قصه اسماعيل عليه السلام كامله
قصه سيدنا اسماعيل
هو ابن ابراهيم البكر وولد السيده هاجر، سار ابراهيم بهاجر – بامر من الله – حتى وضعها وابنها في موضع مكه وتركهما ومعهما قليل من الماء والتمر ولما نفد الزاد جعلت السيده هاجر تطوف هنا وهناك حتى هداها الله الى ماء زمزم ووفد عليها كثير من الناس حتى جاء امر الله لسيدنا ابراهيم ببناء الكعبه ورفع قواعد البيت، فجعل اسماعيل ياتي بالحجر وابراهيم يبني حتى اتما البناء ثم جاء امر الله بذبح اسماعيل حيث راى ابراهيم في منامه انه يذبح ابنه فعرض عليه ذلك فقال “يا ابت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين” ففداه الله بذبح عظيم، كان اسماعيل فارسا فهو اول من استانس الخيل وكان صبورا حليما، يقال انه اول من تحدث بالعربيه البينه وكان صادق الوعد، وكان يامر اهله بالصلاه والزكاه ، وكان ينادي بعباده الله ووحدانيته.
المسيره
سيرته:
الاختبار الاول:
ذكر الله في كتابه الكريم، ثلاث مشاهد من حياه اسماعيل عليه السلام. كل مشهد عباره عن محنه واختبار لكل من ابراهيم واسماعيل عليهما السلام. اول هذه المشاهد هو امر الله سبحانه وتعالى لابراهيم بترك اسماعيل وامه في واد مقفر، لا ماء فيه ولا طعام. فما كان من ابراهيم عليه السلام الا الاستجابه لهذا الامر الرباني. وهذا بخلاف ما ورد في الاسرائيليات من ان ابراهيم حمل ابنه وزوجته لوادي مكه لان ساره -زوجه ابراهيم الاولى- اضطرته لذلك من شده غيرتها من هاجر. فالمتامل لسيره ابراهيم عليه السلام، سيجد انه لم يكن ليتلقى اوامره من احد غير الله.
انزل زوجته وابنه وتركهما هناك، ترك معهما جرابا فيه بعض الطعام، وقليلا من الماء. ثم استدار وتركهما وسار.
اسرعت خلفه زوجته وهي تقول له: يا ابراهيم اين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه شيء؟
لم يرد عليها سيدنا ابراهيم وظل يسير.. عادت تقول له ما قالته وهو صامت.. اخيرا فهمت انه لا يتصرف هكذا من نفسه.. ادركت ان الله امره بذلك فسالته: هل الله امرك بهذا؟
فقال ابراهيم عليه السلام: نعم.
قالت زوجته المؤمنه العظيمه : لن نضيع ما دام الله معنا وهو الذي امرك بهذا.
وسار ابراهيم حتى اذا اخفاه جبل عنهما وقف ورفع يديه الكريمتين الى السماء وراح يدعو الله:
ربنا اني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاه فاجعل افئده من الناس تهوي اليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون (37) (ابراهيم)
لم يكن بيت الله قد اعيد بناؤه بعد، لم تكن الكعبه قد بنيت، وكانت هناك حكمه عليا في امر الله سبحانه لابراهيم، فقد كان اسماعيل -الطفل الذي ترك مع امه في هذا المكان- ووالده من سيكونان المسؤولان بناء الكعبه فيما بعد.. وكانت حكمه الله تقضي ان يسكن احد في هذا الوادي، لميتد اليه العمران.
بعد ان ترك ابراهيم زوجته وابنه الرضيع في الصحراء بايام نفد الماء وانتهى الطعام، وجف لبن الام.. واحست هاجر واسماعيل بالعطش.
