تعتبر سوق الاوراق الماليه قناه مهمه لتمويل الاستثمار لكونها تمثل سوقا لتراكم راس المال وذلك لقدرتها على توظيف رؤوس الاموال, كما هو عليه الحال في المجالات الاستثماريه الاخرى, من جهه ولارتباطها الوثيق والمهم باقتصاديات السوق من جهه اخرى, الى جانب بروز ظاهره تقويم اسعار صرف العملات واسعار الفائده على الصعيد الدولي, والذي ادى في الكثير من الاحيان الى عدم وجود ايه عوائق امام تدفقات رؤوس الاموال بهيئه ادوات ائتمانيه وادخاريه متنوعه وعملات اجنبيه , سيما وان تطور الاسواق الماليه هذه جاء في اعقاب التطورات الاقتصاديه واتساع حالات الانفاق الاستهلاكي والاستثماري, حيث ظهرت مؤسسات لتوظيف المدخرات في المجالات الاقتصاديه الانتاجيه المختلفه , باعتبارها حلقه وصل بين الافراد والمؤسسات المختلفه التي تقوم بالادخار وبين المشروعات المنتجه في الاقتصاد.
هيكل التعامل في اسواق الاوراق الماليه الدوليه .
يعتبر الاستثمار في سوق الاوراق الماليه من بين المجالات الاستثماريه المهمه التي تستلزم وضع الاسس الكفيله بانجاح العمليات الاستثماريه في هذا المجال, وذلك لتحقيق الاختيار الناجح لتشكيله الاوراق الماليه في السوق دون التضحيه بالعائد المتوقع من وراء تلك الاستثمارات. وبذلك فان القرار الاستثماري في هذه السوق مرهون بجمله من المعطيات منها:
1. مقدار العائد: وهو ما يعكس حجم الارباح او الخسائر التي يحصل عليها المستثمر والتي غالبا ما يعبر عنها كنسبه مئويه من رؤوس الاموال المستثمره .
2. درجه المخاطر: وتمثل احتمالات المخاطر المتوقعه او ما يسمى بعنصر عدم التاكد (Uncertainty) في مجال تقييم المشروعات, اذ ان الاسهم التي تحمل عوائد او مردودات مماثله ليست بالضروره تحمل نفس معدلات الخطوره , مما يدفع المستثمر الى وضع تقييم للوصول الى حالات من الموازنه بين معدلات الارباح وما ينشا عنها من مخاطر وبالشكل الذي يجعل قراره اقرب الى الصواب.
3. الوقت: ان شراء الاوراق الماليه محدوده بفتره زمنيه حيث يتحدد بموجبها الوقت الذي يحتفظ فيه المستثمر بالاسهم والسندات, اذ ان عامل الزمن يرتبط بنوع الشركه , ونظره المستثمر وتوقعاته لنموها وتطورها, وهكذا يمكن تحديد المتحكمات الاساسيه في سوق الاوراق الماليه بما ياتي:
ا. سعر الفائده : يؤثر اختلاف سعر الفائده بشكل معاكس على اسعار الاوراق الماليه ، اذ ان ارتفاع اسعار الفائده يؤدي الى انخفاض عمليات التعامل في الاسواق الماليه , وبالعكس فان انخفاض اسعار الفائده يعمل على ترويج التعامل في الاسواق الماليه , اما قياس درجه تلك المؤثرات فيتم باستخدام نسب التغير في الاصول والخصوم التي تتاثر بتلك التغيرات او التذبذبات.
ب. السيوله : وهي الموجود النقدي المتوفر لدى المستثمر او المصرف او المؤسسه الماليه وبالشكل الذي يضمن سد الاحتياجات بحيث لا يضطر لبيع الاوراق الماليه التي بحوزته والتي قد تسبب الخساره احيانا ويتم قياس السيوله بالتعرف على نسبه الاستثمارات الماليه الى مجموع الودائع او الموجودات.
ج. الائتمان: يبرز دور هذا المتحكم في المصارف والمؤسسات الماليه في حالات عدم قدره الجهه المصدره للاوراق الماليه على السداد في الاوقات المقرره وخاصه عند اختلاف التوازن ما بين القروض والائتمان ونسبه الخسائر في القروض.
