المؤمن لا يلدغ من جحره مرتين

 






قولة : ( باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ) اللدغ بالدال المهملة و الغين المعجمة ما يصبح من ذوات السموم ، و اللذع بالذال المعجمة و العين المهملة ما يصبح من النار ، و ربما تقدم بيان هذا فكتاب الطب ، و الجحر بضم الجيم و سكون المهملة .

قولة : ( و قال معاوية لا حكيم الا بتجربة ) هكذا للاكثر بوزن عظيم ، و فرواية الاصيلى ” الا ذو تجربة ” ، و فرواية ابى ذر عن غير الكشميهنى ” لا حلم ” بكسر المهملة و سكون اللام ” الا بتجربة ” و فرواية الكشميهنى ” الا لذى تجربة ” و ذلك الاثر و صلة ابو بكر بن ابى شيبة فمصنفة عن عيسي بن يونس عن هشام بن عروة عن ابية قال : ” قال معاوية : لا حلم الا بالتجارب ” و اخرجة البخارى ف” الادب المفرد ” من طريق على بن مسهر عن هشام عن ابية قال : ” كنت جالسا عند معاوية فحدث نفسة بعدها انتبة فقال : لا حليم الا ذو تجربة . قالها ثلاثا ” و اخرج من حديث ابى سعيد مرفوعا لا حليم الا ذو عثرة ، و لا حكيم الا ذو تجربة و اخرجة احمد و صححة ابن حبان ، قال ابن الاثير : معناة : لا يحصل الحلم حتي يرتكب الامور و يعثر بها فيعتبر فيها و يستبين مواضع الخطا و يجتنبها . و قال غيرة : المعني لا يصبح حليما كاملا الا من و قع فزلة و حصل منة خطا فحينئذ يخجل ، فينبغى لمن كان ايضا ان يستر من راة علي عيب فيعفو عنة ، و ايضا من جرب الامور علم نفعها و ضررها فلا يفعل شيئا الا عن حكمة . قال الطيبى : و ممكن ان يصبح تخصيص الحليم بذى التجربة للاشارة الي ان غير الحكيم بخلافة ، و ان الحليم الذي ليس له تجربة ربما يعثر فمواضع لا ينبغى له بها الحلم بخلاف الحليم المجرب ، و بهذا تخرج مناسبة اثر معاوية لحديث الباب ، و الله – تعالي – اعلم .

قولة : ( عن ابن المسيب ) فرواية يونس عن الزهرى ” اخبرنى سعيد بن المسيب ان ابا هريرة حدثة ” اخرج البخارى ف” الادب المفرد ” و هكذا قال اصحاب الزهرى فية ، و خالفهم صالح بن ابى الاخضر و زمعة بن صالح و هما ضعيفان فقالا : ” عن الزهرى عن سالم بن عبدالله بن عمر عن ابية ” اخرجة ابن عدى من طريق المعافي بن عمران عن زمعة و ابن ابى الاخضر ، و استغربة من حديث المعافي قال : و اما زمعة فقد رواة عنة كذلك ابو نعيم . قلت : اخرجة احمد عنة ، و رواة عن زمعة كذلك ابو داود الطيالسى فمسندة و ابو احمد الزبيرى اخرجة ابن ما جة .

