منهج التربية الاسلامية للطفل المسلم



يهمنا فهذا المقال ان نتحدث عن مظاهر الاهتمام بمرحلة فعمر الانسان هى مرحلة الطفولة التي تشتد بها الحاجة الي رعاية تربوية كان للاسلام بها توجيهه، كان للشريعة بها منهج و اضح نحاول اعطاء لمحة عنة فالعناصر الاتية :


– التربية حق للطفل


– الطفل فبيئتة الاولى


– الطفل فمحيطة المدرسي


– و سائل التربية الاسلاميه


– شمول التربية الاسلاميه


وقد كان اعتمادنا علي ما جاء بة القرءان الكريم و السنة النبوية و اقوال فقهائنا الذين استنطاعوا بادراكهم لمبادئ شريعتنا ان يخططوا منهجا تربويا لرعاية الطفل المسلم حتي يصبح عضوا صالحا نافعا فمجتمعة … و كما يجد الباحث هذة الاقوال الفقهية متناثرة فكتب الفقة العامة فهو يجدها فكتب مستقلة خصت التربية . بالتاليف و برهنت علي اعتناء علمائنا بموضوعنا الخطير.

التربية حق للطفل :


ان الغرض من تعليم و تربيتة ان يتزود بخلاصة الحضارة التي تسود مجتمعه، و ان يستعد لمواجهة مطالب الحياة الاجتماعية و ان تنمو ملكاتة و ان يتعلم الاعتماد علي النفس، و يكسب القدرة علي القيام ببعض الاعمال و يتجنب مواطن الزلل و الانحراف، و يصبح عضوا نافعا فمجتمعه.


وقد كانت شريعتنا ترمى الي جميع هذة الاغراض السامية عندما اعتبرت التربية الموصلة الي هذة الاغراض حقا من حقوقة علي ابوية و علي المسؤولين علي حظوظ مجتمعه.


وتبدا حقوق الولد علي ابية قبل الولادة : هذا ان الرجل مطالب بان يحسن انتقاء منبت ذريتة (1) فيراعى فاختيار زوجتة كدينها و حسن خلقها لتؤدى دورها التربوى كاملا بعد الانجاب، مطالب


بان يحسن الي هذة الزوجة و يعاشرها بالمعروف ليعبق اريج السعادة فجو المنزل و يجد فية الطفل امنة و استقرارة و توازنة النفسى (وعلماء الطب النفسى و خبراء الطفولة و علماء الاجرام يقررون ان اغلب زوارهم خرجوا من البيوت الائمة و المحطمة او التي خلت من الود و التفاهم القائم علي الثقة و الاحترام، و من تلك البيوت التي فشل اربابها فالاحتفاظ بتوازن رائع بين القيد و الحرية و من تلك التي جهل الاباء بها ما لدي الاطفال من شعور و حاجة ) (2).


ومن حق الولد علي و الدة يحسن اسمة فقد روي عن النبى صلي الله علية و سلم انه قال : (حق الولد علي و الدة ان يحسن اسمة و يحسن ادبه) (3).


ولا يخفي ما للاسم الحسن من اثر فنفس صاحبة فنشاتة عند كبره.


ومن حقوق الابناء العدل بينهم فالعطاء فقد روي النعمان بن بشير انه صلي الله علية و سلم قال : (اعدلوا بين ابنائكم، اعدلوا بين ابنائكم اعدلوا بين ابنائكم) (4).


وفى رواية اخري يربط علية الصلاة و السلام بين التقوي و العدل بين الاولاد فيقول :


(اتقوا الله و اعدلوا فاولادكم) (5).


كما يصرح بان ذلك العدل حق للابناء فيقول علية الصلاة و السلام:


(ان لبنيك من الحق ان تعدل بينهم ) (6).


ولهذا العدل اثرة فنفوس الاطفال، و هو من العوامل التي تغرس فيهم الثقة و المودة و روح الانسجام.


وطبيعى ان تبدا الحقوق المادية للاطفال منذ و لادتهم، لحاجة اجسامهم الي الغذاء لتصح و تنمو، فالحضانة حق لهم كما سنري فالعنصر القادم و الارضاع اقرة الله تعالي بقولة : ( و الوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لمن اراد ان يتم الرضاعة ) (7).


