طبيعه الحياه في مسقط
الحنين احساس يتجول في داخلنا حين نبتعد عن ذلك المكان الذي تعودنا عليه وترعرعنا فيه واخذ من عمر طفولتنا ومراهقتنا الكثير. ولا يزال للمكان تاثير خاص بمن فيه من اشخاص ( الاقارب والاصدقاء والجيران ) نقطه ارتكاز للذكرى والحنين . فما الذي يجعلنا نغادره مجبرين لتسكننا اوجاع الغربه ولو الى حين.
هنا في السلطنه التي تمتد لمساحات شاسعه بمحافظاتها المختلفه والتي يتبع كل منها ولايات متعدده ما زالت معظمها في حركه انماء وتطور عمراني، تتجه القلوب والعيون الى مسقط العاصمه لكونها مركز الثقل التجاري والمعماري والنهضوي، لذا تبحث الغالبيه فيها عن موطئ قدم بحثا عن الدراسه او الوظيفه ، لا فرق بين رجل او امراه فلقمه العيش وتحقيق الذات يدفعان الجميع لمقايضه شيء بشيء، الابتعاد عن الاهل مقابل الدراسه او العمل. ونتساءل هل يشعر الانسان بغربه في وطنه لانه ابتعد عن مكانه الاصلي؟ البعض اقر بهذا الاحساس لانه بعيد عن اهله وعشيرته والبعض رفض هموم الغربه لانه اينما يذهب لا يجد الاختلاف. وبين الرايين يبقى هناك خيط واحد بكل تاكيد وهو العيش بعيدا عن دائره الاهل والمكان في دائره العمل او الدراسه ولكل منهم توهجه في نفسيه الشخص.
مسقط من اجل الدراسه
تنتشر المدارس بمراحلها المختلفه في كل ارجاء السلطنه لكن للمرحله الجامعيه خصوصيتها حيث تتمركز معظم الكليات المختلفه في مسقط وحين يتخرج الطلبه من المرحله الثانويه تتجه عيونهم الى مسقط لاكمال دراستهم الجامعيه في محطتهم الاولى في الغربه .
سميره وبدريه زميلتان في السكن الجامعي كل منهما من ولايه مختلفه اقرتا ان الحياه الجامعيه في بدايتها قدمت لهما طعما جديدا للحياه العلميه وانستهما بعض الشيء فراق الاهل الذين كانوا يشجعونهما على التحصيل الدراسي.
تقول بدريه الصالحيه : في البدايه كنت متوتره بعض الشيء فكل اعتمادي في السابق على الوالده ، وفجاه وجدت نفسي مع مجموعه من الطالبات في السكن وعلي تدبر اموري بعيدا عن الاهل، والحمد لله نجحت في ترتيب وضعي وهذا ما اسعدني، لكن بعد التخرج وجدت نفسي في مواجهه اخرى في البحث عن عمل وايجاد سكن اخر مناسب. لكن تبقى ايام الدراسه فيها من الجمال والذكريات الحلوه ما يخفف من فراق الاهل لكن استمرار الابتعاد عن الاهل من اجل الوظيفه يزعجها. اما سميره فقد عادت الى ولايتها بعد التخرج واستقرت في عمل هناك بعد غياب اربع سنوات .
السكن مشكله وحل
وتعلق عائشه المفرجيه بقولها: السكن في مسقط بعيدا عن الاهل مشكله اخرى تضاف الى مشاكلنا نحن الطالبات من احساسنا بعذاب فراق الاهل وشوقنا الدائم لهم ( فالوضع المادي والمواصلات ) امر مزعج لكن وجود السكن هو محل للاقامه ايضا وراحه لنا ولاهلنا الذين يفضلون سكن الطالبات او الموظفات ليطمئنوا علينا افضل من السكن المنفرد مع مجموعه من الفتيات دون اشراف. لكن المساله هنا والتي قد تثير مشكله بوجود اربع فتيات في الغرفه الواحده في السكن كل منا لها نفسيتها الخاصه واعباؤها ومشاكلها وعلى الفتاه ان تتاقلم مع هذا الوضع شاءت ام ابت ولا مكان اخر ولو طلبت ان يكون لها غرفه خاصه فعليها ان تضاعف الاجر.
