سيره ايليا ابو ماضي
هو ايليا ضاهر ابي ماضي من كبار شعراء المهجر في امريكا الشماليه ، ولد في المحيدثه – المتن الشمالي -لبنان عام 1889م وهاجر الى مصر سنه 1900م وسكن الاسكندريه واولع بالادب والشعر حفظا ومطالعه ونظما ، وفي عام 1911م اصدر ديوانه الاول ( تذكار الماضي ) وهاجر في نفس العام الى امريكا واقام بمدينه سنسناتي واحترف التجاره وفي عام 1916م انتقل الى نيويورك حيث انظم الى نخبه الادباء المهجريين الذين اسسوا الرابطه القلميه وفيها طبع ديوانه الثاني الذي قدم له الشاعر جبران خليل جبران وانصرف منذ ذلك الحين الى الصحافه فعمل في جريده مراه الغرب ثم اصدر جريده السمير اسبوعيه ثم يوميه عام 1929م في بروكلن الى ان توفى في نيويورك سنه 1957م.
اصدر ديوانه الثالث الذي قدم له الشاعر ميخائيل نعيمه عام 1925م
وفي عام 1940م اصدر ديوانه” الخمائل ” وقد نظم بعد ذلك شعر كثير نشرها في الصحف والمجلات في الوطن وفي المهجر.
شاعر الطبيعه والعذوبه
قل المجيدون وكثر المتشاعرون في زمننا الحاضر. سنه الطبيعه ان يتوالد البعوض بالملايين, وان لا تلد الصقور الا عددا قليلا. والشاعر المهجري ايليا ابو ماضي ينتسب الى فصيله الصقور والى الشعراء المبدعين الكبار.
فلسفه ابي ماضي
جعل ابو ماضي من شعره منطلقا لافكاره الفلسفيه التي صاغها ببلاغه وسهوله ومرونه بيان. فلسفته في الكون, وما وراء الطبيعه , وفي الوجود والعدم, وفي الروح والحقيقه , اعتمدت على مبدا اعتنقه عدد من الفلاسفه الذين راوا في البحث عن هذه الامور مساله عقيمه لا تؤدي بصاحبها الى حل تلك الاسئله التي راودت المفكرين منذ زمن بعيد جدا, فالفكر في نظرهم لا يستطيع ان يتخطى حدوده الماديه ليصل الى اكتشاف حقائق مجهوله تتعدى قواه الفكريه . وكان قد سبق ابي ماضي من الشعراء في هذا المبدا الشاعر الفارسي عمر الخيام الذي يقول:
“اتى بي لهذا الكون مضطربا فلم تزد لي الا حيره وتعجب
وعدت على كره ولم ادر انني لماذا اتيت الكون او فيم اذهب”
وابو ماضي يقول في قصيدته الطلاسم:
“جئت لا اعلم من اين ولكني اتيت وابغض فيمسي الكون سجنا مظلما
ولقد ابصرت قدامي طريقا فمشيت والمرء لولا الحب الا اعظما
وسابقى سائرا ان شئت هذا ام ابيت فتالمت من قبل ان تتالما
كيف جئت, كيف ابصرت طريقي الله لم يخلق لنا غير السم”
لست ادري”.
اخذت فكره عدم تلاشي الانسان بعد الموت تلاشيا كليا في التراب, تزداد سنه بعد سنه رسوخا في راس ابي ماضي, بحيث نجده ينشر في مجلته “السمير” مقالا جعل موضوعه الانسان وما يوجد فيه من غرائب. وراى ان الانسان مجمع غرائب, وملتقى الاسرار والاحاجي؛ فيه من الحيوان شيء, ومن النبات شيء, ومن الجماد شيء, واعظم من هذا كله فيه شيء من الاله.
وايمان ابي ماضي بان الانسان بعد موته سوف يعود فيولد من جديد اما حيوانا او نباتا تدب فيهما الحياه , هو ايمان استقاه من بعض اقوال الفلاسفه القدماء الذين كانوا يقولون ان الانسان الفاضل سيتحول بعد موته عن طريق التناسخ الى زهره , فواحه العبير, والانسان الشرير سيتحول الى حيوان.