ومن حق المولود ان لا بنقى الاب نسبة عنة اذا كان فراش امة ربما ثبت حتي ينعم بدفء حياة الاسرة و لا يحرم من لحوق نسبة لان لهذا الحرمان اثرا عميقا فالنفس.


وهذا الحق يعدة ابو الحسن المارودى من الحقوق المشتركة بين الله و الادميين و يجعل حمايتة راجعة للمحتسب المكلف برعاية الحقوق و المصالح فالمجتمع و مقاومة المنكر الظاهر بانواعه، و هو يقول فذلك :


(من نفي و لدا ربما ثبت فراش امة و لحوق نسبة اخذة المحتسب باحكام الاباء جبرا و عززة عن النفى ادبا) (8).


ويدلكم ذلك علي حرص نظامنا الاسلامى علي حماية حقوق الاطفال حتي اعتبرها من حقوق الله تعالى.


وحتي الطفل اللقيط مجهول الابوين له الحق الكفالة الذي هو فنفس الوقت حق للة تعالي – ( من اخذ لقيطا و قصر فكفالته، امره( المحتسب) ان يقوم بحقوق التقاطة من التزام كفالتة او تسليمة الي من يلتزمها و يقوم بها) (9).


وان الاعتناء بالجانب الاخلاقى لدي الطفل لهى من حقوقة البارزة التي و جة الدين اليها و رغب بها حتي اعتبر الرسول صلي الله علية و سلم انه ( ما نحل و الد و لدا اروع من ادب حسن) (10) و حتى   قال قال علية اروع الصلاة و ازكي السلام فيما رواة جابر عن سمرة : ( ان يؤدب احدكم و لدة خير له ان يتصدق جميع يوم بنصف صاع علي المساكين).


ولقد اهتم فقهاؤنا طبعا علي ذلك الحق حتي يؤدي علي اقوى و جة و كانوا يحركون الوازع للقيام بة و يجمعون من نصوص الوحى ما يبرز قيمتة حتي لا يتهاون الناس فالقيام بة . . . من هذا ان الامام ابا الحسن القابسى يقول : ( الذي يعلم و لدة فيحسن تعليمه، و يؤدبة فيحسن تاديبه، فقد عمل فو لدة عملا حسنا يرجي له من تضعيف الاجر فيه، كما قال تعالي : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفة له اضعافا كثيرة ) (11).


انها مسؤولة التربية التي يجب ان يسعر فيها جميع الاباء و ربما قال فشانها بعض علمائنا :


( ان الله سبحانة يسال الوالد عن و لدة يوم القيامة قبل ان يسال الولد عن و الده، فانة كما ان للاب علي ابنة حقا، فللابن علي ابية حق: فكما قال تعالي : و وصينا الانسان بوالدية حسنا) . و قال تعالي : (قوا انفسكم و اهليكم نارا و قودها الناس و الحجارة ) (12).

الطفل فبيئتة الاولي :


ان للطفل مكانتة فالاسرة : فهو بهجتها و زينة حياتها و القرءان الكريم يقول : ( المال و البنون زينة الحياة الدنيا) (13). و ربما استحب ان يبشر من و لد له مولود و ان يهنا . . . استمد الفقهاء ذلك الحكم من قولة تعالي : ( فبشرناة بغلام حليم) (14)، و قولة سبحانة : ( فنادتة الملائكة و هو قائم يصلى فالمحراب ان الله يبشرك بيحيى) (15).


وقد اترت عن الحسن البصرى صيغة التهنئة الاتية ( بورك فالموهوب شكرت الواهب ، و بلغ اشدة و رزقت بره) (16).


وهنا لا فرق بين ان يصبح المولود ذكرا او انثي فالفرحة تشع فبيت المسلم بالمولود مهما كان نوعة ل( ان السخط بالاناث من اخلاق الجاهلية الذين ذمهم سبحانة و تعالي فقولة :


(واذا بشر احدهم بالانثي ظل و جهة مسودا، و هو كظيم يتواري من القوم من سوء ما بشر بة ايمسكة علي هون ام بدسة فالتراب ، الا ساء ما يحكمون) (17).


