ظهور التتار
ظهرت دوله التتار في سنه 603 ه تقريبا، وكان ظهورها الاول في “منغوليا” في شمال الصين، وكان اول زعمائها هو “جنكيزخان”.
وجنكيزخان كلمه تعني: قاهر العالم، او ملك ملوك العالم، او القوي.. حسب الترجمات المختلفه للغه المنغوليه .. واسمه الاصلي “تيموجين”.. وكان قائدا عسكريا شديد الباس وسفاكا للدماء، وكانت له القدره على تجميع الناس حوله.
بدا جنكيزخان في التوسع تدريجيا في المناطق المحيطه به، وسرعان ما اتسعت مملكته حتى بلغت حدودها من كوريا شرقا الى حدود الدوله الخوارزميه الاسلاميه غربا، ومن سهول سيبريا شمالا الى بحر الصين جنوبا.. اي انها كانت تضم من دول العالم حاليا: (الصين ومنغوليا وفيتنام وكوريا وتايلاند واجزاء من سيبيريا.. الى جانب مملكه لاوس وميانمار ونيبال وبوتان)!!
ويطلق اسم التتار -وكذلك المغول- على الاقوام الذين نشئوا في شمال الصين في صحراء “جوبي”، وان كان التتار هم اصل القبائل بهذه المنطقه .. ومن التتار جاءت قبائل اخرى مثل قبيله “المغول”، وقبائل “الترك” و”السلاجقه ” وغيرها، وعندما سيطر “المغول” -الذين منهم جنكيزخان- على هذه المنطقه اطلق اسم “المغول” على هذه القبائل كلها.
ديانه التتار
كان للتتار ديانه عجيبه ، هي خليط من اديان مختلفه .. فقد جمع جنكيزخان بعض الشرائع من الاسلام والبعض من المسيحيه ، والبعض من البوذيه ، واضاف من عنده شرائع اخرى، واخرج لهم في النهايه كتابا جعله كالدستور للتتار وسمى هذا الكتاب ب “الياسك” او “الياسه ” او”الياسق”.
حروب التتار
وكانت حروب التتار تتميز باشياء خاصه جدا مثل:
1- سرعه انتشار رهيبه .
2- نظام محكم وترتيب عظيم.
3- اعداد هائله من البشر.
4- تحمل ظروف قاسيه .
5- قياده عسكريه بارعه .
6- انهم بلا قلب!! فكانت حروبهم حروب تخريب غير طبيعيه .. فكان من السهل جدا ان ترى في تاريخهم انهم دخلوا مدينه كذا او كذا، فدمروا كل المدينه وقتلوا سكانها جميعا.. لا يفرقون في ذلك بين رجل وامراه ، ولا بين رضيع وشاب، ولا بين صغير وشيخ، ولا بين ظالم ومظلوم، ولا بين مدني ومحارب!! اباده جماعيه رهيبه ، وطبائع دمويه لا تصل اليها اشد الحيوانات شراسه .
وكما يقول الموفق عبد اللطيف في خبر التتار: “وكان قصدهم افناء النوع، واباده العالم، لا قصد الملك والمال”.
7- رفض قبول الاخر.. والرغبه في تطبيق مبدا “القطب الواحد!”.. فليس هناك طرح للتعامل مع دول اخرى محيطه .. والغريب انهم كانوا يتظاهرون دائما بانهم ما جاءوا الا ليقيموا الدين، ولينشروا العدل، وليخلصوا البلاد من الظالمين!!
8- انهم لا عهد لهم.. فلا ايسر عندهم من نقض العهود واخلاف المواثيق.. لا يرقبون في مؤمن الا ولا ذمه .. كانت هذه صفه اصيله لازمه لهم، لم يتخلوا عنها في اي مرحله من مراحل دولتهم منذ قيامها والى ان سقطت.
هذه هي السمات التي اتصف بها جيش التتار، وهي صفات تتكرر كثيرا في كل جيش لم يضع في حسبانه قوانين السماء وشريعه الله فالذي يملك القوه ويفتقر الى الدين لابد ان تكون هذه صورته.. قد يتفاوتون في الجرائم والفظائع.. لكنهم في النهايه مجرمون.
كانت حروب المرتدين قريبا من هذا.. كذلك حروب الفرس.. وكذلك كانت حروب الرومان.. وكذلك كانت حروب الصليبيين في الشام ومصر.. وكذلك كانت حروب الصليبيين في الاندلس..
ثم سار على طريقتهم بعد ذلك اتباعهم من المستعمرين الاسبان والبرتغال والانجليز والفرنسيين والطليان واليهود، ثم الامريكان!!
قد يختلف الشكل الخارجي.. وقد تختلف الوجوه والاجسام.. ولكن القلوب واحده .. حقد وضغينه وشحناء وبغضاء على كل ما هو مسلم، او كل ما هو حضاري.
وسبحان الله اذ يقول في حقهم جميعا: {اتواصوا به بل هم قوم طاغون} [الذاريات:53].
قوى العالم
اذن.. كملخص للقوى الموجوده على الساحه في اوائل القرن السابع الهجري نستطيع ان نقول: انه كانت هناك ثلاث قوى رئيسيه :
قوه الامه الاسلاميه
وهي قوه ذات تاريخ عظيم.. وامجاد معروفه ، لكنها تمر بفتره من فترات ضعفها.. وهذا الضعف – وان كان شديدا – الا انه لم يسقط هيبه الامه تماما؛ لان اعداءها كانوا يعلمون ان اسباب النصر وعوامل القوه مزروعه في داخل الامه ، وانما تحتاج الى من يستخرجها وينميها فقط.
