همية معرفة النفس
ان الحديث عن نفس الانسان حديث له عدة جوانب فمن جهة لابد من الحديث عن خصائص هذة النفس، و من جهة ممكن الحديث عن قواها التي اودعها الله تعالي فيها، و من جهة اخري عن سبل اصلاحها و سنتحدث عن هذة النقاط الثلاث بشيء من التفصيل اذ ان معرفة هذة النقاط الثلاث امر اساسى فعلم الاخلاق ففى الحديث الشريف عن الامام على علية السلام: “من عرف نفسة عرف ربه”1.
وفى الحديث عن الامام موسي بن جعفر الكاظم علية السلام فكلام له: “ليس بينة و بين خلقة حجاب غير خلقه، احتجب بغير حجاب محجوب، و استتر بغير ستر مستور، لا الة الا هو الكبير المتعال”2، اذ يوضح الحديث ذلك بشكل و اضح ان الحجاب الاساسى بين الانسان و الله تعالي هو نفس الانسان فما دام الانسان يري نفسة متصرفا و ينسب الي نفسة جميع امر يقوم بة و ما دامت نفس الانسان هى مدار الرحي التي يبنى عليها معتقداته
17
وتصرفاته، فان هذة النفس ستكون الحجاب الكبير الذي لا يسهل اختراقه.
ولذا كانت النفس و اصلاحها من اهم الامور فعلم الاخلاق، بل ان علم الاخلاق هو تهذيب النفس بالدرجة الاولي للوصول فيها الي الكمال المرجو لها، و لا ادل علي هذا من حديث الرسول الاكرم صلي الله علية و الة حين دخل علية رجل اسمة مجاشع، فقال: “يا رسول الله! كيف الطريق الي معرفة الحق؟ فقالا: معرفة النفس، فقال: يا رسول الله! فكيف الطريق الي موافقة الحق؟ قال صلي الله علية و اله: مخالفة النفس، فقال: يا رسول الله! فكيف الطريق الي رضا الحق؟ قالا: سخط النفس، فقال صلي الله علية و اله: يا رسول الله! فكيف الطريق الي و صل الحق؟ قال صلي الله علية و اله: هجر النفس، فقال: يا رسول الله! فكيف الطريق الي طاعة الحق؟ قال صلي الله علية و اله: عصيان النفس، فقال: يا رسول الله! فكيف الطريق الي ذكر الحق؟ قال صلي الله علية و اله: نسيان النفس، فقال: يا رسول الله! فكيف الطريق الي قرب الحق؟ قال صلي الله علية و اله: التباعد من النفس، فقال: يا رسول الله! فكيف الطريق الي انس الحق؟ قال صلي الله علية و اله: الوحشة من النفس، فقال: يا رسول الله! فكيف الطريق الي ذلك؟ قال صلي الله علية و اله: الاستعانة بالحق علي النفس”3.
ومن المناسب ان نذكر ههنا سؤالا استنكاريا سالة امير المؤمنين علية السلام فقال: “كيف يعرف غيرة من يجهل نفسه”4؟
ما هى النفس؟
تتميز النفس التي اكرم الله تعالي فيها الانسان عن غيرة من المخلوقات بانها جمعت العقل مضافا الي الغريزة و الشهوة ، خلافا للحيوانات التي و ضع الله بها الغريزة و الشهوة فقط، او الملائكة التي اكرمها الله بعقل بدون غريزة
18
وشهوة و من هنا فان الانسان لا بد و ان يستعمل العقل فتعديل المتطلبات التي تمليها الشهوة و الغريزة حتي يسلك حد الاعتدال الذي اشرنا له فيما سبق قال الله تعالى: ﴿ونفس و ما سواها فالهمها فجورها و تقواها﴾5.
