صفات الرسول محمد

صفات الرسول محمد



فهو اصدق من تكلم، كلامة حق و صدق و عدل، لم يعرف الكذب فحياتة جادا او ما زحا، بل حرم الكذب، و ذم اهلة و نهي عنه، و قال: “ان الصدق يهدى الي البر، و ان البر يهدى الي الجنة ، و لا يزال الرجل يصدق و يتحري الصدق حتي يكتب عند الله صديقا…”[1].

واخبر ان المؤمن ربما يبخل و ربما يجبن، لكنة لا يكذب ابدا، و حذر من الكذب فالمزاح لاضحاك القوم، فعاش -علية الصلاة و السلام- و الصدق حبيبة و صاحبه، و يكفية صدقا انه اخبر عن الله بعلم الغيب، و ائتمنة الله علي الرسالة ، فاداها للامة كاملة تامة ، لم ينقص حرفا و لم يزد حرفا، و بلغ الامانة عن ربة باتم البلاغ، فكل قولة و عملة و حالة مبنى علي الصدق، فهو صادق فسلمة و حربه، و رضاة و غضبه، و جدة و هزله، و بيانة و حكمه، صادق مع القريب و البعيد، و الصديق و العدو، و الرجل و المراة ، صادق فنفسة و مع الناس، فحضرة و سفره، و حلة و اقامته، و محاربتة و مصالحته، و بيعة و شرائه، و عقودة و عهودة و مواثيقه، و خطبة و رسائله، و فتاوية و قصصه، و قولة و نقله، و روايتة و درايته.

بل معصوم من ان يكذب؛ فالله ما نعة و حامية من ذلك الخلق المشين، ربما اقام لسانة و سدد لفظه، و اصلح نطقة و قوم حديثه، فهو الصادق المصدوق الذي لم يحفظ له حرف و احد غير صادق فيه، و لا كلمة و احدة خلاف الحق، و لم يخالف ظاهرة باطنه، بل حتي كان صادقا فلحظاتة و لفظاتة و اشارات عينيه، و هو الذي يقول: “ما كان لنبى ان تكون له خائنة اعين”[2].

بل هو الذي جاء بالصدق من عند ربه، فكلامة صدق و سنتة صدق، و رضاة صدق و غضبة صدق، و مدخلة صدق و مخرجة صدق، و ضحكة صدق، و بكاؤة صدق، و يقظتة صدق، و منامة صدق، {ليسال الصادقين عن صدقهم} [الاحزاب: 8]، {يا ايها الذين امنوا اتقوا الله و كونوا مع الصادقين} [التوبة : 119]، {فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم} [محمد: 21].

فهو صادق مع ربه، صادق مع نفسه، صادق مع الناس، صادق مع اهله، صادق مع اعدائه، فلو كان الصدق رجلا لكان محمدا ، و هل يتعلم الصدق الا منة بابى هو و امي؟ و هل ينقل الصدق الا عنة بنفسى هو؟ فهو الصادق الامين فالجاهلية قبل الاسلام و الرسالة ، فكيف حالة بالله بعد الوحى و الهداية و نزول جبريل علية و نبوتة و اكرام الله له بالاصطفاء و الاجتباء و الاختيار؟!

محمد r صابرا:

فلا يعلم احد مر بة من المصائب و المصاعب و المشاق و الازمات كما مر بة ، و هو صابر محتسب {واصبر و ما صبرك الا بالله} [النحل: 127]. صبر علي اليتم و الفقر و العوز و الجوع و الحاجة و التعب و الحسد و الشماتة و غلبة العدو احيانا، و صبر علي الطرد من الوطن و الاخراج من الدار و الابعاد عن الاهل، و صبر علي قتل القرابة و الفتك بالاصحاب و تشريد الاتباع و تكالب الاعداء و تحزب الخصوم و اجتماع المحاربين و صلف المغرضين و كبر الجبارين و جهل الاعراب و جفاء البادية و مكر اليهود و عتو النصاري و خبث المنافقين و ضرواة المحاربين، و صبر علي تجهم القريب و تكالب البعيد، و صولة الباطل و طغيان المكذبين.

