رؤيه الميت بالصور
يقال بان النوم هو شكل من اشكال الموت المؤقت، وبان الروح تغادر الجسد خلال النوم لتعود مره ثانيه عند الاستيقاظ، وهذا قد يفسر لنا سبب رؤيه الموتى في الاحلام، فارواح الاحياء النائمين بامكانها ان تتواصل بسهوله مع ارواح الموتى اثناء تواجدها خارج الجسد، وهذا التواصل الروحي قد يتذكره النائم عند استيقاظه كمجرد حلم وقد لا يعيره اهتماما كبيرا. وبالطبع لا يوجد اي دليل مادي او علمي ملموس يثبت حدوث هذا التواصل الروحي، لكننا سنحاول من خلال هذا المقال ان نسلط الضوء على بعض خفايا عالم الاحلام المدهش، سنقص عليك عزيزي القارئ قصصا عجيبه ستجعلك تفكر مليا حول حقيقه كل ما شاهدته في احلامك وكوابيسك.
ما حقيقه ما نراه في احلامنا ؟
الكثير من الناس لا يصدقون بقصص الاشباح، لا يؤمنون مطلقا بقدره الاموات على الاتصال بالاحياء، وربما معهم حق في ذلك، فان بقاء الروح بعد الموت سائبه تفعل ما يحلو لها وتذهب اينما تشاء هي فكره لا تخلو من غرابه وطرافه في نفس الان، فلو صدق الامر وكانت حياه العالم الاخر هكذا حقا، اي عباره عن نزهه وسياحه لا تنتهي!!، فان الموت لن يكون بهذه الصوره القاتمه التي قد يتخيلها المرء.
على العموم، ايا ما كانت طبيعه الحياه في العالم الاخر، فان اغلب الناس، حتى اولئك الذين يجحدون بوجود الاشباح، تراهم يوافقون نوعا ما على وجود خيط رفيع خفي موصول بين عالمي الاحياء والاموات، صحيح ان الموتى لا يرجعون، ولا نعلم ماذا جري لهم بعد رحيلهم، بيد ان حسا غامضا يطغى على نفوسنا احيانا فيجعلنا نشعر بانهم مازالوا معنا بشكل ما، ولهذا السبب تجد الناس على اختلاف ثقافاتهم واديانهم يبدون احتراما كبيرا لذكرى موتاهم الى درجه الايمان بان بعض الافعال والتصرفات في هذا العالم سيكون لها تاثير مباشر على حياه الارواح في العالم الاخر، فعلى سبيل المثال، يعتقد الكثيرون بان الصلاه والدعاء للميت وزياره قبره من حين لاخر ستمنح روحه شيئا من السكينه والسلام. وهناك شعوب تؤمن بان ارواح الموتى تعود لزياره ذويها في مناسبات معينه خلال السنه ، كعيد الهالووين (Halloween ) و يوم الموتى (Day of the Dead ).
رؤيه الميت في الحلم
لعل اقدم اشكال التواصل الروحي بين الاموات والاحياء هي رؤيه الميت في الحلم، فمعظم الناس مروا بتجربه من هذا النوع خلال احلامهم، وهذه التجربه قد تبدو احيانا من دون معنى وغير مترابطه ، فتمر مرور الكرام، وفي احيان اخرى تكون من الواقعيه الى درجه التسبب بالصدمه والذهول لصاحب الحلم فتراه حائرا مرتبكا لا يدري كيف يفسر ما راه، اهي مجرد اضغاث احلام ام رساله حقيقيه مصدرها العالم الاخر ؟.
وبسبب انتشار الظاهره كما اسلفنا، تراكمت عبر العصور الكثير من القصص والحكايات التي تتحدث عن هذا النوع من الاحلام والتي لا تخلو معظمها من حكمه وموعظه وتذكره ، فمثلا وكعينه على هذا النوع من القصص، يقال بان احد الابناء داب على رؤيه اباه الميت في احلامه، وكان الاب يبدو دائم الاضطراب خلال تلك الاحلام، فكان الابن يساله عن حاله ويستفسر منه عن سر اضطرابه، فيجيبه الاب قائلا بانه في احسن حال، يسكن رياضا خضراء رائعه الجمال، فيها كل ما يرجوه المرء ويتمناه، لكنه كان يسكت فجاه لتعلو وجهه غمامه من الحزن كانه تذكر شيئا ازعجه وكدر مزاجه، ثم يمضي بعدها في حديثه قائلا بصوت متهدج كسير بان هناك امرا واحدا ينغص عليه ما هو فيه من رغد العيش، وهو ان فلان البقال لا يفتا يزوره في كل حين ليؤذيه وينغص عليه سعادته وبهجته.
