المكان : مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الزمان : السنه الثالثه والعشرين من الهجره .
يخرج امير المؤمنين عمر بن الخطاب من بيته ليصلي بالناس صلاه الفجر .. يدخل المسجد .. تقام الصلاه .. يتقدم عمر و يسوي الصفوف .. يكبر فما هو الا ان كبر حتى تقدم اليه المجرم ابو لؤلؤه المجوسي فيطعنه عده طعنات بسكين ذات حدين .
اما الصحابه الذين خلف عمر فذهلوا وسقط في ايديهم امام هذا المنظر المؤلم .
واما من كان في خلف الصفوف في اخر المسجد فلم يدروا ما الخبر .. فما ان فقدوا صوت عمر رفعوا اصواتهم : سبحان الله .. سبحان الله. ولكن لا مجيب .
يتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فيقدمه فيصلي بالناس .
يحمل الفاروق الى بيته .. فيغشى عليه حتى يسفر الصبح . اجتمع الصحابه عند راسه فارادوا ان يفزعوه بشيء ليفيق من غشيته . نظروا فتذكروا ان قلب عمر معلق بالصلاه . فقال بعضهم : انكم لن تفزعوه بشيء مثل الصلاه ان كانت به حياه . فصاحوا عند راسه : الصلاه يا امير المؤمنين ، الصلاه . فانتبه من غشيته وقال : الصلاه والله . ثم قال لا بن عباس : اصلى الناس . قال : نعم . قال عمر : لاحظ في الاسلام لمن ترك الصلاه . ثم دعا بالماء فتوضا و صلى وان جرحه لينزف دما .
هكذا ايها الاحبه كان حالهم مع الصلاه . حتى في احلك الظروف ، بل وحتى وهم يفارقون الحياه في سكرات الموت .كيف لا وقد كانت هذه الفريضه الهم الاول لمعلم البشريه صلى الله عليه وسلم وهو يعالج نفسه في سكرات الموت فيقول : الصلاه الصلاه وما ملكت ايمانكم .
سنعرض اربعه احوال من احوال السلف الصالح مع الصلاه لنقارن احوالهم باحوالنا ليتوب المسيء من اساءته، ويتنبه المقصر الى تقصيره، ويزداد المحسن احسانا وتكميلا لصلاته .
الحال الاول : محافظتهم على صلاه الجماعه وتعلق قلوبهم بها:
الصلاه قره عيون المؤمنين كما صح عنه عليه الصلاه والسلام انه قال : وجعلت قره عيني في الصلاه .
ولذا كان يقول : ارحنا بها يا بلال . ولسان حال بعضنا : ارحنا منها يا امام .
وقل لبلال العزم من قلب صادق ارحنا بها ان كنت حقا مصليا
توضا بماء التوبه اليوم مخلصا به ترق ابواب الجنان الثمانيا
وقد سطر سلفنا الصالح صورا مشرقه في المحافظه على صلاه الجماعه .
ففي صحيح مسلم ينقل لنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه صوره حيه لصحابه رسول الله صلى الله عليه وسلم وحالهم مع صلاه الجماعه فيقول : ولقد رايتنا وما يتخلف عن الصلاه الا منافق معلوم النفاق ، ولقد رايت الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف .
فاين النائمون عن صلاه الفجر و العصر الذين انعم الله عليهم واصح لهم اجسامهم ؟ وما عذرهم امام الله تعالى ؟.
منائركم علت في كل حي ومسجدكم من العباد خالي
وصوت اذانكم في كل واد ولكن اين صوت من بلال
• وهذا سعيد بن المسيب يقول : ما فاتتني الصلاه في جماعه منذ اربعين سنه .
ولما اشتكى سعيد عينه يوما قالوا له : لو خرجت الى العقيق فنظرت الى الخضره لوجدت لذلك خفه . فقال : فكيف اصنع بشهود العشاء والصبح .
• وكان الربيع بن خثيم يقاد الى الصلاه وبه الفالج فقيل له : قد رخص لك . قال : اني اسمع ” حي على الصلاه ” فان استطعتم ان تاتوها فاتوها ولو حبوا
• وسمع عامر بن عبدالله بن الزبير المؤذن وهو يجود لنفسه فقال : خذوا بيدي فقيل : انك عليل . قال : اسمع داعي الله فلا اجيبه . فاخذوا بيده فدخل مع الامام في المغرب فركع ركعه ثم مات .
