عادات رمضان فى المغرب
وفي دوله المغرب، شهر رمضان او كما يسمونه بلهجتهم الخاصه “سيدنا رمضان” كنايه على تفضيله على باقي اشهر السنه ؛ يتميز هذا الشهر الكريم بعبق خاص؛ فتزدان الحوانيت والمحلات التجاريه بالزينات، في الوقت الذي تغلق فيه جميع المقاهي والمطاعم اثناء النهار حيث يعاقب القانون المغربي من يجهر بافطاره علانيه .. ولطالما حكت لنا جداتنا ان نساء مدينه فاس، العاصمه العلميه والروحيه للمغرب، كانت تجتمع في سطوح منازلها في انتظار رؤيه هلال الاول من رمضان لتطلق الزغاريد فرحا بقدوم ضيف عزيز على اهل فاس، والزغروده اعلان بانطلاق موسم ديني واجتماعي متميز بفاس، يليها “النفار” الذي يحمل مزمارا طويلا ينفخ فيه سبع نفخات اما في صومعه المسجد اومتجولا في الازقه العتيقه للمدينه معلنا قدوم موسم الطاعات والصيام والتعبد.
يبدا استعداد المغاربه لاستقبال شهر الصوم في وقت مبكر، ويستعدون له بالصيام في شهر شعبان الذي يبشرهم بهلال رمضان، حيث يعدون بعض انواع الحلويات الاكثر استهلاكا على موائد الافطار. وبمجرد ان يتاكد دخول الشهر حتى تنطلق السنه اهل المغرب بالتهنئات قائلين: “عواشر مبروكه ” والعباره تقال بالعاميه المغربيه ، وتعني (ايام مباركه ) مع دخول شهر الصوم بعواشره الثلاثه : عشر الرحمه ، وعشر المغفره ، وعشر العتق من النار.
منذ اليوم الاول لشهر الصيام يظهر التحول في مواقيت العمل في الادارات التابعه للدوله والمؤسسات الخاصه ، ويتم الاخذ بالتوقيت المستمر في جميع القطاعات العموميه والخاصه ، ما عدا المستشفيات ومراكز الامن التي يتم العمل فيها بالمناوبه ، فيكون توقيت العمل من الساعه التاسعه صباحا الى الساعه الثالثه بعد الزوال، اي قرب صلاه العصر… وتغير الادارات ومؤسسات الانتاج من طريقه تعاملها مع موظفيها، بحيث تتساهل معهم اثناء وقت الصلاه التي يتوقف فيها العمل، وهو ما لا يحدث في الاوقات الاخرى خارج رمضان.
وهناك تقليد اصبح سائدا في المغرب منذ نهايه الثمانينات من القرن الماضي، حيث كان الملك الراحل الحسن الثاني يقيم “الدروس الحسنيه الرمضانيه ” خلال ايام الصوم، يحضرها علماء وفقهاء من جميع ارجاء العالم العربي والاسلامي، تختار نخبه منهم لالقاء دروس امام الملك في القصر بالرباط، يحضره كبار رجال الدوله ووزراء الحكومه ومسؤولوا الجيش والامن… وقد حافظ الملك محمد السادس على نفس التقليد والتسميه … دروس دينيه ينقلها التلفزيون المغربي، ويعتلي الكرسي الكبير عالم من علماء العالم الاسلامي، ويحاضر فيها مجالسه مع الملك محمد السادس مباشره .. وقد حاضر علماء من جميع انحاء الوطن العربي والعالم الاسلامي يلقون خلال شهر الصوم الدروس والمحاضرات حول رمضان والقضايا الهامه .
وفي شهر رمضان يقبل المغاربه على تلاوه القران الكريم والذهاب الى المساجد واداء الصلاه جماعه … وتشهد الصحف والكتب الثقافيه رواجا كبيرا في الشهر الكريم حيث يزداد اهل المغرب اقبالا على القراءه والاطلاع .
ومن العادات المميزه ايضا ان يخرج الشباب الى ممارسه الرياضه بين العصر والمغرب، بل يشاركهم العجائز والاطفال ايضا، وتكون لحظات جميله يمارسون فيها اللعب والترفيه… قبل ايام بل قبل اسابيع يبدا الفاسيون استعدادهم لشهر الصيام بتحضير اطباق تكاد تكون المراه الفاسيه اختصاصيه فيها، وباعداد الملابس التقليديه المناسبه للزينه عند كل مسجد.
وتملا المساجد بالمصلين من كافه الاعمار، لا يكاد المصلي يجد مكانا له داخل المسجد، حيث تمتلئ جنبات الشارع بصفوف المصلين وتتوقف حركات السير في الشوارع القريبه من المساجد، في مشاهد جليله تجعل الانسان يتمنى ان تكون ايام الله كلها رمضان… وبعد صلاه العصر يجتمع المصلون ل”لقراءه الحزب” بشكل جماعي كما جرت العاده في المغرب الذي ياخذ بالمذهب المالكي، وتقام الدروس الدينيه في المساجد بعد صلاه الظهر مباشره .
وبعد ان تكون الاسر قد اعدت اطباق “سلو” و”الشباكيه ” و”البريوات” و”الفقاص” و”كعب غزال”، تحرص على ان يكون اول افطار في “الدار الكبيره “، حيث يتجمع افراد العائله الذين فضلوا الاستقلال بعد الزواج، في منزل الاب او الجد او منزل اكبر افراد العائله ….. كما يكون رمضان فرصه سانحه لاصلاح ذات بين المتخاصمين من ابناء العائله الواحده .