ابتسام السهيليه ( موظفه في جريده ) تقول : انها بعد التخرج بحثت عن عمل في ولايتها لكنها لم تجد لها مكانا فولايتها كمعظم الولايات بها مستشفى ومركز شرطه ومدارس كلها مكتفيه بالموظفين ولا يوجد شاغر بما يتناسب مع وظيفتها فاضطرت للقدوم لمسقط والبحث عن سكن في البدايه والذي كان احد اسباب احساسها بالغربه وفكرت في العوده للاهل والولايه لكن توفر العمل خفف عنها وبدات تتاقلم مع الوضع الجديد وبتشجيع من الاهل في العمل والسكن، وتشرح اسباب المشكله في السكن انها غالبا ما تحصل نتيجه اختلاف طبائع الموظفات القاطنات في السكن فالمستويات مختلفه ومفهوم النظافه وطريقه العيش والترتيب مختلفه وهذا ما كان يسبب لها ازعاجا واحساسا بالغربه في كثير من الاحيان، لكنها تغادر للاهل كل نهايه اسبوع وتنسى كل الازعاجات خاصه وانها تشعر باهميه راتبها في تحقيق ذاتها. ولا تنكر ابتسام انها كثيرا ما تلجا للاهل في حل كثير من المشاكل التي تتعرض لها في مسقط رغم انها تؤكد بان المشاكل عاديه اذا قورنت بمشاكل المتزوجات اللاتي يشاركنها السكن خاصه وان ظروف الحياه اجبرتهن على الابتعاد عن الزوج والاولاد .
الشباب والظروف الصعبه :
ويؤكد كثير من الشباب ان ظروفهم الماديه والنفسيه تعتبر صعبه نوعا ما في ابتعادهم عن الاهل ولعل زاهر الميمني ( مصمم مواقع اليكترونيه ) اكثرهم تاثرا وهو يشكو الاعياء والمشاكل التي يصادفها حيث اضطر للقدوم الى مسقط لعدم وجود وظائف في ولايته، واكد زاهر ان عدم وجود مراكز مختلفه في ولايته هو اساس لعدم وجود شركات للعمل، ويتحدث زاهر عن طبيعه عمله التي تاخذ منه معظم الوقت والجهد، لكنه يتابع ان الوظيفه رغم كل شيء افضل من لا شيء لكن بعده عن الاهل يسبب له احساسا بالغربه خاصه وان لديه اقارب في مسقط لكنه لا يراهم لظروف اعمال الجميع اضافه الى عدم استقراره في سكن واحد منذ قدومه وعدم توفر مواصلات الى مقر عمله وهو يتمنى ان ينمو البناء الاقتصادي في الولايات بموازاه البناء الاقتصادي في العاصمه مسقط ليجد البعض فرصه للعمل في ولايته بدلا من مشقه الحضور وتعب المسكن وغلائه في مسقط.
وعن زيارته للاهل يقول: انه لا يذهب للاهل الا في المناسبات الرسميه والاجازات الطويله وغالبا ما تكون الفترات متباعده وهذا ما يشعره بالوحده ويعتبر ان خطه الزواج لديه بعيده التحقيق نظرا لظروف الوضع المادي وتكاليف الزواج الباهظه .
لا غربه في الوطن :
محمد البلوشي ( مدير تسويق في شركه اتصالات ) رغم انه يعمل ويسكن في مسقط بعيدا عن الاهل الا انه يؤكد انه لم يشعر بالغربه ابدا فالوطن واحد لكن ظروف العمل في مسقط تجعل الجميع يتجهون اليها.
ويتابع البلوشي قائلا: انه سكن في مسقط بعد زواجه لان زوجته موظفه في احدى الدوائر، اما قبل الزواج فكان يرفض السكن في مسقط ويعتبر الذهاب والاياب من ولايته الى مسقط يوميا ليس بالمشكله خاصه انه ظل يعيش مع اهله لكن بعد الزواج وعدم تحمل زوجته لظروف الانتقال اليومي قررا السكن في مسقط، واكد انه من البدايه لم يجد عملا في ولايته ووجد عملا في المطار قبل عمله الحالي ومن المهم لاي شاب ان يجد عملا اما الطريق وبوجود سياره فلم يكن عائقا ابدا له حتى لو اخذ الطريق منه ثلاث ساعات ذهابا ومجيئا.
في تعليق لاحد الموظفين العزاب قال: انه غير مضطر للذهاب كل اسبوع الى ولايته لانه اعزب اما زملاؤه المتزوجون فعليهم الذهاب كل نهايه اسبوع لزياره عوائلهم واطفالهم وما ان يحل ظهر الاربعاء حتى يشدون الرحال الى ولاياتهم ليعودوا مساء الجمعه .