وكان الاب حريصا خلال تلك الاحلام على رجاء ابنه والالحاح عليه كثيرا في ان يكفيه شر ذلك البقال، ثم كان يقوم بعدها وينصرف لحاله.
هذا الحلم الغريب تكرر بنفس الصوره لاكثر من مره ، فصار الابن في حيره عظيمه من امره، لان فلان البقال الذي ذكره ابوه في الحلم مازال حيا يرزق، فكيف يكون باستطاعته ان يؤذي روحا في عالم الاموات؟!. وفي النهايه دفعته هواجسه وحيرته الى زياره دكان ذلك البقال لعله يميط اللثام عن سر شكوى اباه المستمره منه، غير انه لم يجد في نفسه الجراه الكافيه ليخبر البقال بالغرض الحقيقي من زيارته خشيه ان يسخر منه، لذلك اكتفى بدخول الدكان كزبون عادي وراح يقلب البضاعه على مهل. وفي هذه الاثناء اقترب البقال منه وراح يراقبه ويتفحصه بامعان، ثم بادره متسائلا عن كونه ابن فلان رحمه الله عليه، فرد الابن بالايجاب، فتقدم اليه البقال بواجب التعزيه والمواساه ، ثم اطرق لبرهه قصيره وقد تغير لونه وبان على محياه الوجوم، واخيرا نظر الى الابن باستحياء واخبره بعد تردد واضح بان هناك مبلغا صغيرا من المال كان والده المرحوم مدينا به للمحل، ومضى قائلا بان خجله وحياءه منعاه من المطالبه بذلك الدين لتفاهه المغرم ولوفاه المدين، ثم اطرق ساكتا ينتظر جواب الابن الذي سارع الى مد يده الى محفظته دافعا دين ابيه بكل رحابه صدر ثم غادر الدكان وهو في غايه الانبساط والسرور لانه اكتشف اخيرا سر شكوى والده المتكرره وقام بحل المشكله ، وبالفعل لم يزره والده في الحلم بعد ذلك مطلقا!.
هل هذه القصه حقيقيه ؟ .. لا اعلم .. فقد سمعتها من بعض الاصدقاء خلال احدى الامسيات، ومثل هذه القصص كثيره ، يتداولها الناس في منتدياتهم ومجالسهم، ولا تخلوا منها بطون الكتب التراثيه . فمثلا يورد لنا الطبري وغيره من المؤرخين العرب قصه الحجاج بن يوسف الثقفي والتابعي سعيد بن جبير، فبعد ان امر الحجاج باعدام سعيد وضربت عنقه، صار الحجاج يراه في المنام وهو ياخذ بمجامع ثوبه ويصرخ فيه قائلا : “فيم قتلتني ؟”. فينتفض الحجاج من نومه وهو يبكي ويصرخ قائلا : “مالي وسعيد بن جبير”، ثم لم يلبث ان مرض ومات.
ومما قراته ايضا في هذا المجال، قصه اوردها ابن الجوزي في كتابه المنتظم حيث كتب يقول :
“حدثني محمد بن يحيى، عن محمد بن نافع قال: كان ابو نواس لي صديقا، فوقعت بيني وبينه هجره في اخر عمره، ثم بلغني وفاته فتضاعف علي الحزن، فبينا انا بين النائم واليقظان اذا انا به، فقلت: ابو نواس؟ قال: لات حين كنيته. قلت: الحسن بن هانئ؟
قال: نعم. قلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بابيات قلتها هي تحت ثني وسادتي. فاتيت اهله، فلما احسوا بي اجهشوا بالبكاء.
فقلت لهم: هل قال اخي شعرا قبل موته؟ قالوا: لا نعلم الا انه دعا بدواه وقرطاس وكتب شيئا لا ندري ما هو. قلت: ايذنوا لي ادخل قال: فدخلت الى مرقده، فاذا ثيابه لم تحرك بعد، فرفعت وساده فلم ار شيئا، ثم رفعت اخرى فاذا برقعه فيها مكتوب:
يا رب ان عظمت ذنوبي كثره **** فلقد علمت بان عفوك اعظم
ان كان لا يرجوك الا محسن **** فمن الذي يدعو ويرجو المجرم؟
ادعوك رب كما امرت تضرعا **** فاذا رددت يدي فمن ذا يرحم
مالي اليك وسيله الا الرجا **** وجميل عفوك، ثم اني مسلم”
وابو نؤاس طبعا غني عن التعريف، فهو من اشهر شعراء الغزل الماجن في العصر العباسي الذهبي.