وعندما نطالع الايات القرانية التي تحدثت عن النفس نراها ربما تحدثت عن ثلاثة حالات من حالات النفس كما انها و صفتها بصفات مختلفة منها:
الحذر من النفس الامارة
يقول الله تعالي فمحكم بيانة ﴿وما ابري نفسى ان النفس لامارة بالسوء الا ما رحم ربى ان ربى غفور رحيم﴾6، فالنفس الامارة بالسوء هى التي تتبع هواها بحيث لا تري امامها سوي ما تتمني الحصول علية من الشهوات بدون اي التفات للشريعة او للمفاسد الدنيوية و الاخروية ، و لذلك فان اتباع النفس الامارة بالسوء يجلب الظلم و الضلال، يقول الله تعالى: ﴿فان لم يستجيبوا لك فاعلم انما يتبعون اهواهم و من اضل ممن اتبع هواة بغير هدي من الله ان الله لا يهدى القوم الظالمين﴾7.
النفس اللوامة
يقول الله تعالي فمحكم اياته: ﴿لا اقسم بيوم القيامة و لا اقسم بالنفس اللوامة ﴾8.
والمراد بالنفس اللوامة ، نفس الانسان المؤمن التي تلومة فالدنيا علي المعصية ، و التثافل فاداء الطاعات9.
وقد يطلق علماء النفس عليها اسم الضمير الذي يؤنب الانسان علي ما فعلة من القبائح.
19
النفس المطمئنة
يقول الله تعالى: ﴿يا ايتها النفس المطمئنة ارجعى الي ربك راضية مرضية فادخلى فعبادى و ادخلى جنتي﴾10.
والنفس المطمئنة كما و صفها العلامة الطباطبائى فتفسيرة “هى التي تسكن الي ربها و ترضي بما رضى بة فتري نفسها عبدا لا يملك لنفسة شيئا من خير او و شر او نفع او ضر و يري الدنيا دار مجاز و ما يستقبلة بها من غني او فقر او اي نفع و ضر ابتلاءا و امتحانا الهيا فلا يدعوة تواتر النعم علية الي الطغيان و اكثار الفساد و العلو و الاستكبار، و لا يوقعة الفقر و الفقدان فالكفر و ترك الشكر، بل هو فمستقر من العبودية لا ينحرف عن مستقيم صراطة بافراط او تفريط…
وتوصيفها بالراضية لان اطمئنانها الي ربها يستلزم رضاها بما قدر و قضي تكوينا او حكم بة تشريعا فلا تسخطها سانحة و لا تزيغها معصية ، و اذا رضى العبد من ربة رضى الرب منه، اذ لا يسخطة تعالي الا خروج العبد من زي العبودية ، فاذا لزم طريق العبودية استوجب هذا رضا ربة و لذلك عقب قولة “راضية ” بقوله: “مرضية “11.
الحذر من النفس الامارة
بعد ان عرفنا النفس الامارة بالسوء و ميزتها لا بد من مواجهتها و عدم الركون لها، اذ ان لب علم الاخلاق قهر النفس الامارة و كبح جماحها، لانها كما تقدم لا تري الا ما تريد و تشتهي، و لو خلفت جميع شيء خرابا من خلفها،
20
فاذا كانت النفس الامارة خطيرة لهذة الدرجة فلا بد من ان نجد لها علاجا لاصلاحها و تليين طبعها الشرس فما هى الطرق الممكنة لانجاز هذة المهمة ؟
اصلاح النفس
ان المسالك و الطرق الي الله كثيرة ، بل هى بعدد انفاس الخلائق الا انها كلها تبدا من اثناء تهذيب النفس و اصلاحها.
فينبغى بالدرجة الاولي علي من يريد اصلاح نفسة ان يرغب نفسة بالاعمال الصالحة ، و يصبح هذا من اثناء التفكر فالاعمال و ما تستتبع من رضا اوسخط للمولي العزيز، و ما يترتب عليها من اثار فالاخرة ، فتطمع النفس بثواب الاخرة ، و تخاف من عقاب الاعمال القبيحة .
وبما ان كثيرا من الناس يميلون الي الربح السريع و يفضل الربح القريب و لو كان قليلا و تافها علي الربح البعيد و لو كان كبيرا و عظيما، و هذة حقيقة فالانسان ربما ذكرها الله تعالي فكتابة حيث يقول جل شانه: ﴿كلا بل تحبون العاجلة و تذرون الاخرة ﴾12، ﴿ويدع الانسان بالشر دعاءة بالخير و كان الانسان عجولا﴾13.
