حب الانتقام سم زعاف في النفوس الهائجه : في كتاب “المصلوبون في التاريخ” قصص وحكايات لبعض اهل البطش الذين انزلوا بخصومهم اشد العقوبات واقسى المثلات، ثم لما قتلوهم ما شفى لهم القتل غليلا، ولا ابرد لهم عليلا، حتى صلبوهم على الخشب، والعجب ان المصلوب بعد قتله لا يتالم ولا يحس ولا يتعذب، لان روحه فارقت جسمه، ولكن الحي القاتل يانس ويرتاح، ويسر بزياده التنكيل.
ان هذه النفوس المتلمظه على خصومها المضطرمه على اعدائها لن تهدا ابدا ولن تسعد، لان نار الانتقام وبركان التشفي يدمرهم قبل خصومهم.
واعجب من هذا ان بعض خلفاء بني العباس فاته ان يقتل خصومه من بني اميه ، لانهم ماتوا قبل ان يتولى، فاخرجهم من قبورهم وبعضهم رميم فجلدهم، ثم صلبهم، ثم احرقهم. انها ثوره الحقد العارم الذي ينهي على المسرات وعلى مباهج النفس واستقرارها.
ان الضرر على المنتقم اعظم، لانه فقد اعصابه وراحته وهدوءه وطمانينته.
لا يبلغ الاعداء من جاهل *** ما يبلغ الجاهل من نفسه
{واذا خلوا عضوا عليكم الانامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم}.
وقفه : ليس للعبد اذا بغي عليه واوذي وتسلط عليه خصومه، شيء انفع له من التوبه النصوح، وعلامه سعادته ان يعكس فكره ونظره على نفسه وذنوبه وعيوبه، فيشتغل بها وباصلاحها، وبالتوبه منها، فلا يبقى فيه فراغ لتدبر ما نزل به، بل يتولى هو التوبه واصلاح عيوبه، والله يتولى نصرته وحفظه والدفع عنه ولابد، فما اسعده من عبد، وما ابركها من نازله نزلت به، وما احسن اثرها عليه، ولكن التوفيق والرشد بيد الله، لا مانع لما اعطى ولا معطي لما منع، فما كل احد يوفق لهذا، لا معرفه به، ولا اراده له، ولا قدره عليه، ولا حول ولا قوه الا بالله.
سبحان من يعفو ونهفو دائما *** ولم يزل مهما هفا العبد عفا
يعطي الذي يخطي ولا يمنعه *** جلاله عن العطا لذي الخطا