لقد جاء الانسان الى هذه الدنيا مكرها, وسيفارقها مكرها, فهو لا يعلم لذهابه موعدا, حياته لغز حير عقول العلماء والشعراء والمفكرين, وذهابه لغز ايضا, لا يعرف كنهه الا خالقه. فكلما اوهمنا انفسنا باقترابنا من معرفه الحقيقيه , حقيقه الوجود, نكون قد ابتعدنا كل الابتعاد عن معرفتها الحقه .
نبذ الطائفيه
لقد التفت شاعرنا حوله فاذا الناس على خلاف دائم حول الاديان الكثيره , وحتى ضمن الدين الواحد, ووجد المذاهب المتعدده والطوائف المختلفه , كل مذهب يمجد مبادئه ويدحض مبادئ الاخر, والناس في خضم هذه الفوضى الفكريه .
التناحر الطائفي والديني, زرع في اعماق ابي ماضي بذور الشك بالاديان والمتدينين, الامر الذي جعله يتخطى الطوائف المختلفه فقاده فكره الى الاله الواحد, واجب الوجود؛ امن برب واحد حكيم, خلق هذا العالم, ورتبه, ونظمه, انه اله المحبه الشامل, الذي من المفترض ان يكون الانسان على شاكلته, مفعم بالمحبه . فالمحبه تنير وتجمع الشتات الانساني, في حين ان الكره والبغض يظلم ويمزق. يقول شاعرنا:
“احبب فيغدو الكوخ كونا نيرا
ما الكاس لولا الخمر الا زجاجه
كم روعوا بجهنم ارواحنا
ليست جهنم غير فكره تاجر”
هذا الطريق المحفوف بالمخاطر والاشواك, بالشك والظنون, ابتعد عنه ابو ماضي واخذ يسلك دروبا شائكه في الحياه , نظر حوله فاذا العالم كله ينحدر ببطء نحو الزوال, وما الخلود سوى ضرب من الخيال, تراب فتراب, حياه كلها هباء, وجميع العناصر الحيه , الى فناء, فالى اين المفر؟ انها الماساه والصراع الذي يمزق رغبات الانسان المكبل بهواجس القنوط والياس والشقاء, والعدميه , ويقوده الى التشاؤم المرير.
عشق الطبيعه
لا اظن ان شاعرا احب الطبيعه اكثر مما احبها ابو ماضي. لقد انعكس جمالها في جمال نفسه, وصفاء سمائها في صفاء الحانه, وانعكست عذوبه مائها في عذوبه الفاظه ودقه نواميسها في دقه ملاحظاته, وكان الطبيعه شعرت بصدق حبه لها, فباحت له باسرار سحرها, واباحت له صوغها شعرا.
كان ابو ماضي يرى في كائنات الطبيعه الاصدقاء الاوفياء له. اذ كان كلما بثهم شكواه يجد عندهم اذانا صاغيه , وقلوبا مفتوحه واعيه , وكثيرا ما كان يلتقي باصدقائه هؤلاء اما في اماكنهم المعتاده في البريه , او في منزل احد الرفاق والاقرباء. وقد فجعت عيناه ذات يوم برؤيه زهره مسجونه في اناء في احد الصالونات الفخمه , فتالم اشد الالم لدى رؤيتها, لانه لم يكن باستطاعته ان يخلصها من سجنها وعذابها. فانشد:
“لعمرك ما حزني لمال فقدته ولا خان عهدي في الحياه حبيب
ولكنني ابكي واندب زهره جناها ولوع بالزهور طروب
راها يحل الفجر عقد جنونها ويلقي عليها تبره فيذوب”
كان يرى في الروابي جمالا ومهابه , وفي خرير الجدول المنساب جذلا وحبورا, وفي المرج الخطيب بشاشه وابتسامه , وفي الوادي العميق الاغوار شعورا بالحزن والكابه , وكلما ارخى الليل سدوله على الكائنات, كانت عيناه تبصران ما فيها من جمال. وقد ال على نفسه ان يكون رسول الطبيعه الى البشر, ليدلهم على مواطن الجمال فيها, وليحبب اليهم العيش في احضانها والتقرب من كائناتها على غرار ما دعا اليه الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو.