لقد غير الاسلام هذة العقلية الجاهلية التي تتشاءم من البنت و تؤثر فبعض الاحيان سلبها الحياة ، و اراد ان تستقل كاخيها فجو البهجة و الحبور و التفاؤل و جعل الاحسان اليها و الاعتناء بتربيتها من العبادة التي تجلب اجرا اخرويا : يقول نبينا علية الصلاة و السلام : ( من ابتلي من هذة البنات بشيء فاقوى اليهن كن له سترا من النار)(18).


ويروى انس بن ما لك انه صلي الله علية و سلم يقول : (ومن عال جارتين حتي تبلغا، جاء يوم القيامة انا و هو هلكا) ( و ضع اصبعيه) (19). و ربما و جهنا النبى علية صلاة الله و سلامة الي ان تكون علاقتنا بابنائنا مصطبغة بالرحمة و المودة ، فعن ابى هريرة ان رسول الله صلي الله علية و سلم قبل الحسين بن على و عندة الاقرع بن حابس التميمى جالس ، فقال : ان لى عشرة من الولد ما قبلت احد منهم ، فقال له صلي الله علية و سلم : ( من لا يرحم لا يرحم) (20).


وتروى عائشة رضى الله عنها انه قال لقوم لم يكونوا يقبلون صبيانهم : ( او املك ان كان الله نزع من قلوبكم الرحمة ) (21).


ان الابناء فمرحلة طفولتهم لفى اشد الحاجة الي عاطفة حارة و اعتناء شاملة حتي نضمن سلامتهم النفسية و ندرا عنهم شبح الخوف و القلق الذي كان خطرة و اضحا لدي العديد من اطفال بلاد مصنعة فعصرنا، لم يسمح الوقت و المشاغل باشباع نفوسهم بمظاهر العطف و الرعاية المعنوية رغم توفر البذخ المادى و نوعيات الثرف .


وقد اوجب تشريعنا الاسلامى علي الاباء النفقة بالمعروف علي ابنائهم حتي لا يكونوا عرضة للجوع و العري و حتي لا ينهشهم الحرمان القاسي.


وفى حالة موت الاب هنالك نظام للوصاية علي الابناء حتي يبقوا تحت رعاية الوصى الامين و الحاكم العادل، و هنالك نظام التصرف فاموالهم حتي تنفق فيما يجديهم.


اما فحالة فراق الابوين بالطلاق، فان احكام الحضانة التي ضبطها فقهنا الاسلامى تقوم علي مراعاة مصالح الطفل المحضون و تهدف الي سلامة تربيتة : من هذا ان هذة الاحكام تجعل النسوة القريبات من جهة الام بحضانتة مع ترتيب تراعي فية درجة القرابة التي تتبعها عادة قوة العطف علية و مع اعتبار للجو الذي يتوفر عند الحاضنة حتي يصبح سليما من شوائب الفساد التي تؤثر فاخلاقة و سلوكة و مع بقاء اشراف الاب علية لتاديبه.


يقول عبدالرحمن بن القاسم عن الاب الذي يحتاج الي تاديب ابنة المحضون عند امة المطلقة : (يؤدبة بالنهار و يبعثة الي الكتاب، و ينقلب الي امة بالليل فحضانتها و يؤدبة عند امه، و يتعاهدة عند امة و لا يفرق بينة و بينها الا ان تتزوج) (22).


وانما عهد بالحضانة الي الام او غيرها من القريبات لانهن اقدر علي القيام بشؤون الاطفال و تنظيفهم و الاعتناء بماكلهم و ملبسهم . . .(23).


ولكن لا بد من توفر شرط الكفاية عند الحاضن حتي يصبح المحيط ملائما لتربية الطفل فقد قال الامام عن حرمان من لم تتوفر عندة الكفاية من حق الحضانة :


( اذا كانوا ليسوا فثقة و لا كفاية فلا نعطى الجدة الولد و لا الوالد اذا كانوا ليسوا بممونين، و لا ياخذ الولد الا من قبلة الكفالة لهم) (24).


وقال كذلك مشيرا الي جعل مصلحة الطفل فالمكانة الاولي :


( لا ينبغى ان يضر بالولد، و ينبغى ان ينظر للولد فذلك بالذى هو و اكفا و احرز) (24).