صبر علي الدنيا بزينتها و زخرفها و ذهبها و فضتها، فلم يتعلق منها بشيء، و صبر علي اغراء الولاية و بريق المنصب و شهوة الرئاسة ، فصد عن هذا كلة طلبا لمرضاة ربه، فهو الصابر المحتسب فكل شان من شئون حياته؛ فالصبر درعة و ترسة و صاحبة و حليفه، كلما ازعجة كلام اعدائة تذكر {فاصبر علي ما يقولون} [طه: 130]. و كلما بلغ بة الحال اشدة و الامر اضيقة تذكر {فصبر جميل} [يوسف: 18]. و كلما راعة هول العدو و اقض مضجعة تخطيط الكفار، تذكر {فاصبر كما صبر اولو العزم من الرسل} [الاحقاف: 35].

وصبرة صبر الواثق بنصر الله، المطمئن الي و عد الله، الراكن الي مولاه، المحتسب الثواب من ربة جل فعلاه، و صبرة صبر من علم ان الله سوف ينصرة لا محالة ، و ان العاقبة له، و ان الله معه، و ان الله حسبة و كافيه، يصبر علي الكلمة النابية فلا تهزه، و علي اللفظة الجارحة فلا تزعجه، و علي الايذاء المتعمد فلا ينال منه.

مات عمة فصبر، و ما تت زوجتة فصبر، و قتل حمزة فصبر، و ابعد من مكة فصبر، و توفى ابنة فصبر، و رميت زوجتة الطاهرة فصبر، و كذب فصبر، قالوا له شاعر كاهن ساحر مجنون كاذب مفتر فصبر، اخرجوه، اذوه، شتموه، سبوه، حاربوه، سجنوه.. فصبر، و هل يتعلم الصبر الا منه؟ و هل يقتدي باحد فالصبر الا به؟ فهو مضرب المثل فسعة الصدر، و جليل الصبر، و عظيم التجمل، و ثبات القلب، و هو امام الصابرين و قدوة الشاكرين .محمد r جوادا:

فهو اكرم من خلق الله، و اجود البرية نفسا و يدا، فكفة غمامة بالخير، و يدة غيث الجود، بل هو اسرع بالخير من الريح المرسلة ، لا يعرف “لا” الا فالتشهد:

ما قال “لا” قط الا فتشهدة *** لولا التشهد كانت لاؤة نعم

يعطى -علية الصلاة و السلام- عطاء من لا يخشي الفقر؛ لانة بعث بمكارم الاخلاق، فهو سيد الاجواد علي الاطلاق، اعطي غنما بين جبلين، و اعطي جميع رئيس قبيلة من العرب ما ئة ناقة ، و سالة سائل ثوبة الذي يلبسة فخلعة و اعطاه، و كان لا يرد طالب حاجة ، ربما و سع الناس بره، طعامة مبذول و كفة مدرار، و صدرة و اسع، و خلقة سهل، و وجة بسام:

تراة اذا ما جئتة متهللا *** كانك تعطية الذي انت سائله

ينفق مع العدم و يعطى مع الفقر، يجمع الغنائم ثو يوزعها فساعة ، و لا ياخذ منها شيئا، ما ئدتة معروضة لكل قادم، و بيتة قبلة لكل و افد، يضيف و ينفق و يعطى الجائع باكله، و يؤثر المحتاج بذات يده، و يصل القريب بما يملك، و يواسى المحتاج بما عنده، و يقدم الغريب علي نفسه، فكان اية فالجود و الكرم، حتي لا يقارن بة اجواد العرب كحاتم و هرم ابن جدعان؛ لانة يعطى عطاء من لا يطلب الخلف الا من الله، و يجود جود من هانت علية نفسة و ما له و جميع ما يملك فسبيل ربة و مولاه، فهو اندي العالمين كفا، و اسخاهم يدا، و اكرمهم محتدا.

