القصة التي ابكت العالم

القصة التي ابكت العالم

 






لم اكن تجاوزت الثلاثين حين انجبت زوجتى اول ابنائي.. ما زلت اذكر تلك الليلة .. بقيت الي احدث الليل مع الشلة فاحدي الاستراحات ..


كانت سهرة مليئة بالكلام الفارغ .. بل بالغيبة  والتعليقات المحرمة …


كنت انا الذي اتولي فالغالب اضحاكهم .. و غيبة الناس .. و هم يضحكون ..


اذكر ليلتها انى اضحكتهم كثيرا..


كنت امتلك موهبة عجيبة فالتقليد ..


بامكانى تغيير نبرة صوتى حتي تصبح قريبة من الشخص الذي اسخر منة ..


اجل كنت اسخر من ذلك و ذاك . لم يسلم احد منى حتي اصحابى ..


صار بعض الناس يتجنبنى كى يسلم من لسانى ..


اذكر انى تلك الليلة سخرت من اعمي رايتة يتسول فالسوق… و الادهي انى و ضعت قدمى امامة فتعثر و سقط يتلفت براسة لا يدرى ما يقول .. و انطلقت ضحكتى تدوى فالسوق ..


عدت الي بيتى متاخرا كالعادة ..


وجدت زوجتى فانتظارى .. كانت فحالة يرثي لها ..


قالت بصوت متهدج : راشد .. اين كنت ؟


قلت ساخرا : فالمريخ .. عند اصحابى بالطبع ..


كان الاعياء ظاهرا عليها . قالت و العبرة تخنقها: راشد… انا تعبة جدا جدا . الظاهر ان موعد و لادتى صار و شيكا ..


سقطت دمعة صامتة علي خدها ..


احسست انى اهملت زوجتى ..


كان المفروض ان اهتم فيها و اقلل من سهراتى .. خاصة انها فشهرها التاسع ..


حملتها الي المستشفي بسرعة .


دخلت غرفة الولادة .. جعلت تقاسى الالام ساعات طوال ..


كنت انتظر و لادتها بفارغ الصبر .. تعسرت و لادتها .. فانتظرت طويلا حتي تعبت .. فذهبت الي المنزل ..


وتركت رقم هاتفى عندهم ليبشرونى ..


بعد ساعة . اتصلوا بى ليزفوا لى نبا قدوم سالم ..


ذهبت الي المستشفي فورا ..


اول ما راونى اسال عن غرفتها ..


طلبوا منى مراجعة الطبيبة التي اشرفت علي و لادة زوجتى ..


صرخت بهم : اي طبيبة ؟! المهم ان اري ابنى سالم ..


قالوا .. اولا .. راجع الطبيبة .


دخلت علي الطبيبة .. كلمتنى عن المصائب .. و الرضي بالاقدار ..


ثم قالت : و لدك بة تشوة شديد فعينية و يبدوا انه فاقد البصر !!


خفضت راسى .. و انا ادافع عبراتى .. تذكرت ذاك المتسول الاعمي .. الذي دفعتة فالسوق و اضحكت علية الناس ..


سبحان الله كما تدين تدان ! بقيت و اجما قليلا .. لا ادرى ما ذا اقول .. بعدها تذكرت زوجتى و ولدى ..


فشكرت الطبيبة علي لطفها .. و مضيت لاري زوجتى ..


لم تحزن زوجتى .. كانت مؤمنة بقضاء الله .. راضية .. طالما نصحتنى ان اكف عن الاستهزاء بالناس ..


كانت تردد دائما . لا تغتب الناس ..


خرجنا من المستشفي .. و خرج سالم معنا ..


فى الحقيقة .. لم اكن اهتم بة كثيرا..


اعتبرتة غير موجود فالمنزل ..


حين يشتد بكاؤة اهرب الي الصالة لانام بها .


كانت زوجتى تهتم بة كثيرا .. و تحبة كثيرا ..


اما انا فلم اكن اكرهة .. لكنى لم استطع ان احبة !


كبر سالم .. بدا يحبو . كانت حبوتة غريبة ..


قارب عمرة السنة فبدا يحاول المشى .. فاكتشفنا انه اعرج ..


اصبح ثقيلا علي نفسى اكثر ..


انجبت زوجتى بعدة عمر و خالدا ..


مرت السنوات .. و كبر سالم .. و كبر اخواة ..


كنت لا احب الجلوس فالبيت .. دائما مع اصحابى ..


فى الحقيقة كنت كاللعبة فايديهم ..