تفسيرات وتاويلات
في كتب تفسير الاحلام يكون لظهور الميت في الحلم وطبيعه حديثه وتصرفه تفسيرات وتاويلات مختلفه ، فابن سيرين يذكر في كتاب تفسير الاحلام مقاله طويله ومفصله حول معاني رؤيه الموت والاموات والمقابر في الحلم .. نقتبس منها الاسطر القليله التاليه كعينه ، حيث كتب يقول :
“فان راى ميتا طلق الوجه لم يكلمه ولم يمسه فانه راض عنه لوصول بره اليه بعد موته فان راه معرضا عنه او منازعا له وكانه يضربه دل على انه ارتكب معصيه وقيل ان من راى ميتا ضربه فانه يقتضيه دينا فان راى الميت غنيا فوق غناه في حياته فهو صلاح حاله في الاخره وان راه فقيرا فهو فقره الى الحسنات وان راى كان الميت عريان فهو خروجه من الدنيا عاريا من الخيرات … “.
اما من الناحيه الدينيه فالاراء متضاربه ، حيث ذهبت طائفه من علماء الدين، من اتباع الديانات المختلفه ، الى الاعتقاد بامكانيه زياره الميت للحي في المنام، خصوصا عندما تكون لدى الميت حاجه ضروريه لم يستطع انجازها وانهاءها في حياته.
فيما ترى طائفه اخرى بان رؤيه الميت في الحلم لا تدل بالضروره على تجلي روحه فعلا، فالشياطين بامكانها ان تتحايل فتتخذ هيئه الاموات لتغزو احلام الاحياء، وهذه الشياطين قد تتشكل باي صوره تشاء، فربما ظهرت في صوره الاقارب كالاب والام والزوجه .. الخ ، وربما تصورت ايضا في هيئه العلماء والصالحين والقديسين.
اما عامه الناس فتراهم لا يابهون كثيرا لهذه الاراء، فالمعتقدات الشعبيه المتراكمه عبر العصور تؤيد امكانيه ظهور الانبياء والصالحين والموتى من الاقارب والاصدقاء في الاحلام ، وقد تنسب لهذه الرؤى والتجليات كرامات عظيمه تكاد تصل الى مصاف المعجزات، كالشفاء من الامراض المستعصيه والنجاه من الملمات وفك الضيق وتلبيه الحاجيات.
هاملت .. الشبح الذي روى تفاصيل مقتله!
الشبح يروي تفاصيل مؤامره قتله لابنه هاملت
في رائعه شكسبير ومسرحيته الشهيره “هاملت”، يتجلى شبح ملك الدنمارك لابنه الامير هاملت ليحدثه عن تفاصيل المكيده الدنيئه التي اودت بحياته، يخبره عن كيفيه قيام اخيه بقتله بالسم اثناء نومه في الحديقه ، وعن كيفيه استيلاءه على العرش واقترانه بزوجته الملكه – ام هاملت -، ثم يطلب من ابنه ان يثار له.
تفاصيل المؤامره الرهيبه التي رواها الشبح لابنه اصبحت بمثابه المحرك الذي تدور حوله جميع احداث المسرحيه ، والتي تنتهي بانتحار حبيبه هاملت ومقتل عمه الغادر وموت امه الاثمه بالسم، وحتى هاملت نفسه لا ينجو من الموت جراء اصابته بجرح من سيف مسموم.
الجدير بالذكر هو ان احداث مسرحيه “هاملت” ليست حقيقيه ، وانما ابدعتها مخيله وليم شكسبير الخصبه والفذه في القرن السادس عشر، واجزم بان معظم القتله والسفاحين الذين شاهدوا المسرحيه عبر العصور قد تنفسوا الصعداء حين علموا في النهايه بان الاحداث خياليه ، اذ تصور عزيزي القارئ ماذا يمكن ان يحدث لو كان بامكان الارواح ان تعود حقا الى عالم الاحياء لتفضح القتله وتطالب بالانتقام!.
ربما لانخفضت نسبه الجريمه الى الصفر!.
لكن هذا لا يحدث للاسف، او هذا ما يظنه معظم الناس، فهم لا يتخيلون ابدا عوده الروح لتتحدث الى الاحياء عن تفاصيل موتها ومقتلها، اللهم الا في افلام الرعب السينمائيه كفلم الحاسه السادسه (The Sixth Sense ) الشهير.
غير انه على عكس هذا التصور الشائع، فقد حدث فعلا، في حالات نادره وقليله ، ان عادت الروح المقتوله لتغزو احلام احبائها وتكشف لهم عن اسرارا خطيره قادت في النهايه الى الايقاع بالقتله الذين سلبوها الحياه . ربما لا تصدق هذا عزيزي القارئ، ومعك حق بالتاكيد، فانا نفسي اجد صعوبه في التصديق! .. لكن كيف السبيل الى انكار ودحض وقائع واحداث موثقه في سجلات حكوميه رسميه ومدونه بالتفصيل في اضابير المحاكم القضائيه .