المراه المتزوجه
وحاولنا التحدث مع بعض المتزوجات اللاتي يعملن في مسقط بعيدا عن عائلاتهن فلم نجد ردا ورفضن الحديث لكن فايزه العبريه ( موظفه اداريه في احدى الشركات ) قالت لنا: معظم النساء المتزوجات في مسقط بعيدات عن الزوج والاولاد كن في البدايه عازبات وتزوجن من احد الاقرباء في الولايه ولكن لظروف الحياه بقين في الوظيفه في مسقط، وبقي الازواج في الولايه ، وهذا يشكل لهن عبئا نفسيا وتوترا لا يستطعن اخفاءه.
مسقط المحور :
“مسقط هي المحور” .. هذا ما قاله لنا الشاب داوود الجديدي ( مدرس ) وتابع : الكل يعرف هنا ان مسقط العاصمه هي محور الاعمال والاقتصاد وكل فعاليات البناء النهضوي في البلد وهي تستقطب العدد الاكبر من الموظفين لكن غالبيه الولايات بها اكتفاء وظيفي لمحدوديه اماكن التوظيف فكل ولايه نجد فيها مؤسسات حكوميه تعتبر فرعيه كالبلديه والاسكان والتربيه ومراكز الشرطه وهذه غالبا تحتاج لعدد محدد من الموظفين، ولا يمكن ان تستوعب كل ابناء الولايه فيلجاون الى مسقط ولا ننسى ان بعض الولايات تفتقر لحركه تجاريه نشطه والتي غالبا ما توفر وظائف متعدده لان الحركه التجاريه تتبعها غالبا مشاريع سياحيه ايضا ومرافق مختلفه لخدمه التجاره والسياحه معا وبالتالي قد تتحول الولايه بالتدريج الى عاصمه اخرى خاصه ان هناك خطط حكوميه لتنشيط هذه الولايات وهذا ما يحدث الان فخط الباطنه (الطريق الساحلي) سيشهد وشهد نشاطا عاما يشمل التجاره والعقار والسياحه ووظائف جديده لاهل الباطنه وسنجد ان اهل الباطنه بقوا فيها ولم يعودوا للاتجاه الى مسقط وهذا ما ينطبق على جميع الولايات الاخرى في حاله اكمال المشاريع. انا شخصيا لا اشعر بالغربه في مسقط رغم بعدي عن عائلتي فاينما اتجهت انا في وطني اما الاهل والزوجه والاولاد فهناك تواصل يومي معهم من خلال الهاتف النقال وهذا يخفف من وطاه البعد عنهم .
وحين سالناه لماذا لا تستقرون جميعا في مسقط اجاب داوود: زوجتي مرتبطه بوظيفه في الولايه ووالدتها تهتم بالاطفال فلو جاءت هي والاطفال الى مسقط سنواجه مشكله من سيعتني بالاطفال وقد لا تجد زوجتي وظيفه مناسبه لها في مسقط، ولكني ازورهم كل اربعاء وحتى مساء الجمعه وفي كل الاجازات واعتقد ان المساله بالنسبه لي ليست بالصعوبه التي يتخيلها البعض فساعه واكثر هي المسافه التي تفصلني عن الاهل وحين يتحتم الامر ازورهم يوميا لكني اعتقد ان المشكله مع من تبتعد ولاياتهم اكثر من ساعتين عن مسقط .
ويتابع داوود قائلا: علينا ان لا نضع كل العبء على الحكومه في فتح افاق الوظائف في مختلف الولايات في السلطنه فالمساله ليست بالسهوله التي يظنها البعض فاي مشروع يحتاج الى خطط وموازنه طويله الامد ونحتاج لفتره تتجاوز العشره اعوام لحصول طفره صناعيه وتجاريه واقتصاديه وسياحيه لتخفيف الضغط عن مسقط، وانا احد الكثيرين اللذين سيغادرونها للعمل في ولايتي عند اهلي وعائلتي حين تتوفر الظروف لكنني اؤكد ان ظروف الحياه وطبيعه العمل تفرض علينا ان نتواصل مع الحياه بشكل ايجابي واكثر تفاؤلا اما الغربه فلا وجود لها في اي مكان من الوطن.
يبقى احساس الغربه بعيدا عن الاهل والعائله حالات خاصه عند البعض ينظر اليها بحنين والبعض الاخر ينظر اليها بواقعيه اكبر وهذا ما لمسناه مع كل من تحدثنا اليهم ويبقى الوطن بكل تاكيد يتحمل ويحمي الجميع.