قد غمر اصحابة و احبابة و اتباعه، بل حتي اعداءة ببرة و احسانة و جودة و كرمة و تفضله، طعام اليهود علي ما ئدته، و جلس الاعراب علي طعامه، و حف المنافقون بسفرته. و لم يحفظ عنة انه تبرم بضيف او تضجر من سائل او تضايق من طالب، بل جر اعرابى بردة حتي اثر فعنقة و قال له: اعطنى من ما ل الله الذي عندك، لا من ما ل ابيك و امك! فالتفت الية و ضحك و اعطاه. و جاءتة الكنوز من الذهب و الفضة و انفقها فمجلس و احد، و لم يدخر منها درهما و لا دينارا و لا قطعة ، فكان اسعد بالعطية يعطيها من السائل.

وكان يامر بالانفاق و الكرم و البذل، و يدعو للجود و السخاء، و يذم البخل و الامساك، فيقول: “من كان يؤمن بالله و اليوم الاخر فليكرم ضيفه”[3]، و قال: “كل امرئ فظل صدقتة حتي يفصل بين الناس”[4]، و قال: “ما نقصت صدقة من ما ل”[5].

محمد r شجاعا:

هذا مما تناقلتة الاخبار و سار مسير الشمس فرابعة النهار، فكان اثبت الناس قلبا، و كان كالطود لا يتزعزع و لا يتزلزل، و لا يخاف التهديد و الوعيد، و لا ترهبة المواقف و الازمات، و لا تهزة الحوادث و الملمات، فوض امرة لربة و توكل علية و اناب اليه، و رضى بحكمة و اكتفي بنصرة و وثق بوعده، فكان -علية الصلاة و السلام- يخوض المعارك بنفسة و يباشر القتال بشخصة الكريم، يعرض روحة للمنايا و يقدم نفسة للموت، غير هائب و لا خائف، و لم يفر من معركة قط، و ما تراجع خطوة و احدة ساعة يحمى الوطيس و تقوم الحرب علي ساق، و تشرع السيوف و تمتشق الرماح و تهوى الرءوس و يدور كوب المنايا علي النفوس، فهو فتلك اللحظة اقرب اصحابة من الخطر، يحتمون احيانا و هو صامد مجاهد، لا يكترث بالعدو و لو كثر عدده، و لا يابة بالخصم و لو قوى باسه، بل كان يعدل الصفوف، و يشجع المقاتلين، و يتقدم الكتائب.

وقد فر الناس يوم حنين و ما ثبت الا هو و ستة من اصحابه، و نزل علية {فقاتل فسبيل الله لا تكلف الا نفسك و حرض المؤمنين} [النساء: 84]. و كان صدرة بارزا للسيوف و الرماح، يصرع الابطال بين يديه، و يذبح الكماة امام ناظرية و هو باسم المحيا، طلق الوجه، ساكن النفس.

وقفت و ما فالموت شك لواقف *** كانك فجفن الردي و هو نائم

تمر بك الابطال كلمي هزيمة *** و وجهك و ضاح و ثغرك باسم

وقد شج -علية الصلاة و السلام- فو جهة و كسرت رباعيته، و قتل سبعون من اصحابه، فما و هن و لا ضعف و لا خار، بل كان امضي من السيف. و برز يوم بدر و قاد المعركة بنفسه، و خاض غمار الموت بروحة الشريفة . و كان اول من يهب عند سماع المنادي، بل هو الذي سن الجهاد، و حث و امر به.

وتكالبت علية الاحزاب يوم الخندق من جميع مكان، و ضاق الامر و حل الكرب، و بلغت القلوب الحناجر، و ظن بالله الظنون، و زلزل المؤمنون زلزالا شديدا، فقام يصلى و يدعو و يستغيث مولاة حتي نصرة ربه، و رد كيد عدوة و اخزي خصومه، و ارسل عليهم ريحا و جنودا، و باءوا بالخسران و الهوان.

ونام الناس ليلة بدر و ما نام هو ، بل قام يدعو و يتضرع و يتوسل الي ربة و يسالة نصرة و تاييده، فيا له من امام و ما اشجعه! لا يقوم لغضبة احد، و لا يبلغ مبلغة فثبات الجاش و قوة القلب مخلوق، فهو الشجاع الفريد، و الصنديد الوحيد الذي كملت فية صفات الشجاعة ، و تمت فية سجايا الاقدام و قوة الباس، و هو القائل: “والذى نفسى بيده، لوددت انى اقتل فسبيل الله بعدها احيا بعدها اقتل”[6].