د. راس المال: ويمثل حاله القدره او عدم القدره على تغطيه اقيام الاوراق الماليه المصدره ولا سيما عندما تكون هناك خسائر؛ الامر الذي يتطلب الاهتمام بهذا العنصر ومراقبه حقوق الملكيه التي يتمتع بها البنك او المؤسسه الماليه او الفرد المستثمر.
هذا ويحتاج المستثمر الذي يريد خوض التعامل في الاسواق الماليه الدوليه الى مجموعه من المعلومات تتيح له فرصه اتخاذ القرار بمعرفه كامله بالملابسات الناتجه عما يتخذه من قرارات. تلك المعلومات التي يمكن تقسيمها الى ما هو سابق لاتخاذ قرار الاستثمار, وما هو لاحق له, ولا سيما تلك التي تتيح للمستثمر تقدير ما يختاره وما لا يختاره من اوراق ماليه او سندات بما في ذلك المعلومات التي تهيئ له متابعه عناصر محفظته, وما يصدر من نشرات تلخيص لخصائص اسهم الشركات والسندات المطروحه , واوضاع الهيئات المصدره وكذلك اوضاع الاكتتاب نفسه, الا انه غالبا ما تتسم هذه السوق (السوق الدوليه للاوراق الماليه ) بعدم وضوح ماهيه المستثمرين ومعرفه ما يتخذونه من مواقف وما يتبعون من سلوك حتى من خلال مصادر الاعلام المتوفره , وخاصه بالنسبه الى المؤسسات الماليه المشتركه فالبنوك الكبرى وصناديق الاستثمار التي بدات تلعب دورا في سوق الاسهم والسندات الدوليه لا تفصح الا نادرا وبصوره مبهمه عن السياسه التي تنتهجها بشان الاستثمار والتي كثيرا ما تعتمد على عنصر الحدس وتاثير العوامل النفسيه , هذا الى جانب التعامل السطحي بالمعلومات المتوفره , وبناء عليه فان مساله التعامل في هذه الاسواق يعتمد على امرين هما:
الاول: اهميه الدور الذي يلعبه تجار الاوراق الماليه وبيوت السمسره بشان توجيه المستثمرين وتقديم النصح اليهم ومساعدتهم في كيفيه ترشيد واتخاذ قراراتهم.
والثاني: اهميه العمل على زياده وعي المستثمرين بما هم يقومون به او يقدمون عليه وضروره العمل على زياده المامهم بمختلف جوانب السوق التي يريدون الاشتراك او التعامل فيها.
حيث ان سوق الاوراق الماليه الدوليه تعتبر مؤسسه مستقله تحكمها ظروف فنيه مختلفه اذ ان الوضع الاقتصادي للشركه او حتى الوضع الاقتصادي ككل لا يعكس بالضروره اتجاهات الاسعار- كما هو شان السوق السلعيه – فقد يكون وضع الشركه جيدا وكذلك الوضع الاقتصادي متينا الا ان الاسعار قد تتجه نحو الهبوط, والعكس صحيح, فالتحركات الدوريه في الاسعار قد تتاثر باحداث فنيه او سيكولوجيه او عاطفيه غير منظوره . ومن هنا برز قسمان من الاسهم والسندات في السوق الماليه , فئه منها تتجاوب مع حركه السوق وببطء، وفئه اخرى تتحرك بصوره اكثر فاعليه في مثل تلك الظروف؛ فالتحليل الفني للسوق يتطلب تحديد افضل الاوقات للدخول في السوق, وهي التي تبين الفرق ما بين المستثمر الناجح والمستثمر غير الناجح.
اليه التعامل في اسواق الاوراق الماليه الدوليه .