قولة : ( لا يلدغ ) هو بالرفع علي صيغة الخبر ، قال الخطابى : ذلك لفظة خبر و معناة امر ، اي ليكن المؤمن [ ص: 547 ] حازما حذرا لا يؤتي من ناحية الغفلة فيخدع مرة بعد اخري ، و ربما يصبح هذا فامر الدين كما يصبح فامر الدنيا و هو اولاهما بالحذر ، و ربما روى بكسر الغين فالوصل فيتحقق معني النهى عنة ، قال ابن التين : و ايضا قراناة ، قيل : معني لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ان من اذنب ذنبا فعوقب بة فالدنيا لا يعاقب بة فالاخرة . قلت : ان اراد قائل ذلك ان عموم الخبر يتناول ذلك فيمكن و الا فسبب الحديث يابي هذا ، و يؤيدة قول من قال : فية تحذير من التغفيل ، و اشارة الي استخدام الفطنة . و قال ابو عبيد : معناة و لا ينبغى للمؤمن اذا نكب من و جة ان يعود الية . قلت و ذلك هو الذي فهمة الاكثر و منهم الزهرى راوى الخبر ، فاخرج ابن حبان من طريق سعيد بن عبدالعزيز قال : ” قيل للزهرى لما قدم من عند هشام بن عبدالملك : ما ذا صنع بك ؟ قال : اوفي عنى اسلامي ، بعدها قال : يا ابن شهاب تعود تدان ؟ قلت : لا ” و ذكر الحديث . و قال ابو داود الطيالسى بعد تخريجة : لا يعاقب فالدنيا بذنب فيعاقب بة فالاخرة ، و حملة غيرة علي غير هذا . قيل : المراد بالمؤمن فهذا الحديث الكامل الذي ربما اوقفتة معرفتة علي غوامض الامور حتي صار يحذر مما سيقع . و اما المؤمن المغفل فقد يلدغ مرارا .

قولة : ( من جحر ) زاد فرواية الكشميهنى و السرخسى ( و احد ) و وقع فبعض النسخ من جحر حية و هى زيادة شاذة . قال ابن بطال : و فية ادب شريف ادب بة النبى – صلي الله علية و سلم – امتة و نبههم كيف يحذرون مما يخافون سوء عاقبتة ، و فمعناة حديث المؤمن كيس حذر اخرجة صاحب ” مسند الفردوس ” من حديث انس بسند ضعيف قال : و ذلك الكلام مما لم يسبق الية النبى – صلي الله علية و سلم – ، و اول ما قالة لابى عزة الجمحى و كان شاعرا فاسر ببدر فشكا عائلة و فقرا فمن علية النبى – صلي الله علية و سلم – و اطلقة بغير فداء ، فظفر بة باحد فقال من على و ذكر فقرة و عيالة فقال : لا تمسح عارضيك بمكة تقول سخرت بمحمد مرتين ، و امر بة فقتل . و اخرج قصتة ابن اسحاق فالمغازى بغير اسناد . و قال ابن هشام ف” تهذيب السيرة ” بلغنى عن سعيد بن المسيب ان النبى – صلي الله علية و سلم – قال حينئذ لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين و صنيع ابى عبيد فكتاب الامثال مشكل علي قول ابن بطال ان النبى – صلي الله علية و سلم – اول من قال هذا ، و لذا قال ابن التين : انه كقديم . و قال التوربشتى : ذلك الاسباب =يضعف الوجة الثاني يعنى الرواية بكسر الغين علي النهى . و اجاب الطيبى بانة يوجة بان يصبح – صلي الله علية و سلم – لما راي من نفسة الزكية الميل الي الحلم جرد منها مؤمنا حازما فنهاة عن هذا ، يعنى ليس من شيمة المؤمن الحازم الذي يغضب للة ان ينخدع من الغادر المتمرد فلا يستخدم الحلم فحقة ، بل ينتقم منة . و من ذلك قول عائشة ” ما انتقم لنفسة الا ان تنتهك حرمة الله فينتقم للة فيها ” قال فيستفاد من ذلك ان الحلم ليس محمودا مطلقا ، كما ان الجود ليس محمودا مطلقا ، و ربما قال – تعالي – فو صف الصحابة اشداء علي الكفار رحماء بينهم قال و علي الوجة الاول و هو الرواية بالرفع فيصبح اخبارا محضا لا يفهم ذلك الغرض المستفاد من هذة الرواية ، فتكون الرواية بصيغة النهى ارجح و الله اعلم . قلت : و يؤيدة حديث احترسوا من الناس بسوء الظن اخرجة الطبرانى فالاوسط من طريق انس ، و هو من رواية بقية بالعنعنة عن معاوية بن يحيي و هو ضعيف ، فلة علتان ، و صح من قول مطرف التابعى الكبير اخرجة مسدد .


المؤمن لا يلدغ من جحره مرتين