قوه الصليبيين
وهم وان كانوا ايضا في حاله ضعف، وفي حاله تخلف علمي وحضاري شديد بالمقارنه بالامه الاسلاميه .. الا انهم قوه لا يستهان بها؛ لكثره اعدادهم، وشده حقدهم، واصرارهم على استكمال المعركه مع المسلمين الى النهايه .
وصدق الله العظيم اذ يصفهم بقوله: {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ان استطاعوا} [البقره : 217].
وكانت قوه الاسلام وقوه الصليبيين تمثلان معا قوه العالم القديم في ذلك الوقت.
قوه التتار
وهي قوه همجيه بشعه .. وهي قوه بلا تاريخ.. وبلا حضاره .. ظهرت فجاه .. وليس عندها مخزون ثقافي او حضاري او ديني يسمح لها بالتفوق على غيرها.. فكان لا بد لها من الاعتماد على القوه الهمجيه والحرب البربريه لفرض سطوتها على من حولها..
وكانت قوه التتار تمثل العالم الجديد في ذلك الوقت..
سنه الله
ومن سنه الله ان يحدث الصراع بين القوى المختلفه .. والتدافع بين الفرق المتعدده .. ومن سنه الله كذلك ان الاقوياء المفتقرين الى الدين لا يقبلون بوجود الضعفاء الى جوارهم.. ومن سنه الله ايضا ان الباطل – مهما تعددت صوره – لا بد ان يجتمع لحرب الحق.. ومن سنه الله كذلك ان الحرب بين الحق والباطل لا بد ان تستمر الى يوم القيامه .
اذا وضعنا كل هذه السنن في اذهاننا، فاننا يجب ان نتوقع تعاونا بين التتار والصليبيين – على اختلاف توجهاتهم وسياستهم ونظرياتهم – لحرب المسلمين.
وهذا -سبحان الله- ما حدث بالضبط!
ارسل الصليبيون وفدا رفيع المستوى من اوربا الى منغوليا (مسافه تزيد على اثني عشر الف كيلو متر ذهابا فقط!!) يحفزونهم على غزو بلاد المسلمين، وعلى اسقاط الخلافه العباسيه ، وعلى اقتحام “بغداد” دره العالم الاسلامي في ذلك الوقت.. وعظموا لهم جدا من شان الخلافه الاسلاميه ، وذكروا لهم انهم -اي الصليبيين- سيكونون عونا لهم في بلاد المسلمين، وعينا لهم هناك.. وبذلك تم اغراء التتار اغراء كاملا.
وقد حدث ما توقعه الصليبيون.. سال لعاب التتار لاملاك الخلافه العباسيه ، وقرروا فعلا غزو هذه البلاد الواسعه الغنيه بثرواتها المليئه بالخيرات.. هذا مع عدم توافق التتار مع الصليبيين في امور كثيره ..
بل ستدور بينهم بعد ذلك حروب في اماكن متفرقه من العالم، ولكنهم اذا واجهوا امه الاسلام، فانهم يوحدون صفوفهم لحرب الاسلام والمسلمين.. وهذا الكلام ليس غريبا, بل هو من الطرق الثابته لاهل الباطل في حربهم مع المسلمين.
تعاون قبل ذلك اليهود مع المشركين لحرب الرسول مع الاختلاف الكبير في عقائد اليهود عن عقائد المشركين، بل تعاون الفرس مع الروم في حرب المسلمين مع شده الكراهيه بين الدولتين الكبيرتين فارس والروم، ومع الثارات القديمه ، والخلافات المستمره والحروب الطويله .
وتعاون الانجليز مع اليهود لاسقاط الخلافه العثمانيه ، ولاحتلال فلسطين، وزرع الصهاينه في داخل هذه الارض المباركه ، مع شده العداء بين اليهود والنصارى.
ويتعاون الروس مع الامريكان الان في القضاء على ما يسمونه الارهاب الاسلامي، فتسهل روسيا لامريكا حروبها في افغانستان والعراق وفلسطين، على ان تسهل امريكا لروسيا حربها في الشيشان، والضحيه في الحالين من المسلمين.
اذن.. اتحاد اهل الباطل في حربهم ضد المسلمين امر متكرر، وسنه ماضيه .
ولذلك، لا يستقيم ان يتعامل المسلمون بالمبدا القائل: “عدو عدوي صديقي”, بل لا بد ان يعرف المسلمون اعداءهم، ولا بد ان يعرفوا ايضا ان عدو عدوهم قد يكون ايضا عدوهم.. نعم قد تتم التحالفات بين المسلمين وبين بعض الاعداء لاجل معين ولهدف خاص.. ولكن ذلك يكون بلا تفريط في الدين، ولا تساهل في الحقوق، ويكون بحذر كاف، والى اجل معلوم.. لكن لا يصل الامر ابدا الى الولاء والصداقه ونسيان الحقائق التي ذكرها الله واضحه في كتابه الكريم، حيث قال:
{ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم} [البقره : 120].
والمهم في كل ذلك ان التتار بدءوا يفكرون جديا في غزو بلاد المسلمين، وبدءوا يخططون لاسقاط الخلافه العباسيه ودخول بغداد؛ عاصمه الخلافه الاسلاميه .