فشاعرنا يتامل الطبيعه , ويدرس مظاهرها, ويتتبع اسرارها, شانه شان كل شعراء الرابطه القلميه , فيخرج من دراسته وتاملاته بمقارنات ومقابلات وحكم شتى, اهمها ان الطبيعه صالحه تنفع جميع البشر, وتقدم النفع لهم من دون ان تسال, وهي لا تفرق في تقديم نفعها بين انسان واخر, فيا ليت الناس يقلدون الطبيعه في العطاء. ونجد عند شاعرنا نزعه انسانيه خالصه , تسمو على كل النزعات, وروحا عاليا يفوق كل الارواح, انه يحب الناس ويحب الحياه التي اوجدت الناس, ويدعوهم الى محبتها ففيها كل الخير والجمال.
ابو ماضي والحب
قبل زواجه اجتاز ابو ماضي عددا من التجارب العاطفيه القاسيه , حيث كان يخرج منها في كل
مره صحيحا سليما, الا تجربه واحده فقط من بينها وهي تجربه كادت تصيب منه مقتلا, جاعله منه احد الشعراء العشاق الكبار الباكين على فراق المحبوبه الظالمه , المتالمين من جراء صدها المتعمد لهم.
وقد ظل شاعرنا فتره غير قصيره مصدقا ما قالته المحبوبه له. وهو يعيش اسعد ايامه, لانه كان يقضيها بقربها, وفجاه وجدها تتخلى عنه, تاركه اياه يندب فراقها, فيقول:
“انما تلك اخلفت قبل ليلين من موعدي
لم تمت لا وانما اصبحت في سوى يدي”.
محبوبته هذه, جعلها عروسه قصيدته “الداليه ” وهي نفسها محبوبته هند التي جعلها عروسه قصيدته “الغابه المفقوده ” حيث يحدثنا عن تلك الايام العذبه الجميله , والرحلات الخلويه الممتعه التي قام بها ومحبوبته الى تلك الغابات, قبل ان تصبح “في سوى يده” فيقول:
“يا لهفه النفس على غابه كنت وهندا نلتقي فيها
انا كما شاء الهوى والصبا وهي كما شاءت امانيها
نباغت الازهار عند الضحى متكات في نواحيها
لله في الغابه ايامنا ما عابها الا تلاشيها
طورا علينا ظل ادواحها وتاره عطف دواليها
وتاره نلهو باعنابها وتاره نحصي اقاحيها
وان تضاحكنا سمعنا الصدى يضحك معنا في اقاصيه”
خصائصه الشعريه
اذا اردنا ان نتتبع خصائص شعر ابي ماضي منذ ارتبط بالرابطه القلميه , فاننا سنجد الكثير من مميزاتها عنده, فهناك الشعر التاملي الروحي الذي يغلب على مقطوعاته في ديوانه الجداول من مثل: الناسكه , نار القرى, الزمان. وغيرها. واصبحت الماده لا تعني شاعرنا بكثير او قليل, فهو شاعر يعيش بالروح ويهتم بالنفس.
تقسم مسيره ابي ماضي الشعريه الى قسمين: قسم ما قبل الهجره , وفيه لم يكن لشعره خصائص مميزه , والقسم الثاني ما بعد الهجره , وفيه اظهر شاعريته الناضجه فكريا, والمتحرره اسلوبا. واهم ما نلاحظه في شعره هذا, الاسلوب الحواري, اذ نراه يخاطب اناسا يعرفهم وياخذ منهم وياخذون منه, كل ذلك في شعر متماسك موسيقي عذب ذي هدف.
اثاره
ديوانه تذكار الماضي.
الجداول.
الخمائل.
- ايليا ابو ماضي سيرة غيرية
- سيرة الشاعر ايليا ابو ماضي