لم تياس زوجتى من اصلاحي..


كانت تدعو لى دائما بالهداية .. لم تغضب من تصرفاتى الطائشة …


لكنها كانت تحزن كثيرا اذا رات اهمالى لسالم و اهتمامى بباقى اخوتة ..


كبر سالم .. و كبر معة همى ..


لم امانع حين طلبت زوجتى تسجيلة فاحدي المدارس الخاصة بالمعاقين ..


لم اكن احس بمرور السنوات .. ايامى سواء .. عمل و نوم و اكل و سهر ..


فى يوم جمعة ..


استيقظت الساعة الحادية عشر ظهرا..


ما يزال الوقت مبكرا بالنسبة لى .. كنت مدعوا الي و ليمة .


لبست و تعطرت و هممت بالخروج ..


مررت بصالة البيت .. استوقفنى منظر سالم . كان يبكى بحرقة !


انها المرة الاولي التي انتبة بها الي سالم يبكى مذ كان طفلا .. عشر سنوات مضت .. لم التفت الية .. حاولت ان اتجاهلة .. فلم احتمل .. كنت اسمع صوتة ينادى امة و انا فالغرفة ..


التفت .. بعدها اقتربت منة .. قلت : سالم ! لماذا تبكى ؟!


حين سمع صوتى توقف عن البكاء .. فلما شعر بقربى ..


بدا يتحسس ما حولة بيدية الصغيرتين .. ما بة يا ترى؟!


اكتشفت انه يحاول الابتعاد عنى !!


وكانة يقول : الان احسست بى .. اين انت منذ عشر سنوات ؟!


تبعتة .. كان ربما دخل غرفتة ..


رفض ان يخبرنى فالبداية اسباب بكائة ..


حاولت التلطف معة ..


مسحت دموعة بيدى ..


بدا سالم يبين اسباب بكائة .. و انا استمع الية و انتفض … تدرى ما الاسباب =!!


تاخر علية اخوة عمر .. الذي اعتاد ان يوصلة الي المسجد ..


ولانها صلاة جمعة .. خاف الا يجد مكانا فالصف الاول …


نادي عمر .. و نادي و الدتة .. و لكن لا مجيب .. فبكي .. اخذت انظر الي الدموع تتسرب من عينية المكفوفتين ..


لم استطع ان اتحمل بقية كلامة ..


وضعت يدى علي فمة .. و قلت : لذا بكيت يا سالم !!..


قال : نعم ..


نسيت اصحابى .. و نسيت الوليمة .. و قلت :


سالم لا تحزن .. هل تعلم من سيذهب بك اليوم الي المسجد؟ ..


قال : اكيد عمر .. لكنة يتاخر دائما ..


قلت : لا .. بل انا ساذهب بك ..


دهش سالم .. لم يصدق .. ظن انى اسخر منة .. استعبر بعدها بكي ..


مسحت دموعة بيدى .. و امسكت يدة ..


اردت ان اوصلة بالسيارة .. رفض قائلا : المسجد قريب .. اريد ان اخطو الي المسجد .. – اي و الله قال لى هذا – ..


لا اذكر متي كانت احدث مرة دخلت بها المسجد ..


لكنها المرة الاولي التي اشعر بها بالخوف .. و الندم علي ما فرطتة طوال السنوات الماضية ..


كان المسجد مليئا بالمصلين .. الا انى و جدت لسالم مكانا فالصف الاول ..


استمعنا لخطبة الجمعة معا و صلي بجانبى .. بل فالحقيقة انا صليت بجانبة ..


بعد انتهاء الصلاة طلب منى سالم مصحفا ..


استغربت !! كيف سيقرا و هو اعمي ؟


كدت ان اتجاهل طلبة .. لكنى جاملتة خوفا من جرح مشاعرة .. ناولتة المصحف …


طلب منى ان افتح المصحف علي سورة الكهف..


اخذت اقلب الصفحات تارة .. و انظر فالفهرس تارة .. حتي و جدتها ..


اخذ منى المصحف .. بعدها و ضعة امامة .. و بدا فقراءة السورة .. و عيناة مغمضتان ..


يا الله !! انه يحفظ سورة الكهف كاملة !!


خجلت من نفسي.. امسكت مصحفا ..


احسست برعشة فاوصالي.. قرات .. و قرات..


دعوت الله ان يغفر لى و يهدينى ..


لم استطع الاحتمال .. فبدات ابكى كالاطفال .