فبسب شقاء ذلك الانسان تراة يستعجل ما يتصورة ربحا فالدنيا و يترك فوز الاخرة ، و هنا يتضح دور العقل فالسيطرة علي الاهواء النفسية السيئة ، فلا بد من التنبية الدائم للنفس علي الدوام، لما و عد بة الله تعالي اهل طاعته، و حذر منة اهل معصيته، لان مجرد عدم الالتفات الي الجانب الاخروى من الاعمال و الاستغراق فامور الدنيا و تفاصيلها، يدخل الانسان فنفق الغفلة
21
المظلم و لا يستيقظ منة الا بعد الموت فالعديد من الاحيان و لعل ذلك هو المراد من قول الامام على امير المؤمنين: “الناس نيام فاذا ما توا انتبهوا”14.
واما طريقة التفكر فامر الدنيا و زوالها فهو كما يروي ان الامام الباقر د قال لصاحبة جابر فحديث طويل: ” … يا جابر: ان المؤمنين لم يطمئنوا الي الدنيا ببقائهم بها و لم يامنوا قدومهم الاخرة ، يا جابر الاخرة دار قرار، و الدنيا دار فناء و زوال، و لكن اهل الدنيا اهل غفلة ، و كان المؤمنين هم الفقهاء اهل فكرة و عبرة لم يصمهم عن ذكر الله ما سمعوا باذانهم، و لم يعمهم عن ذكر الله ما راوا من الزينة ، ففازوا بثواب الاخرة كما فازوا بذلك العلم. و اعلم يا جابر ان اهل التقوي ايسر اهل الدنيا مؤنة ، و اكثرهم لك معونة تذكر فيعينونك، و ان نسيت ذكروك، قوالون بامر الله، قوامون علي امر الله قطعوا محبتهم بمحبة ربهم، و وحشوا الدنيا لطاعة مليكهم، و نظروا الي الله تعالي و الي محبتة بقلوبهم، و علموا ان هذا هو المنظور الية لعظيم شانه، فانزل الدنيا كمنزل نزلتة بعدها ارتحلت عنه، او كمال و جدتة فمنامك و استيقظت، و ليس معك منة شيء”15.
اذا فاصلاح النفس يبدا من التذكر و الخروج من نوم الغفلة عن الاخرة بالدرجة الاولي و لهذا الاسلوب فاصلاح النفس ميزتين:
ا- انه يصلح ظاهر العمل و باطنة اذ ان المراد هو الله تعالى، و المحاسب و المجازى هو الله تعالي ايضا.
ب- انه جزاء دائم لان ما عند الله خير و ابقى، و القران الكريم اعتبر ذلك المسلك مسلكا جيدا و ندب الية و منة قولة تعالى: ﴿ان الله اشتري من المؤمنين
22
انفسهم و اموالهم بان لهم الجنة يقاتلون فسبيل الله فيقتلون و يقتلون و عدا علية حقا فالتوراة و الانجيل و القران و من اوفي بعهدة من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم بة و هذا هو الفوز العظيم﴾16.
وقد و رد فالحديث الشريف عن امير المؤمنين: “انة ليس لانفسكم ثمن الا الجنة فلا تبيعوها الا بها”17.
مرتبة الحب للة تعالى
ان علاج النفس تارة يصبح بايجاد المانع بها من فعل الذنوب كان يخوف الانسان نفسة بالنار و غضب الجبار، ففى هذة الحالة يصبح الدافع الي الذنب موجودا فالنفس الا انه هناك ما نع من الوقوع فية و هو ما ذكرناة من الخوف و غيرة من الموانع، و تارة يصبح علاجها بالغاء الدافع اساسا بحيث لا تطلب النفس الذنب اذ لا رغبة لها فيه، و الكيفية الاولي هى من خصائص المسالك الاخري لا مسلك الحب الالهى اما الكيفية الثانية = و هى قلع الدوافع من النفس فهى من مختصات مسلك الحب الالهى و لهذا المسلك و الطريق ركنان اساسيان:
الاول: ركن المعرفة و العلم بان يصل الانسان من اثناء علمة الي مرحلة يدرك بها معني التوحيد بكل ابعادة و من اثناء هذة المعرفة بالتوحيد لا يبقي اي مقال لهذة الرذائل، و لن يتوجة بعد هذا الي الناس، و لا يطمع بما فايديهم، لانة يعرف حق المعرفة ان الغنى منهم لا يملك و لا يعطى و لا يمنع الا باذن الله تعالي فلا يرجوة و لا القوى منهم خارج عن قوة الله فلا يخاف منه، و غيرها من المعاني.
