا لك للايمانك لا بد من تدبره، وطالبني بالدليل، وهو قوله تعالى:
﴿افلا يتدبرون القران ام على قلوب اقفالها (24)﴾
(سوره محمد: 24 )
اما هذا الذي يتلو كتاب الله ولا يقيمه في بيته، ولا في عمله، ولا في حياته، ينطبق عليه قول النبي عليه الصلاه والسلام:
((ربما تال للقران والقران يلعنه ))
لانه ما امن بالقران من استحل محارمه، والذي يتلو كلام الله عز وجل ولا يطبقه، فهو لا يعرف قدره الله عز وجل، ولا قدر كلامه.
ايها الاخوه الكرام: يقول الله عز وجل:
﴿وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا﴾
(سوره الشورى: 52 )
هذا القران الكريم روح لروحك، لذلك سماه بعض العلماء روح الروح، روح لروحك، روح لنفسك، يحي قبلك به، تسعد به، تزداد ايمانا به، روى الامام البخاري عن عبد الله بن مسعود قال، قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: اقرا علي، قلت يا رسول الله: اقر عليك القران وعليك انزل، قال نعم: فقرات عليه سوره النساء، حتى اتيت هذه الايه :
﴿فكيف اذا جئنا من كل امه بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ﴾
قال عليه الصلاه والسلام: حسبك الان، فلتفت اليه فاذا عيناه تذرفان.
الم اقل لكم ان القران روح الروح، يحي به قلبك، تطمئن به نفسك، ترتاح اليه طبيعتك، العنصر الثاني الاقبال على القران اضفت هذا اليوم تدبرا وتطبيقا، تكلمت في الاسبوع الماضي تلاوه وحفظ الان تدبرا وتطبيقا.
ايها الاخوه المؤمنون: من اجل ان يزداد الايمان في قلبك، يجب ان تعمل الاعمال الصالحه ، الاستقامه تبعدك عن الانقطاع عن الله عز وجل، الاستقامه لكن اذا اردت ان يزداد ايمانك فعليك بالعمل الصالح، لان الاستقامه كانك تذلل العقبات من الطريق الى الله، لكن العمل الصالح هو الذي يرفعك الى الله عز وجل، لذلك قالوا ملء الوقت بالاعمال الصالحه ، فنفسك ان لم تشغلها بالخير، شغلتك بالشر.
روى الامام مسلم في صحيحه عن ابي هريره رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه:
((من اصبح منكم صائما ؟ فقال ابو بكر رضي الله عنه: انا يا رسول الله، ثم سال النبي عليه الصلاه والسلام من تبع منكم جنازه ، فقال ابو بكر: انا يا رسول الله فقال عليه الصلاه والسلام: من اطعم منكم اليوم مسكينا، فقال ابو بكر: انا يا رسول الله، قال: فمن عادى منكم مريضا، فقال ابو بكر: انا يا رسول الله، فقال عليه الصلاه والسلام: هذه ما اجتمعنا في امرئ الا دخل الجنه .))
وقتك ان لم تملا بالاعمال الصالحه ، ملاته وانت لا تدري بالاعمال المنحرفه ، طبيعه النفس حركيه ، لا بد من ان تشغلها بالاعمال الصالحه الاستقامه تقيك الزلل، لكن الاعمال الصالحه ترفعك الى الله، الاستقامه تعينك على الثبات على الايمان، لكن الاعمال الصالحه تقوي الايمان في نفسك، فاذا اردت ان يقوى ايمانك فعليك بالعمل الصالح.