بعد الافطار تكون الوجهه هي المسجد، الفاسيون كبارا وصغارا وبملابس تقليديه يشدون الرحال الى بيوت الله، لاداء صلاه التراويح، ومنهم من لا يرضى الصلاه الا في جامع القرويين، الذي اسسته فاطمه الفهريه (ض)..
اما المشروب المفضل فهو الشاي بالنعناع والشاي الاخضر المضاف اليه القرنفل, بالاضافه الى بعض المشروبات البارده التي يدخل في اعدادها الاعشاب الطبيعيه المفيده للجهاز الهضمي اثناء النهار .
وتهتم ربه البيت المغربيه الى حد كبير بزينه البيت وتجهيزه لاستقبال الضيوف من الاهل والجيران، حيث تزدان اركان المنزل بالزهور الطبيعيه والاعشاب الخضراء وتعبق ارجاؤه برائحه طيبه ، وتقوم الام المغربيه بقص الحكايات الدينيه على الصغار طوال الامسيات الرمضانيه ، ويقوم الاب او كبير العائله بشراء مجموعه كبيره من المسابح ويهديها للاطفال الصغار يسبحون بها, كما يحرص على اصطحابهم للمسجد للصلاه , وتظل الشوارع مضاءه وحركه الناس لا تهدا اثناء النهار وحتى مطلع الفجر.
وتجد المائده المغربيه في رمضان فهي مزركشه باصناف الماكولات الشهيه ، وتتكرر يوميا الحريره او الحساء او الشربه بالخضر الطازجه ، وطبق الكسكسي كل يوم جمعه والذي يجهز باكثر من طريقه … ويقدم ايضا اللحم بالمرق والصلصه .… وفيما يتعلق بالافطار المغربي فان (الحريره ) تاتي في المقدمه ، بل انها علامه على رمضان، ولذلك فانهم يعدونها الاكله الرئيسه على مائده الافطار، وهي عباره عن مزيج لعدد من الخضار والتوابل تقدم في انيه تقليديه تسمى “الزلايف”؛ ويضاف الى ذلك التمر والحليب والبيض، وللحلوى الرمضانيه حضور مهم في المائده المغربيه ، فهناك (الشباكيه ) و(البغرير) و(السفوف)، والكيكس والملوزه والكعب، والكيك بالفلو وحلوى التمر.
ويشهد المغرب خلال شهر رمضان اقامه موائد افطار جماعي، تنظمها بعض الجمعيات الخيريه والاسلاميه التي يتلقى بعضها دعما من الدوله ..
واكتسب رمضان في المغرب تقاليد مميزه ففي ليله السابع والعشرين يقضي المغاربه اوقات طيبه باعتبارها ليله القدر وتمتد السهرات العائليه الى اخر الليل وحتى مطلع الفجر وعاده ما يحرص المغاربه على التزاور وعلى صله الرحم اثناء الشهر المبارك.. وتتمتع الفتيات دون سن البلوغ بفستان جديد او “تكشيطه ” لباس نسائي تقليدي مغربي، كما تكسو ايديهن نقوش الحناء وتمتلئ شنطهن الصغيره بالتمر والجوز والمكسرات.
ومن العادات التي اشتهر بها المغاربه في شهر رمضان عاده الاحتفال بالصوم الاول للاطفال في يوم من ايام رمضان، ولا سيما في السابع والعشرين منه، ويعد الاحتفال بهذا اليوم من مظاهر العادات التقليديه المغربيه التي تتجسد فيها معالم الحضارات السابق ذكرها، حيث تشكل محطه اساسيه للاسر المغربيه داخل شهر رمضان والتي تعمل من خلال هذا التقليد على تكريس الانتماء الديني للطفل المغربي المسلم الذي تشده مظاهر هذه التجربه فيخوض غمارها لاول مره دون تراجع….اذا كانت الطفله الصائمه لاول مره تتناول التمرات الاولى بين افراد عائلتها فان بعض الاسر وخاصه القاطنه في شمال المغرب تلزم الطفل باكل حبه تمر على السلم الخشبي؛ واختيار المغاربه للسلم دليل على الرقي والسمو، فالطفل الصائم عندما يتناول اللقيمات الاولى له في اول ايام صيامه يسمو بنفسه الى درجات روحيه عاليه تقربه من الخالق، وينتقل بنفسه من بعدها الارضي الى البعد السماوي.
وبالرغم مما يتمتع به هذا الشهر الكريم من مكانه رفيعه ، ومنزله عظيمه في نفوس المغاربه عموما، الا ان البعض منهم يرى ان مظاهر الحياه الجديده ومباهجها ومفاتنها، كالتلفاز والفضائيات وغير ذلك من الوسائل المستجده ، قد اخذت تلقي بظلالها على بركات هذا الشهر الكريم، وتفقده الكثير من روحانيته وتجلياته يمكن القول ان لشهر رمضان بالمغرب موقع خاص في قلب كل مغربي، بتقديم مسلسلات مصريه او تركيه تسبب في تخمه للفرجه والمشاهده وتفقد رمضان روحه الدينيه ..
ومع اقتراب انقضائه تبدو العيون حزينه و لسان حالها يقول “ذهب الحبيب”.. دون ان يخفي هذا الحزن فرحه مرتقبه بضيف جديد.. عيد الفطر.