تصدر الاوراق الماليه اما مقومه بعملات حقيقيه متداوله في دوله من الدول وهذا هو الغالب اما بوحدات نقديه “حسابيه ” او “مركبه ” لا تتداول بالفعل وانما تستخدم فقط كوحدات للقياس، وذلك لما لها من مزايا العملات الحقيقيه لتجنب ما قد يطرا على العمله من تقلبات قد تضر بمصلحه المتعاملين في السوق الماليه ويتم التعامل بها في هذه الاسواق على وفق مؤشرات يتم على ضوئها تحديد التوجهات التي يمارسها المستثمرون والمضاربون والمحللون الماليون في الاسواق الماليه … وهي:
* المؤشرات الاقتصاديه : تتاثر حركه اسعار الاسهم والسندات في السوق الماليه بالمؤشرات الاقتصاديه التي تعكس بدورها مدى صحه التكهنات والتوقعات في السوق, مثل حاله الاعلان عن ميزانيه ماليه ضخمه او نهج استثماري طموح, والذي يعني توقع ارتفاع الاسعار بشكل عام, كما ان القيام بضخ اموال اضافيه للسوق من شانه ان ينعكس على حاله واوضاع الاوراق الماليه في البورصه في البلدان السائره في طريق النمو وهكذا في اعتماد احصاءات الانتاج الصناعي او الناتج القومي او الدخل القابل للتصرف كمؤشرات في اسواق البورصه في الدول المتقدمه .
* المؤشرات النقديه والماليه : وهي من اهم المؤشرات لمعرفه اتجاهات الاسعار في السوق الماليه اذ ان ارتفاع اسعار الفائده يؤدي الى توجه المستثمرين نحو الايداع في المصارف, والقيام ببيع اسهمهم في السوق فيزداد المعروض منها وتنخفض اسعارها في حين تتجه الاموال نحو السوق الماليه في حاله هبوط اسعار الفائده في المصارف او تحويلها الى سوق السندات. كما ان زياده عرض النقد سواء اكان في اقتصاديات الدول السائره في طريق النمو او المتطوره تؤدي الى ارتفاع اسعار الاسهم وبعكسه فان انخفاض معدلات نمو عرض النقد سوف يعمل على انخفاض اسعار الاسهم, وعليه فان تدخل البنوك المركزيه في توسيع عرض النقد او تقليصه ينعكس على تحول اسعار الفائده نحو الارتفاع او الانخفاض ومن ثم التاثير على اتجاهات الاسعار في السوق الماليه تبعا لذلك.
* حجم التداول في البورصه : ان عدد الاسهم والسندات المتداوله في السوق الماليه يحدد قوه السوق وتوقعات صعوده او هبوطه بالمستقبل اذ ان كثافه حجم التداول تعني تفاؤل المستثمرين واقبالهم على الاستثمار في السوق وما يتبعه من ارتفاع في الاسعار نتيجه لذلك. اما اذا حققت السوق تقدما او عرضا ولم يرافقه تداول كثيف, فعندها تبقى الاسعار على حالها او تتجه نحو الانخفاض بسبب الجمود النسبي للمشاركه , وبالتالي توجه المستثمرين نحو تصفيه استثماراتهم حيث تستمر الاسعار باتجاهات النزول. ومن هنا يتبين لنا بان كثافه التداول وزياده الاسعار هي التي تولد الطلب والتي يعقبها حصول الزيادات المتتاليه بعد ذلك… فالطلب اذا ليس وحده الذي يؤدي الى زياده الاسعار في الاسواق الماليه … وهكذا فان لهذه السوق خصائص تختلف عما هي عليه في الاسواق الاستثماريه واسواق السلع الاستهلاكيه وهي التي تعكس فاعليه اليه العمليه الاستثماريه في تلك الاسواق, والمتمثله بما ياتي:
* الطابع الفردي لهذه الاسواق مما يجعل المستثمر يواجه اطرافا قويه في جانب الاصدار والتسويق ممثله بالهيئات العامه والشركات الكبرى وهي التي لها القدره على الخوض في السوق الدوليه .
* انه من الصعب على المستثمر ان يلم الماما كافيا بالاوضاع السائده في الاسواق بصفه عامه وكذلك باوضاع الهيئات التي يستثمر اوراقها وكثيرا ما يعتمد المستثمر في هذا الشان اما على بضعه معلومات عامه واما على نصائح وارشادات المتاجرين بالاوراق الماليه . هذا اذا ما علمنا بان غالبيه المستثمرين يلتجئون الى خدمات المتخصصين نظرا لما يفرضه هؤلاء من شروط ومن رسوم قلما ترتبط بنوعيه الاداء وفعاليته.