• وكان سعيد بن عبدالعزيز اذا فاتته صلاه الجماعه بكى .
نعم . بكى لا لانه قد فاتته مباراه رياضيه ، ولا لاغنيه او تمثيليه . ولكن يبكي لفوات المثوبه والروحانيه .
• سئل عبدالرحمن بن مهدي عن الرجل يبني باهله ايترك الجماعه اياما ؟ قال : لا ، ولا صلاه واحده .
هكذا افتى ابن مهدي رحمه الله . ثم ياتي الامتحان ، فيزوج ابن مهدي احدى بناته فيخرج صبيحه العرس ويمشي الى بابهما فيقول للجاريه : قولي لهما يخرجان الى الصلاه . فخرج النساء والجواري فقلن : سبحان الله !! اي شيء هذا ؟ . فقال : لا ابرح حتى يخرج الى الصلاه . فخرج بعدما صلى فبعث به الى مسجد خارج من الدرب .
الحال الثاني : مبادرتهم الى الصلاه ومحافظتهم على تكبيره الاحرام :
• ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم انه قال ” لا يزال قوم يتاخرون حتى يؤخرهم الله “.
قال النووي : يتاخرون اي عن الصفوف الاول حتى يؤخرهم الله تعالى عن رحمته او عظيم فضله ورفع المنزله وعن العلم ونحو ذلك
• قال عدي بن حاتم : ما اقيمت الصلاه منذ اسلمت الا وانا على وضوء .
• وكان ابراهيم بن ميمون احد المحدثين يعمل صائغا يطرق الذهب والفضه . فكان اذا رفع المطرقه فسمع النداء وضعها ولم يردها
• وقال سعيد : ما اذن المؤذن منذ ثلاثين سنه الا وان في المسجد .
• وقد جاء عند الترمذي وحسنه الالباني انه صلى الله عليه وسلم قال ” من صلى لله اربعين يوما في جماعه يدرك التكبيره الاولى كتب له براءتان : براءه من النار ، وبراءه من النفاق .
• روي عن الاعمش انه كان قريبا من سبعين سنه لم تفته التكبيره الاولى .
• ولهذا قال ابراهيم التيمي : اذا رايت الرجل يتهاون في التكبيره الاولى فاغسل يدك منه .
هكذا كان حرصهم وتبكيرهم الى الصلوات فيا ليت شعري اين نحن من حالهم . ونحن نرى الجموع المتاخره تقضي خلف الصفوف ناهيك عن الذين يقضون خلف الامام ، ويعتذرون عن تاخرهم باعذار هي اوهى من بيت العنكبوت . وهذا دليل قله الفقه ، والله المستعان .
الحال الثالث : احسانهم الصلاه واتمامهم اركانها :
نظر السلف الى القران واذا الله تبارك وتعالى يامرهم باقامه الصلاه ، فلم ترد ايه واحده بغير لفظ الاقامه . والتعبير بهذا اللفظ يقتضي العنايه بها واقامتها على الوجه المطلوب كما وردت .
• يدخل رجل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي ، ثم ياتي النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم عليه ، فيرد عليه بقوله : وعليك السلام ، ارجع فصل فانك لم تصل . فيعود فيصلي ثم ياتي فيسلم عليه ، فيرد عليه بمثل ما رد عليه . فلما كان في المره الثالثه قال الرجل : والذي بعثك بالحق لا احسن غير هذا فعلمني . فعلمه عليه الصلاه والسلام كيف يصلي ، وارشده الى الطمانينه في جميع اركان الصلاه وواجباتها .
• ويصلي عليه الصلاه والسلام يوما – كما في صحيح مسلم _ فينصرف ويخاطب رجلا بقوله : يا فلان الا تحسن صلاتك ، الا ينظر المصلي اذا صلى كيف يصلي ، فانما يصلي لنفسه .
• ايها الاحبه .. هل تعلمون من هو اسوا الناس سرقه ؟
اهو سارق المسجد او الحرم ؟ اهو سارق مال فقير او يتيم ؟
كلا . قال عليه الصلاه والسلام : ” اسوا الناس سرقه الذي يسرق من صلاته . قالوا : وكيف يسرق من صلاته ؟ . قال : لا يتم ركوعها ولا سجودها .
