القابض على دينه كالقابض على الجمر
عن انس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ياتي على الناس زمان القابض على دينه كالقابض على الجمر » رواه الترمذي .
هذا الحديث له من المعاني الكثير وله من الامثله في زماننا هذا الكثير والكثير والكثير….يعلمه الكثير منا لكن لا يتفكرون في بعمق ولهذا اردت ان انق لكم شرحا بسيطا لهذا الحديث لعله يكون مفيد ولكي تعم الفائده للجميع. هذا الحديث يقتضي خبرا وارشادا .
اما الخبر ، فانه صلى الله عليه وسلم اخبر انه في اخر الزمان يقل الخير واسبابه ، ويكثر الشر واسبابه ، وانه عند ذلك يكون المتمسك بالدين من الناس اقل القليل ، وهذا القليل في حاله شده ومشقه عظيمه ، كحاله القابض على الجمر ، من قوه المعارضين ، وكثره الفتن المضله ، فتن الشبهات والشكوك والالحاد ، وفتن الشهوات وانصراف الخلق الى الدنيا وانهماكهم فيها ، ظاهرا وباطنا ، وضعف الايمان ، وشده التفرد لقله المعين والمساعد .
ولكن المتمسك بدينه ، القائم بدفع هذه المعارضات والعوائق التي لا يصمد لها الا اهل البصيره واليقين ، واهل الايمان المتين ، من افضل الخلق ، وارفعهم عند الله درجه ، واعظمهم عنده قدرا .
واما الارشاد ، فانه ارشاد لامته ، ان يوطنوا انفسهم على هذه الحاله ، وان يعرفوا انه لا بد منها ، وان من اقتحم هذه العقبات ، وصبر على دينه وايمانه – مع هذه المعارضات – فان له عند الله اعلى الدرجات ، وسيعينه مولاه على ما يحبه ويرضاه ، فان المعونه على قدر المؤونه .
وما اشبه زماننا هذا بهذا الوصف الذي ذكره صلى الله عليه وسلم ، فانه ما بقي من الاسلام الا اسمه ، ولا من القران الا رسمه ، ايمان ضعيف ، وقلوب متفرقه ، وحكومات متشتته ، وعداوات وبغضاء باعدت بين المسلمين ، واعداء ظاهرون وباطنون ، يعملون سرا وعلنا للقضاء على الدين ، والحاد وماديات ، جرفت بخبيث تيارها وامواجها المتلاطمه الشيوخ والشبان ، ودعايات الى فساد الاخلاق ، والقضاء على بقيه الرمق .
ثم اقبال الناس على زخارف الدنيا ، بحيث اصبحت هي مبلغ علمهم ، واكبر همهم ، ولها يرضون ويغضبون ، ودعايه خبيثه للتزهيد في الاخره ، والاقبال بالكليه على تعمير الدنيا ، وتدمير الدين واحتقاره والاستهزاء باهله ، وبكل ما ينسب اليه ، وفخر وفخفخه ، واستكبار بالمدنيات المبنيه على الالحاد التي اثارها وشررها وشرورها قد شاهده العباد .
فمع هذه الشرور المتراكمه ، والامواج المتلاطمه ، والمزعجات الملمه ، والفتن الحاضره والمستقبله المدلهمه – مع هذه الامور وغيرها – تجد مصداق هذا الحديث .
ولكن مع ذلك ، فان المؤمن لا يقنط من رحمه الله ، ولا يياس من روح الله ، ولا يكون نظره مقصورا على الاسباب الظاهره ، بل يكون متلفتا في قلبه كل وقت الى مسبب الاسباب ، الكريم الوهاب ، ويكون الفرج بين عينيه ، ووعده الذي لا يخلفه ، بانه سيجعل له بعد عسر يسرا ، وان الفرج مع الكرب ، وان تفريج الكربات مع شده الكربات وحلول المفظعات .
فالمؤمن من يقول في هذه الاحوال : ” لا حول ولا قوه الا بالله ” و” حسبنا الله ونعم الوكيل . على الله توكلنا . اللهم لك الحمد ، واليك المشتكى . وانت المستعان . وبك المستغاث . ولا حول ولا قوه الا بالله العلي العظيم ” ويقوم بما يقدر عليه من الايمان والنصح والدعوه . ويقنع باليسير ، اذا لم يمكن الكثير . وبزوال بعض الشر وتخفيفه ، اذا تعذر غير ذلك : { ومن يتق الله يجعل له مخرجا } ، { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } ، { ومن يتق الله يجعل له من امره يسرا } [ الطلاق : 2 ، 3 ، 4 ]