* يحتاج حمله الاوراق الماليه وخاصه حمله السندات الى تشديد حمايتهم ليس من المخاطر في السوق العاديه والناجمه عن تغير سعر الفائده او اسعار الصرف او ائتمان الاوراق الماليه , وانما المخاطر الناجمه عن تخلف المدينين (وخاصه في سوق السندات) عن اداء التزاماتهم, والمتمثله في صعوبه الحصول على العملات الاجنبيه عند التسديد او التاخر عن دفع الفوائد والاقساط, او فرض الرقابه على الصرف او فرض الضرائب, كالضرائب على التحويلات وغير ذلك.
تحليل واقع الاستثمار في الاسواق الماليه الدوليه .
لقد اصبح الاقتصاد العالمي, ازاء الاهميه المتزايده لراس المال في صناعه الخدمات الماليه بمكوناتها المصرفيه وغير المصرفيه , اداه تحركها مؤشرات ورموز البورصات العالميه (داوجونز، ناسدك، نيكاي، داكس، كيك…) والتي تؤدي الى نقل الثروه العينيه من يد مستثمر الى اخر دون عوائق او حتى عبر الحدود الجغرافيه حيث الحركه المستمره لرؤوس الاموال الباحثه عن الربح امام فوائضها المتراكمه وتوفير ضمانات لاصحاب هذه الاموال وتنويعها من خلال الاليات التي توفرها الادوات الماليه والتحكم في الاسواق المختلفه . فعلى سبيل المثال لا الحصر اشارت تقارير البنك الدولي الى ان حجم التعامل(1) على الصعيد العالمي بلغ لسوق (اليورو- الدولار) حوالي (300) مليار دولار في يوم العمل الواحد، اي ما يقارب (75) تريلون دولار في السنه في حين لم يتجاوز حجم التجاره في قطاع السلع والخدمات (3) تريلون دولار حتى اضحت خطرا يهدد اقتصاديات العالم؛ فقد اثبتت تجارب عقد التسعينات من القرن الماضي ان هذه الحركه للكميات الهائله من رؤوس الاموال كثيرا ما ادت الى حدوث ازمات وصدمات ماليه مكلفه (في المكسيك، النمور الاسيويه ، البرازيل، روسيا…) والمتمثله في:
– المخاطر الناجمه عن التقلبات الفجائيه للاستثمارات في الاسواق الماليه الدوليه وخاصه قصيره الاجل منها.
– مخاطر التعرض للمضاربات في السوق.
– مخاطر هروب الاموال الوطنيه .
– مخاطر دخول الاموال القذره (غسيل الاموال).
– اضعاف السيطره على السياسات الوطنيه في مجالات السياسه النقديه والماليه .
وهكذا استاثرت القوى العظمى للاستثمار بثروات العالم واسواقه ساعدها في ذلك ازدهار شبكات الاتصال ونقل المعلومات التي يوفرها التقدم التقني الهائل في ربط الاسواق الماليه العالميه مما يسمح للمستثمرين الاستجابه للتطورات التي تحدث في الاسواق بصفه انيه وفوريه . وبسبب ظاهره التضخم النقدي الذي يعتبر من الخصائص الهيكليه للحياه الاقتصاديه الحديثه في شتى دول العالم والذي ادى بدوره الى ارتفاع التكاليف اللازمه للاستثمار الى جانب حاجه رؤوس الاموال الى توسيع نشاطاتها وعدم قدره الادخارات من الجانب الاخر لتلبيه حجم الاستثمارات المطلوبه , فليس هناك من سبيل سوى الاسواق الماليه للحصول على الاموال اللازمه لمواجهه ذلك الطلب لتنفيذ الاستثمارات, يتم بواسطتها اجراء الصفقات من خلال قيام المستثمرين ببيع حصصهم او زيادتها بالشراء… وهكذا نشطت السوق الماليه