كان بعض الناس لا يزال فالمسجد يصلى السنة … خجلت منهم .. فحاولت ان اكتم بكائى .. تحول البكاء الي نشيج و شهيق ..


لم اشعر الا بيد صغار تتلمس و جهى .. بعدها تمسح عنى دموعى ..


انة سالم !! ضممتة الي صدرى ..


نظرت الية .. قلت فنفسى .. لست انت الاعمي . بل انا الاعمي .. حين انسقت و راء فساق يجروننى الي النار ..


عدنا الي البيت .. كانت زوجتى قلقة كثيرا علي سالم ..


لكن قلقها تحول الي دموع حين علمت انى صليت الجمعة مع سالم ..


من هذا اليوم لم تفتنى صلاة جماعة فالمسجد .


هجرت رفقاء السوء .. و اصبحت لى رفقة خيرة عرفتها فالمسجد..


ذقت طعم الايمان معهم ..


عرفت منهم حاجات الهتنى عنها الدنيا ..


لم افوت حلقة ذكر او صلاة الوتر ..


ختمت القران عدة مرات فشهر ..


رطبت لسانى بالذكر لعل الله يغفر لى غيبتى و سخريتى من الناس ..


احسست انى اكثر قربا من اسرتى ..


اختفت نظرات الخوف و الشفقة التي كانت تطل من عيون زوجتى ..


الابتسامة ما عادت تفارق و جة ابنى سالم ..


من يراة يظنة ملك الدنيا و ما بها ..


حمدت الله كثيرا علي نعمة .


ذات يوم … قرر اصحابى الصالحون ان يتوجهوا الي احدي المناطق البعيدة للدعوة ..


ترددت فالذهاب.. استخرت الله .. و استشرت زوجتى ..


توقعت انها سترفض … لكن حدث العكس !


فرحت كثيرا .. بل شجعتنى .فلقد كانت ترانى فالسابق اسافر دون استشارتها فسقا و فجورا ..


توجهت الي سالم .. اخبرتة انى مسافر .. ضمنى بذراعية الصغيرين مودعا ..


تغيبت عن المنزل ثلاثة اشهر و نص ..


كنت اثناء تلك الفترة اتصل كلما سنحت لى الفرصة بزوجتى و اخر ابنائى .. اشتقت اليهم كثيرا .. ااة كم اشتقت الي سالم !!


تمنيت سماع صوتة .. هو الوحيد الذي لم يحدثنى منذ سافرت ..


اما ان يصبح فالمدرسة او المسجد ساعة اتصالى بهم ..


كلما حدثت زوجتى عن شوقى الية .. كانت تضحك فرحا و بشرا ..


الا احدث مرة هاتفتها بها .. لم اسمع ضحكتها المتوقعة .. تغير صوتها ..


قلت لها : ابلغى سلامى لسالم .. فقالت : ان شاء الله .. و سكتت ..


اخيرا عدت الي البيت .. طرقت الباب ..


تمنيت ان يفتح لى سالم ..


لكن فوجئت بابنى خالد الذي لم يتجاوز الرابعة من عمرة ..


حملتة بين ذراعى و هو يصرخ : بابا .. بابا ..


لا ادرى لماذا انقبض صدرى حين دخلت المنزل ..


استعذت بالله من الشيطان الرجيم ..


اقبلت الى زوجتى .. كان و جهها متغيرا .. كانها تتصنع الفرح ..


تاملتها جيدا .. بعدها سالتها : ما بك؟


قالت : لا شيء ..


فجاة تذكرت سالما .. فقلت .. اين سالم ؟


خفضت راسها . لم تجب .. سقطت دمعات حارة علي خديها …


صرخت فيها .. سالم . اين سالم ..؟


لم اسمع حينها سوي صوت ابنى خالد .. يقول بلغتة : بابا .. ثالم لاح الجنة .. عند ربنا ..


لم تتحمل زوجتى الموقف .. اجهشت بالبكاء .. كادت ان تسقط علي الارض . فخرجت من الغرفة ..


عرفت بعدين ان سالم اصابتة حمي قبل موعد مجيئى باسبوعين .


فاخذتة زوجتى الي المستشفي ..


فاشتدت علية الحمي .. و لم تفارقة .. حتي فارقت روحة جسدة ..


اذا ضاقت عليك الارض بما رحبت، و ضاقت عليك نفسك بما حملت فاهتف …… يا الله


اذا بارت الحيل، و ضاقت السبل، و انتهت الامال، و تقطعت الحبال، نادى …… يا الله

 

  • قصة أنجاب أبكت العالم


القصة التي ابكت العالم