بدا اسماعيل يبكي من العطش.. فتركته امه وانطلقت تبحث عن ماء.. راحت تمشي مسرعه حتى وصلت الى جبل اسمه “الصفا”.. فصعدت اليه وراحت تبحث به عن بئر او انسان او قافله .. لم يكن هناك شيء. ونزلت مسرعه من الصفا حتى اذا وصلت الى الوادي راحت تسعى سعي الانسان المجهد حتى جاوزت الوادي ووصلت الى جبل “المروه “، فصعدت اليه ونظرت لترى احدا لكنها لم تر احدا. وعادت الام الى طفلها فوجدته يبكي وقد اشتد عطشه.. واسرعت الى الصفا فوقفت عليه، وهرولت الى المروه فنظرت من فوقه.. وراحت تذهب وتجيء سبع مرات بين الجبلين الصغيرين.. سبع مرات وهي تذهب وتعود – ولهذا يذهب الحجاج سبع مرات ويعودون بين الصفا والمروه احياء لذكريات امهم الاولى ونبيهم العظيم اسماعيل. عادت هاجر بعد المره السابعه وهي مجهده متعبه تلهث.. وجلست بجوار ابنها الذي كان صوته قد بح من البكاء والعطش.
وفي هذه اللحظه اليائسه ادركتها رحمه الله، وضرب اسماعيل بقدمه الارض وهو يبكي فانفجرت تحت قدمه بئر زمزم.. وفار الماء من البئر.. انقذت حياتا الطفل والام.. راحت الام تغرف بيدها وهي تشكر الله.. وشربت وسقت طفلها وبدات الحياه تدب في المنطقه .. صدق ظنها حين قالت: لن نضيع ما دام الله معنا.
وبدات بعض القوافل تستقر في المنطقه .. وجذب الماء الذي انفجر من بئر زمزم عديدا من الناس.. وبدا العمران يبسط اجنحته على المكان.
كانت هذه هي المحنه الاولى.. اما المحنه الثانيه فهي الذبح.
الاختبار الثاني:
كبر اسماعيل.. وتعلق به قلب ابراهيم.. جاءه العقب على كبر فاحبه.. وابتلى الله تعالى ابراهيم بلاء عظيما بسبب هذا الحب. فقد راى ابراهيم عليه السلام في المنام انه يذبح ابنه الوحيد اسماعيل. وابراهيم يعمل ان رؤيا الانبياء وحي.
انظر كيف يختبر الله عباده. تامل اي نوع من انواع الاختبار. نحن امام نبي قلبه ارحم قلب في الارض. اتسع قلبه لحب الله وحب من خلق. جاءه ابن على كبر.. وقد طعن هو في السن ولا امل هناك في ان ينجب. ثم ها هو ذا يستسلم للنوم فيرى في المنام انه يذبح ابنه وبكره ووحيده الذي ليس له غيره.
اي نوع من الصراع نشب في نفسه. يخطئ من يظن ان صراعا لم ينشا قط. لا يكون بلاء مبينا هذا الموقف الذي يخلو من الصراع. نشب الصراع في نفس ابراهيم.. صراع اثارته عاطفه الابوه الحانيه . لكن ابراهيم لم يسال عن السبب وراء ذبح ابنه. فليس ابراهيم من يسال ربه عن اوامره.
فكر ابراهيم في ولده.. ماذا يقول عنه اذا ارقده على الارض ليذبحه.. الافضل ان يقول لولده ليكون ذلك اطيب لقلبه واهون عليه من ان ياخذه قهرا ويذبحه قهرا. هذا افضل.. انتهى الامر وذهب الى ولده (قال يا بني اني ارى في المنام اني اذبحك فانظر ماذا ترى). انظر الى تلطفه في ابلاغ ولده، وترك الامر لينظر فيه الابن بالطاعه .. ان الامر مقضي في نظر ابراهيم لانه وحي من ربه.. فماذا يرى الابن الكريم في ذلك؟ اجاب اسماعيل: هذا امر يا ابي فبادر بتنفيذه (يا ابت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين). تامل رد الابن.. انسان يعرف انه سيذبح فيمتثل للامر الالهي ويقدم المشيئه ويطمئن والده انه سيجده (ان شاء الله من الصابرين). هو الصبر على اي حال وعلى كل حال.. وربما استعذب الابن ان يموت ذبحا بامر من الله.. ها هو ذا ابراهيم يكتشف ان ابنه ينافسه في حب الله. لا نعرف اي مشاعر جاشت في نفس ابراهيم بعد استسلام ابنه الصابر.