كاداه ماليه جديده , وما رافق ذلك من دعوات لالغاء التنظيمات القانونيه والتشريعيه التي تقف في سبيل ترويج اقتصاديات السوق, وممارسه العمليات المصرفيه والماليه على نطاق واسع ومن ثم التسريع في حركه تدفق رؤوس الاموال عبر الحدود, مما خلق اتساعا في نطاق التعامل بالاوراق الماليه بانواعها المختلفه ، لتتحول اجزاء من حجم رؤوس الاموال المتداوله الى المضاربه عالميا في اسواق العملات والبورصات والاوراق الماليه والاسهم والسندات والبيوع المكشوفه ؛ الامر الذي جعل التعامل في الاسواق الماليه الدوليه يتطلب المراجعه المستمره للمفاهيم والاثار لا بل والستراتيجيات المتبعه فغالبا ما يتم التعامل في هذه الاسواق ضمن عمليه مقصوده تحركها القوى الراسماليه لتحقيق مصالحها بما في ذلك تحرير التجاره وفتح الاسواق الدوليه امام الانتقال الحر للسلع والخدمات وذلك عن طريق اللاعبين الاساسيين في هذه الاسواق الدوليه التي تقود عمليات الاستثمار واجراءات البيوع والسمسره والمضاربات الماليه المتمثله في:
اولا. * الشركات الكبرى عبر الوطنيه .
ثانيا. * عمليات غسيل العمله (غسيل الاموال).
اولا: دور الشركات الكبرى عبر الوطنيه . على اثر الازدهار الاقتصادي في اعقاب انتهاء الحرب العالميه الثانيه برزت ظاهره انتشار ما يسمى بالشركات متعدده الجنسيه او الشركات عبر الوطنيه (اغلب هذه الشركات امريكي، او اوربي، ياباني) امتدت نشاطاتها الى انحاء مختلفه من العالم واقامت لها فروع وشركات تابعه في الدول المضيفه بحثا عن فرص اوسع للعمل حتى اضحت تمثل في الوقت الحاضر اهم عوامل تطور النظام الاقتصادي الدولي؛ نظرا لما تتميز به من قدرات واسعه تدفعها للكشف عن فرص الاستثمار واستغلالها وتوسيع نشاطاتها, حتى تجاوز حجم المبيعات السنويه لبعض هذه الشركات مثل شركه (2) جنرال موتورز مثلا حجم الناتج القومي الاجمالي لكل من سويسرا + الباكستان + جنوب افريقيا… ومبيعات شركه شل تجاوزت حجم الناتج القومي الاجمالي لكل من ايران + فنزويلا + تركيا… علما بان هذه الارقام تعود الى ما يزيد على عشر سنوات مضت. اي ان ايه مقارنه مشابهه تجريها بارقام اليوم سوف تعطينا تقديرات اضخم بكثير مما اشرنا اليه, سيما وان هذه الشركات تمارس عملها حره وليس هناك من حدود لسيادتها الانتاجيه والتوزيعيه والتبادليه والتسويقيه تساعدها في ذلك شبكه الاتصالات والمعلومات المتطوره والتي اعطتها قوه تكنولوجيه وقدره اقتصاديه هائله ؛ الامر الذي ينطوي على المزيد من هيمنه راس المال وما يتبعها من سيطره وقدره على التلاعب واعلاء الربح كحافز اساسي من خلال سعيها الى:
– العمل على خلق بيئه نقديه وماليه تتفق مع الاقتصاد الراسمالي العالمي ومنع ايه قيود مؤسسيه او قانونيه او اجرائيه مفروضه على الاسعار المحليه والعالميه تحرف اليه السوق عن اداء دورها في مجالات التمويل والانتاج والتجاره والاستهلاك.
– تشجيع الاندماج في الاقتصاد الراسمالي العالمي من خلال حريه انتقال رؤوس الاموال والتجاره الدوليه .