• وصح عن عبدالله بن عمر انه راى فتى يصلي فاطل صلاته واطنب فيها فقال : ايكم يعرف هذا ؟ فقال رجل: انا اعرفه . فقال ابن عمر : لو كنت اعرفه لامرته ان يطيل الركوع والسجود فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ان العبد اذا قام الى الصلاه اتي بذنوبه كلها فوضعت على عاتقيه فكلما ركع او سجد تساقطت عنه .
• قال ابن جريج : لزمت عطاء ثمانين عشره سنه ، وكان بعدما كبر وضعف يقوم الى الصلاه . فيقرا مئتي ايه من البقره وهو قائم لا يزول منه شيء ولا يتحرك .
• قال ابو اسحاق السبيعي : ذهبت الصلاه مني وضعفت واني لاصلي فما اقرا وانا قائم الا البقره وال عمران . وقيل انه ما كان يقدر ان يقوم حتى يقام فاذا استقم قائما قرا وهو قائم الف ايه .
• قال خالد بن عمرو : رايت مسعرا كان جبهته ركبه عنز من السجود .
• قال ابن رهب : رايت الثوري في الحرم بعد المغرب صلى ثم سجد سجده فلم يرفع حتى نودي بالعشاء.
اما حالنا فمؤسف . فقد اصبحت الصلاه ثقيله على كثير من الناس حتى اذا كبر احدهم اوما بحركات لا روحانيه ، ونقر الصلاه كنقر الغراب لا يذكر الله فيها الا قليلا . فهلك النقارون .
ووالله لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا بين اظهرنا لقال لهم : ارجعوا فصلوا ، فانكم لم تصلوا .
الحال الرابع : خشوعهم في الصلاه :
الخشوع في الصلاه بمنزله الروح في الجسد ، فصلاه بلا خشوع كجسد بلا روح .
• كان سيد الخاشعين يصلي لله خاشعا مخبتا ، يبكي ولصدره ازيز كازيز المرجل من البكاء .
• كان ابن الزبير اذا قام الى الصلاه كانه عود .
• وكان ابن الزبير يصلي في الحجر ، فيرمى بالحجاره من المنجنيق فما يلتفت .
• ووقع حريق في بيت فيه علي بن الحسين وهو ساجد فجعلوا يقولون : يا ابن رسول الله النار . فما رفع راسه حتى طفئت . فقيل له في ذلك فقال : الهتني عنها النار الاخرى .
• وكان علي ابن الحسين اذا توضا اصفر واذا قام الى الصلاه ارتعد . فقيل له فقال : تدرون بين يدي من اقوم ومن اناجي ؟ .
• وقالت بنت لجار منصور بن المعتمر : يا ابت اين الخشبه التي كانت في سطح منصور قائمه ؟ قال : يا بنيته ذاك منصور يقوم الليل.
• سرق رداء يعقوب بن اسحاق عن كتفه وهو في الصلاه ولم يشعر ورد اليه فلم يشعر لشغله بعباده ربه.
• كان ابراهيم التيمي اذا سجد كانه جذم حائط ينزل على ظهره العصافير .
• قال اسحاق بن ابراهيم كنت اسمع وقع دموع سعيد بن عبدالعزيز على الحصير في الصلاه .
هكذا كان خشوعهم . اما نحن فنشكو الى الله قسوه في قلوبنا وذهابا لخشوعنا . فلم تعد الصلاه عند بعضنا صله روحانيه بينه وبين ربه تبارك وتعالى ، بل اصبحت مجرد حركات يؤديها الانسان بحكم العاده لا طعم لها ولا روح . فانى لمثل هذا ان يخشع ؟.
لقد صلى بعض الناس في احد مساجدنا ، ولما كان في التشهد الاخير جاءه الشيطان وقال له : يا ابا فلان ان صاحب المحل قد اخطا في الحساب فراجع الفاتوره ، اني لك من الناصحين . فصدق المسكين واخرج الفاتوره ليراجعها امام الناس وهو يصلي . فالله المستعان.
واخر تراه هادئا ساكنا ، فما ان يكبر حتى تبدا يداه بالعبث بغترته اوعقاله اولحيته اوساعته . . . ولو خشع قلبه لخشعت جوارحه.
فلا يغرنك وقوف مصليين متجاورين في صف واحد فانه قد يكون بينهما من التفاوت في الاجر كما بين السماء والارض . وقد قال عليه الصلاه والسلام ” وان الرجل لينصرف وما كتب له الا عشر صلاته تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها ” رواه ابو داود وحسنه الالباني .
- كيف احوال النساء الصحابةمع الجيران