ينقلنا الحق نقله خاطفه فاذا اسماعيل راقد على الارض، وجهه في الارض رحمه به كيلا يرى نفسه وهو يذبح. واذا ابراهيم يرفع يده بالسكين.. واذا امر الله مطاع. (فلما اسلما) استخدم القران هذا التعبير.. (فلما اسلما) هذا هو الاسلام الحقيقي.. تعطي كل شيء، فلا يتبقى منك شيء.
عندئذ فقط.. وفي اللحظه التي كان السكين فيها يتهيا لامضاء امره.. نادى الله ابراهيم.. انتهى اختباره، وفدى الله اسماعيل بذبح عظيم – وصار اليوم عيدا لقوم لم يولدوا بعد، هم المسلمون. صارت هذه اللحظات عيدا للمسلمين. عيدا يذكرهم بمعنى الاسلام الحقيقي الذي كان عليه ابراهيم واسماعيل.
خبر زوجه اسماعيل:
عاش اسماعيل في شبه الجزيره العربيه ما شاء الله له ان يعيش.. روض الخيل واستانسها واستخدمها، وساعدت مياه زمزم على سكنى المنطقه وتعميرها. استقرت بها بعض القوافل.. وسكنتها القبائل.. وكبر اسماعيل وتزوج، وزاره ابراهيم فلم يجده في بيته ووجد امراته.. سالها عن عيشهم وحالهم، فشكت اليه من الضيق والشده .
قال لها ابراهيم: اذا جاء زوجك مريه ان يغير عتبه بابه.. فلما جاء اسماعيل، ووصفت له زوجته الرجل.. قال: هذا ابي وهو يامرني بفراقك.. الحقي باهلك.
وتزوج اسماعيل امراه ثانيه .. زارها ابراهيم، يسالها عن حالها، فحدثته انهم في نعمه وخير.. وطاب صدر ابراهيم بهذه الزوجه لابنه.
الاختبار الثالث:
وها نحن الان امام الاختبار الثالث.. اختبار لا يمس ابراهيم واسماعيل فقط. بل يمس ملايين البشر من بعدهم الى يوم القيامه .. انها مهمه اوكلها الله تعالى لهذين النبيين الكريمين.. مهمه بناء بيت الله تعالى في الارض.
كبر اسماعيل.. وبلغ اشده.. وجاءه ابراهيم وقال له: يا اسماعيل.. ان الله امرني بامر. قال اسماعيل: فاصنع ما امرك به ربك.. قال ابراهيم: وتعينني؟ قال: واعينك. فقال ابراهيم: فان الله امرني ان ابني هنا بيتا. اشار بيده لصحن منخفض هناك.
صدر الامر ببناء بيت الله الحرام.. هو اول بيت وضع للناس في الارض.. وهو اول بيت عبد فيه الانسان ربه.. ولما كان ادم هو اول انسان هبط الى الارض.. فاليه يرجع فضل بنائه اول مره .. قال العلماء: ان ادم بناه وراح يطوف حوله مثلما يطوف الملائكه حول عرش الله تعالى.
بنى ادم خيمه يعبد فيها الله.. شيء طبيعي ان يبني ادم -بوصفه نبيا- بيتا لعباده ربه.. وحفت الرحمه بهذا المكان.. ثم مات ادم ومرت القرون، وطال عليه العهد فضاع اثر البيت وخفي مكانه.. وها هو ذا ابراهيم يتلقى الامر ببنائه مره ثانيه .. ليظل في المره الثانيه قائما الى يوم القيامه ان شاء الله. وبدا بناء الكعبه ..
هدمت الكعبه في التاريخ اكثر من مره ، وكان بناؤها يعاد في كل مره .. فهي باقيه منذ عهد ابراهيم الى اليوم.. وحين بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تحقيقا لدعوه ابراهيم.. وجد الرسول الكعبه حيث بنيت اخر مره ، وقد قصر الجهد بمن بناها فلم يحفر اساسها كما حفره ابراهيم.