– دعم السوق العالميه الحره والترويج لها حيث يكون الفاعل الاكبر وباقوى صوره الشركات متعدده الجنسيه العملاقه واللاعبون الكبار في اسواق المال الدوليه . من هنا يتضح فن اللعبه في الاسواق الماليه الدوليه من خلال هذه الشركات وعلى الشكل الاتي:
1. تصاعد اتجاهات وحركات رؤوس الاموال الغربيه والشركات من هذا النوع بمساعده شبكه الاتصالات والمعلومات, يوضح مصادر القوه الهائله التي تتيح للاحتكارات العملاقه اختراق الاسواق العالميه بما فيها اسواق الاوراق الماليه عن طريق تحركات وانشطه وتفاعلات لزياده قدرتها على المناوره في التعامل بهذه الاسواق باتباع اسلوب تشجيع المضاربه في البورصات على الاسهم والسندات من اجل تشغيل الكتل الماليه الهائله المتحركه من الاموال ذات الاصول المصرفيه والتي تفوق في قيمتها مجموع قيمه التجاره العالميه بما لا يقل عن ثلاثين مره (من السلع والخدمات المنظوره وغير المنظوره ) وهذا يعني انه اذا كان مجموع قيمه التجاره السلعيه على مستوى العالم هو ثلاثه تريليون دولار (كما بينا) فان حجم الاستثمارات المطروحه في مجال البورصات والاسهم والسندات، وفي النقود الالكترونيه او بطاقات الائتمان التي يتعاملون بها في تلك الاسواق لا يقل عن (100) تريليون دولار والتي تكون بدورها بعيده عن سيطره اغنى البنوك المركزيه في العالم… (3).
2- ان تحركات وانشطه الاحتكارات التجاريه والصناعيه والمعلوماتيه والاعلاميه الغربيه ذات القدرات المفزعه كانت تتم في اتجاه محاوله تجاوز او عبور الحدود وتطال السياده الوطنيه (4) للدول والمجتمعات وفيما يعرف ب(Transborder trends) وقد كان مجال تلك الانشطه والتحركات ينطلق من اقامه فروع للشركات العملاقه المتعدده الجنسيات لممارسه مثل تلك الاعمال وبالطريقه التي تمليها هذه الشركات, لتسهيل مهمات تحركات القوى الاعظم للهيمنه على اقتصاديات العالم عن طريق الشركات الكبرى كاحد الاساليب المهمه للسيطره على تدفقات رؤوس الاموال والاستثمارات, والتحكم في مسارات اسواق البورصه في العالم بما فيها اسواق الاسهم والسندات؛ اذ انها والحاله هذه تعتبر المستفيد من هذه الاسواق وخاصه ما يتعلق منها برؤوس الاموال المستثمره بالعمليات الماليه التي تعكسها اليه العمل في اسواق المال الدوليه والتي تتجلى باقوى صوره في الشركات عابره الجنسيات العملاقه واللاعبين في الاسواق الماليه الدوليه .
ثانيا: دور عمليات غسل العمله (غسل الاموال).
غسيل الاموال يعني القيام بعمليه استثمار عمله محصله بشكل غير قانوني من قبل طرف ثالث لطمس هويه مصدرها, علما بان مصدر هذه الاموال هو فعل اجرامي… ويتم استغلال هذه الاموال في مجالات قبول الودائع، والحوالات المصرفيه ، اصدار وسائل الدفع المصرفيه ، الضمانات والالتزامات الماليه ، الاتجار لحساب الغير او للحساب الخاص، التحويل الخارجي، السمسره النقديه ، اداره المحفظه النقديه ، امتلاك واداره السندات الماليه وغيرها من الانشطه المصرفيه . وتشير البيانات الاوليه الى ان هناك (-,9) تريليون دولار امريكي من انتاج العالم ينفق في ما يعرف ب”اقتصاد الظل” او الصفقات التي لا تخضع للضرائب ولا تسجل في الدفاتر الرسميه والتي تضم الدخل القانوني غير المسجل للصفقات المدفوعه نقدا من جهه الدخل غير القانوني لنشاطات التهريب والمخدرات وغيرها. ويتم غسيل الاموال على ثلاث مراحل:
المرحله الاولى: توظيف الاموال غير المشروعه على شكل ايداعات بالبنوك والمؤسسات الماليه او شراء الاسهم والسندات.
المرحله الثانيه : اخفاء المصدر الحقيقي للاموال عن طريق اجراء سلسله من المعاملات الماليه .
