الملك و البخيل
في زمن قديم، عاش رجل بخيل، ومن فرط بخله، كان دائم التفكير في وسيله يحصل بها على المال، او وسيله تبعد عنه اي احد يطلب منه ولو قليلا من المال ولشده بخله، طاف القرى قريه قريه ، حتى وجد قريه كل سكانها كرماء، فحل بينهم، متظاهرا بانه فقير شديد الفقر، فكان محط شفقتهم وعطفهم، وصاروا يعطونه دائما ويتصدقون عليه، حتى انه كان ياكل ويشرب ويحصل على ملابسه منهم، وذات صباح راى الناس شيئا غريبا، فقد اغلق الرجل باب بيته المطل على سكان القريه ، وفتح في بيته بابا يجعل وجهه الى الارض الخاليه ، ومع هذا فان الناس استمروا يقدمون له ما كانوا يقدمونه.. وحين عرفوا حكايته انفجروا من الضحك، فقد حصل على عنز تعطي حليبا كثيرا، فخاف ان يساله احد شيئا من حليب عنزته، فابتعد بباب بيته عنهم.
وعلى الرغم من ان بعض الناس تناقلوا بينهم، انه غني شديد الغنى، حفر كل ارض كوخه واودع دنانيره الفضيه والذهبيه هناك، غير ان الناس كانوا يبتسمون مشفقين، واستمروا يعطونه وهم يرثون لحاله، وفي احد الايام كان احد الفرسان تائها، جائعا جدا وعطشا، فلما اقبل على تلك القريه ، كان متلهفا للوصول اليها، وقد اسرع الى اقرب بيت كان بابه الى البريه ، وعندما وصل اليه، اراد ان يترجل ليطلب حاجته من صاحبه، الذي كان الرجل البخيل نفسه، راه البخيل فاسرع اليه يصيح به:
– لا تترجل يا رجل.. فليس في بيتي شيء اعطيه لك. لا طعام ولا شراب ولا حتى اعواد القش.
صدم الفارس، وبان الالم والتعب الشديد في وجهه، ولانه يكاد يهلك، فانه لم يفتح فمه ولم يكلمه، بل لوى عنق فرسه ودخل القريه ، و وقف امام احد البيوت، وفوجئ تماما بما حصل، فقد خرج صاحب البيت واهله يرحبون بالفارس ايما ترحيب، واسرعوا ليساعدوه على النزول عن فرسه، وربطوا فرسه، وجلبوا له الماء الذي شرب منه فرسه، والماء الذي غسل به وجهه ويديه، وقدموا له الطعام والشراب، وتركوه يستريح وينام من دون ان يسالوه سؤالا واحدا .
وحين استيقظ مستريحا، شبعان مرتويا، سالهم عن جهه المدينه الكبيره ، فارشدوه، ومن لحظته ركب فرسه وانطلق، وهو متعجب كثيرا، انهم حتى اللحظه لم يسالوه من هو؟ ولماذا كان على تلك الحال؟ وكيف وصل؟
بعد ايام دهشت القريه بكاملها، وخرجوا جميعا ينظرون الى ذلك الفارس الذي حضرت معه كوكبه من الفرسان كانه جيش، وهم يسوقون معهم الخيل والحمير المحمله بخيرات كثيره ، وتوقفوا جميعا عند باب.. اسرع صاحبه من بين الجميع يستقبله، فقد عرف من ذلك الفارس الذي جاء بيتهم متعبا جائعا عطشا.. انه الملك صاحب البيت عمل وليمه كبيره دعا اليها جميع اهل القريه . وبعد ان شكر صاحب البيت الملك، اقبل الملك عليه وهو يشكره ويعترف بفضله، وحين علم ان جميع اهل القريه مثله، اقبل عليهم واحدا واحدا.. وهو يقول:
الحمد لله ان في مملكتي اناسا مثلكم ومثل كرمكم، وفي هذه اللحظه .. بعد ان اكل الناس، وامتلاوا فرحا وسرورا، سمع الملك والجميع اصوات بكاء وضرب، وسرعان ما عرفوا به بكاء الرجل البخيل، فارسل الملك يطلبه اليه، وسريعا عرفه.. وساله:
– ما بك يا رجل؟
ولم يتكلم.. الا ان امراه تقربت من الملك واجابته وهي ضاحكه :
– يقول: ان هذه الهدايا كلها امواله.. انها ملكه هو، تناهبها الناس.
وساله الملك:
كيف تكون كل هذه الهدايا التي جلبتها انا معي ملكا لك؟
فاجاب من بين دموعه:
انها اموالي، ضيعتها انا بيدي، لقله معرفتي وحيلتي
وساله:
– كيف يا رجل؟
فاجابه البخيل:
الم تقصد بيتي اولا؟.. الم تحاول ان تنزل ضيفا عندي؟.. لكني.. اه يا ويلتي..يا ويلتي ، فضحك الملك حتى شبع ضحكا، وضحك الذين معه واهل القريه كلهم.. ومن بين ضحكه الكثير سالهم الملك:
– عجيب!.. كيف يعيش مثل هذا البخيل في قريتكم..؟
فرد البخيل:
– احسن عيشه يا سيدي.. فهم يعطون ولا يسالون او ياخذون..
وانفجر الجميع بالضحك من جديد.. وانفجر البخيل بالبكاء، لكن صوت بكائه ضاع وسط ضحكهم الكثير..