نفهم من هذا ان ابراهيم واسماعيل بذلا فيها وحدهما جهدا استحالت -بعد ذلك- محاكاته على عدد كبير من الرجال.. ولقد صرح الرسول بانه يحب هدمها واعادتها الى اساس ابراهيم، لولا قرب عهد القوم بالجاهليه ، وخشيته ان يفتن الناس هدمها وبناؤها من جديد.. بناؤها بحيث تصل الى قواعد ابراهيم واسماعيل.
اي جهد شاق بذله النبيان الكريمان وحدهما؟ كان عليهما حفر الاساس لعمق غائر في الارض، وكان عليهما قطع الحجاره من الجبال البعيده والقريبه ، ونقلها بعد ذلك، وتسويتها، وبناؤها وتعليتها.. وكان الامر يستوجب جهد جيل من الرجال، ولكنهما بنياها معا.
لا نعرف كم هو الوقت الذي استغرقه بناء الكعبه ، كما نجهل الوقت الذي استغرقه بناء سفينه نوح، المهم ان سفينه نوح والكعبه كانتا معا ملاذا للناس ومثوبه وامنا.. والكعبه هي سفينه نوح الثابته على الارض ابدا.. وهي تنتظر الراغبين في النجاه من هول الطوفان دائما.
لم يحدثنا الله عن زمن بناء الكعبه .. حدثنا عن امر اخطر واجدى.. حدثنا عن تجرد نفسيه من كان يبنيها.. ودعائه وهو يبنيها:
واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم (127) ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امه مسلمه لك وارنا مناسكنا وتب علينا انك انت التواب الرحيم (128) ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم اياتك ويعلمهم الكتاب والحكمه ويزكيهم انك انت العزيز الحكيم (129) (البقره )
ان اعظم مسلمين على وجه الارض يومها يدعوان الله ان يتقبل عملهما، وان يجعلهما مسلمين له.. يعرفان ان القلوب بين اصبعين من اصابع الرحمن. وتبلغ الرحمه بهما ان يسالا الله ان يخرج من ذريتهما امه مسلمه له سبحانه.. يريدان ان يزيد عدد العابدين الموجودين والطائفين والركع السجود. ان دعوه ابراهيم واسماعيل تكشف عن اهتمامات القلب المؤمن.. انه يبني لله بيته، ومع هذا يشغله امر العقيده .. ذلك ايحاء بان البيت رمز العقيده . ثم يدعوان الله ان يريهم اسلوب العباده الذي يرضاه، وان يتوب عليهم فهو التواب الرحيم. بعدها يتجاوز اهتمامها هذا الزمن الذي يعيشان فيه.. يجاوزانه ويدعوان الله ان يبث رسولا لهؤلاء البشر. وتحققت هذه الدعوه الاخيره .. حين بعث محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم.. تحققت بعد ازمنه وازمنه .
انتهى بناء البيت، واراد ابراهيم حجرا مميزا، يكون علامه خاصه يبدا منها الطواف حول الكعبه .. امر ابراهيم اسماعيل ان ياتيه بحجر مميز يختلف عن لون حجاره الكعبه .
سار اسماعيل ملبيا امر والده.. حين عاد، كان ابراهيم قد وضع الحجر الاسود في مكانه.. فساله اسماعيل: من الذي احضره اليك يا ابت؟ فاجاب ابراهيم: احضره جبريل عليه السلام.
انتهى بناء الكعبه .. وبدا طواف الموحدين والمسلمين حولها.. ووقف ابراهيم يدعو ربه نفس دعائه من قبل.. ان يجعل افئده من الناس تهوي الى المكان.. انظر الى التعبير.. ان الهوى يصور انحدارا لا يقاوم نحو شيء.. وقمه ذلك هوى الكعبه . من هذه الدعوه ولد الهوى العميق في نفوس المسلمين، رغبه في زياره البيت الحرام.
وصار كل من يزور المسجد الحرام ويعود الى بلده.. يحس انه يزداد عطشا كلما ازداد ريا منه، ويعمق حنينه اليه كلما بعد منه، وتجيء اوقات الحج في كل عام.. فينشب الهوى الغامض اظافره في القلب نزوعا الى رؤيه البيت، وعطشا الى بئر زمزم.
قال تعالى حين جادل المجادلون في ابراهيم واسماعيل.