23
ولقد كان الامام الخمينى قدس سرة من المصاديق البارزة فهذا المضمار من الايمان اذ لم يخف طواغيت العالم بل خاف ما لك الملوك و جبار الجبابرة فاخاف الله تعالي منة طواغيت الارض.
الثاني: ركن العمل اذ مجرد العلم لا يكفى فهذا المجال، فبعد ان يتعلم الانسان التوحيد يجب ان يصبح توحيدة عمليا لا نظريا فحسب، و الطريق الي التوحيد العملى حب الله تعالى، فان الانسان اذا احب شيئا اطاعة و عبده، بل ان من اثار الحب الطاعة و التسليم.
وخلاصة الامر ان علي الانسان ان يجعل قلبة متعلقا بالله تعالي و حدة قال تعالى: ﴿ما جعل الله لرجل من قلبين فجوفه﴾18 اذ لا يجتمع حب الله تعالي و حب الدنيا فقلب و احد، و اذا حصلت المحبة فقلب الانسان للة اخذ ايمانة فالاشتداد و الازدياد و انجذبت نفسة الي التفكير فناحية ربه، و استحضار اسمائة الحسنى، و صفاتة الرائعة المنزهة عن النقص و الشين و لا تزال تزيد نفسة انجذابا، و تترقي مراتبة حتي صار يعبد الله كانة يراه…
فياخذ الحب فالاشتداد لان الانسان مفطور علي حب الجميل، و ربما قال تعالى: ﴿والذين امنوا اشد حبا لله﴾19، و صار يتبع الرسول صلي الله علية و الة فجميع حركاتة و سكناتة لان حب الشيء يوجب حب اثاره، و الرسول من اثارة و اياتة كما ان العالم كذلك اثارة و اياتة تعالى، و لا يزال يشتد ذلك الحب بعدها يشتد حتي ينقطع الية من جميع شيء، و لا يحب الا ربه، و لا يخضع قلبة الا لوجهه، فان ذلك العبد لا يعثر بشيء، و لا يقف علي شيء و عندة شيء من الجمال و الحسن الا و جد ان ما عندة انموذج يحكى ما عند الله من كمال لا ينفد و جمال لا يتناهي و حسن لا يحد، فلة الحسن و الجمال و الكمال و البهاء، فيستولي سلطان الحب علي قلبه20.
24
خلاصة الدرس
هنالك ثلاث حالات للنفس و ردت فالقران الكريم و هي:
1- النفس اللوامة .
2- النفس الامارة بالسوء.
3- النفس المطمئنة .
فصلت الروايات الشريفة ما اجملة القران الكريم من احوال النفس الانسانية فتحدثت بشكل مفصل عن حالاتها.
ان المسالك و الطرق الي الله كثيرة بعدد انفاس الخلائق الا انها كلها تبدا من اثناء تهذيب النفس و اصلاحها و من هذة الطرق:
1- اصلاح النفس بالغايات الاخروية و ذلك المسلك هو مسلك اغلب الناس فبعضهم يغلب علي نفسة الخوف و كلما فكر فيما اوعد الله الظالمين و الذين ارتكبوا المعاصى و الذنوب من نوعيات العذاب الذي اعد لهم زاد فنفسة خوفا، و بعضهم يغلب علي نفسة الرجاء و كلما فكر فيما و عدة الله الذين امنوا و عملوا الصالحات من النعمة و الكرامة و حسن العاقبة زاد رجاءا و بالغ فالتقوي و التزام الاعمال الصالحات طمعا فالمغفرة و الجنة .
2- اصلاح النفس بالحب الالهى و هو مرتكز علي امرين:
ركن العلم و المعرفة ، و ركن العمل.
- الاخرة في القرانdoc