المرحله الثالثه : اعاده وضع الاموال غير المشروعه بعد غسلها.
هذا وتعتبر اسواق المال الدوليه من اهم المجالات التي تمكن لهذا النوع من الاموال ممارسه نشاطها حيث تصعب متابعتها ومراقبتها او حتى محاصرتها في هذه السوق نظرا لاندماجها في شبكه الانشطه الماليه والمصرفيه التقليديه ويزداد الامر صعوبه بالنسبه للمدفوعات الالكترونيه المجفره (بطاقات الائتمان الذكيه ) وكذلك ما يتعلق بانظمه الدفع عبر الانترنيت, كما ان غاسلي الاموال لا يهتمون بالجدوى الاقتصاديه للاستثمار بقدر اهتمامهم بالتوظيف الذي يسمح باعاده او استمراريه تدوير الاموال, وهو ما يشكل خطرا على مناخ الاستثمار وخاصه في الاسواق الماليه المتمثله في اسواق الاوراق الماليه من الاسهم والسندات اذ ان حركه الاموال المطلوب غسلها دون مراعاه الربحيه ضمن حيز هذه الاسواق سوف يؤدي الى ارباك السوق وترويج عمليه المضاربات ما بين المتعاملين في السوق وخلق حاله من المنافسه غير المتكافئه مع المستثمرين حيث ان عمليه غسل الاموال لضخامه مبالغها تؤثر على اسعار الفائده واسعار الصرف وما يعكسه ذلك من تباين سريع في اسعار الاسهم والسندات وتبدلاتها وبالتالي الوقوع في مطب الخسارات او الانسحاب من السوق او افلاس بعض المستثمرين؛ نظرا للحجم الكبير الذي تحتله الاموال المغسوله في الاسواق الماليه الدوليه , سيما وان هناك عصابات وشبكات ومنظمات دوليه ذات امكانيات هائله متخصصه في عمليات خلق الاموال القذره , وتبييضها- غسلها- بفضل العولمه الماليه عن طريق انتقال الاشخاص والتحويلات المصرفيه وانتقال رؤوس الاموال… وتقدر منظمه الامم المتحده الارباح المتولده عن الجريمه المنظمه بحدود تريليون دولار امريكي سنويا, ويعاد غسل خمس هذا المبلغ الضخم في الاقتصاد العالمي اي حوالي (200) مليار دولار سنويا. ومن ابرز عمليات التعامل هذه ما يحصل في مجال الاسواق الماليه والمؤسسات الماليه التي تمارس الحسابات السريه الماليه والمصرفيه حيث يتم غسل الاموال وتبييضها عبر وسائل الدخول في عمليات شراء الاسهم والسندات (سلسله من عمليات البيع والشراء) وما تعكسه مثل هذه العمليات من اثار سلبيه على عمليات التداول والتعامل في تلك الاسواق. ويزداد الامر خطوره اذا ما علمنا بان شبكات غسيل الاموال القذره توظف عددا كبيرا من المستشارين القانونيين الاقتصاديين والماليين والسماسره لاداره ومتابعه عمليات التعامل وخاصه من خلال المؤسسات الماليه والبنوك (Off sure) التي تقوم باصدار فواتير وشهادات استخدام نهائي مزوره لاخفاء مصدر هذه الاموال, وما يتبعه من ارباك للاسواق الماليه الدوليه نتيجه لحصول التغيرات المفاجئه والسريعه في اسعار الاسهم والسندات واقيام المبادلات بشكل عام. تلك هي حال اسواق المال الدوليه وما تعانيه عمليات الاستثمار فيها من حالات المنافسه غير المتكافئه والمضاربات والتلاعب مما يجعلها تحت وطاه تحركات الكتل الماليه المفزعه وتدفقات رؤوس الاموال وتنامي قدره الفاعلين الاقوى على صعيد راس المال العالمي, لتشكل امبراطوريه الراسمال النقدي المستقل عن الراسمال الصناعي والبضاعي (5) وهكذا يتم الاستئثار بموارد الاسواق الماليه الدوليه ومردوداتها من خلال عمليات الاستثمار والمضاربه في تلك الاسواق.