محمد r زاهدا:

كان زهدة زهد من علم فناء الدنيا و سرعة زوالها و قلة زادها و قصر عمرها، و بقاء الاخرة و ما اعدة الله لاوليائة بها من نعيم مقيم و اجر عظيم و خلود دائم، فرفض الاخذ من الدنيا الا بقدر ما يسد الرمق و يقيم الاود، مع العلم ان الدنيا عرضت علية و تزينت له و اقبلت اليه، و لو اراد جبال الدنيا ان تكون ذهبا و فضة لكانت، بل اثر الزهد و الكفاف، فربما بات جائعا، و يمر الشهر لا توقد فبيتة نار، و يستمر الايام طاويا لا يجد رديء التمر يسد بة جوعه، و ما شبع من خبز الشعير ثلاث ليال متواليات، و كان ينام علي الحصير حتي اثر فجنبه، و ربط الحجر علي بطنة من الجوع، و كان قد عرف اصحابة اثر الجوع فو جهة علية الصلاة و السلام.

وكان بيتة من طين، متقارب الاطراف، دانى السقف، و ربما رهن درعة فثلاثين صاعا من شعير عند يهودي، و قد لبس ازارا و رداء فحسب، و ما طعام علي خوان قط، و كان اصحابة قد ارسلوا له الاكل لما يعلمون من حاجتة اليه، جميع هذا اكراما لنفسة عن ادران الدنيا، و تهذيبا لروحة و حفظا لدينه؛ ليبقي اجرة كاملا عند ربه، و ليتحقق له و عد مولاة {ولسوف يعطيك ربك فترضى} [الضحى: 5].

فكان يقسم الاموال علي الناس بعدها لا يحوز منها درهما و احدا، و يوزع الابل و البقر و الغنم علي الاصحاب و الاتباع و المؤلفة قلوبهم بعدها لا يهب بناقة و لا بقرة و لا شاة ، بل يقول علية الصلاة و السلام: “لو كان لى كعضاة -اي: شجر- تهامة ما لا لقسمته، بعدها لا تجدونى بخيلا و لا كذابا و لا جبانا”[7].

وراودتة الجبال الشم من ذهب *** عن نفسة فاراها ايما شمم

بل و كان -علية الصلاة و السلام- الاسوة العظمي فالاقبال علي الاخرة و ترك الدنيا، و عدم الالتفات اليها او الفرح فيها او جمعها او التلذذ بطيباتها او التنعم بخيراتها، فلم يبن قصرا، و لم يدخر ما لا، و لم يكن له كنز و لا جنة ياكل منها، و لم يخلف بستانا و لا مزحلوة ، و هو القائل: “لا نورث، ما تركناة صدقة “[8]. و كان يدعو بقولة و فعلة و حالة الي الزهد فالدنيا، و الاستعداد للاخرة و العمل.

ما نظر الية -وهو امام المسلمين و قائد المؤمنين و اروع الناس اجمعين- يسكن فبيت طين، و ينام علي حصير بال، و يبحث عن تمرات تقيم صلبه، و قد اكتفي باللبن.

بل خير بين ان يصبح ملكا رسولا او عبدا رسولا، فاختار ان يصبح عبدا رسولا، يشبع يوما و يجوع يوما، حتي لقى الله .

ومن زهدة فالدنيا سخاؤة و جودة كما تقدم، فكان لا يرد سائلا، و لا يحجب طالبا، و لا يخيب قاصدا، و اخبر ان الدنيا لا تساوى عند الله جناح بعوضة ، و قال: “كن فالدنيا كانك غريب او عابر سبيل”[9].

ويروي عنة انه قال: “ازهد فالدنيا يحبك الله، و ازهد فيما عند الناس يحبك الناس”[10]. و قال: “ما لى و للدنيا، انما مثلى و كالدنيا كمثل رجل قال فظل شجرة بعدها قام و تركه”[11].

وقال: “الدنيا ملعونة ، ملعون ما بها الا ذكر الله و ما و الاه، و عالما او متعلما”[12]. و قال: “ليس لك من ما لك الا ما اكلت فافنيت، او لبست فابليت، او تصدقت فامضيت”[13].


صفات الرسول محمد