والبنت المحضونة تبقي عند امها الي ان تتزوج (البنت) ما دام جو حياة امها مناسبا (فان خيف علي البنت فموضع الام و لم تكن الام فتحصين و لا منة او تكون الام لعلها ليست بمرضية حال، ضم الجارية ابوها الية او اولياؤها اذا كان فالموضع الذي تضم اليه، كفالة و حرص) كما عبرت المدونة (25). و اذا ابتليت البنت المحضونة ببيئة فاسدة لدي امها و لدي ابيها فنفس الوقت، فان امرها يوكل الي الحاكم (25) ليختار لتربيتها بيئة نظيفة .


هذا و ان علي الابوين ان يعتبرا الطفل امانة بين ايديهما و ان يتذكرا (قلبة الطاهر جوهرة نفسية ساذجة خالية من جميع نقش و صورة ، و هو قابل لكل ما ينقش علية و ما ئل الي جميع ما يحال اليه) كما يعبر الامام الغزالى (26).


هذا القلب الطاهر ينشا علي الفطرة السليمة و يتقبل دين الفطرة فيصبح لتعاليمة الاثر الفعال فتوجيهة التربوى . . . اذا لم يطرا ما يكدر هذة الفطرة الصافية و يعكر صفحتها النقية .


وهنا تحتم التبعة التربوية ان يقع التبكير فتحبيب الفضائل الي الطفل و هو يدرج فبيئتة الاولي : يقول فيلسوف الاسلام ابو على الحسن بن سينا :


( اذا فطم الصبى عن الرضاع بدئ بتاديبة و رياضة اخلاقة قبل ان تهجم علية الاخلاق اللئيمة ، فان الصبى تتبادر الية مساوئ الاخلاق، فما تمكن منة من هذا غلب علية فلم يستطع له مفارقة و لا عنة نزوعا) (27). و يوصى ابن قيم الجوزية بتجنيب الصبى اذا عقل المجالس التي يصبح بها لهو او باطل او غناء فاحش او كلام بذئ او بدع ضالة لان ما يعلق بسمعة يعسر مفارقتة بعد ان يكبر و يصعب علي و لية استنقاذة منه، خاصة و ان (تغيير العوائد من اصعب الامور يحتاج صاحبة الي استجداد طبيعة ثانية =) (28).


وما اكثر التوجيهات التي جاءت علي السنة الفقهاء و علماء الاخلاق مقتضية مزيد الحرص علي الجوهرة النفسية التي هى قلب الطفل الطاهر : فقد نهى عن تعليمة سخيف الاشعار و مسترذلها (29) لما لها من اثر علي و جدانة الصافي، و ربما نهى عن ترك الفرصة له فالبيت للاطلاع علي المواريث، حيث قال تعالي :


«يا ايها الذين امنوا ليستاذنكم الذين ملكت ايمانكم و الذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر و حين تضعون ثيابكم من الظهيرة و من بعد صلاة العشاء» (30).


وقد علق علي هذا الاستاذ على القاضى فلاحظ ان ذلك ادب لا يستهان باثارة النفسية و العبنوتة و الخلقية اذ ( يقرر النفسيون اليوم ان المشاهد التي تقع عليها انظار الاطفال فصغرهم هى التي تؤثر فحياتهم كلها و ربما تصيبهم بامراض نفسية و عبنوتة يصعب شفاؤهم منها ) (31) .


فلنلاحظوا – اخواتى الكرام – الي اي مدي و صل المنهج التربوى فمراعاة الصحة النفسية لاطفالنا.


ولما كان للعب دورة فتنشيط الاطفال و درء الكبت عنهم و اثرة فتربيتهم الجسمية و فتعليمهم بعض الامور احيانا فقد اقرة كثير من المربين المسلمين.


ونحن نتروح هذا من و صية عمر بن الخطاب التي تقول : ( علموا اولادكم العوم و الرماية و مروهم فليثبوا علي الخيل و ثبا ) ( 32 ) .


ومما يحكي ان ابا سعيد الاصطخرى الشافعى لما تولي خطة الحسبة ببغداد فايام المقتدر العباسى اقر سوق اللعب و لم يمنع منها ، قائلا : ( ربما كانت عائشة تلعب بالبنات بمشهد رسول الله صلي الله علية و سلم فلم ينكر عليها ) و يعلق ابو الحسن المارودى علي كلامة بقولة : ( ليس ما ذكره  من اللعب بالبعيد من الاجتهاد ) يعلق بذلك بعد ان يبين ان لعب البنات بالدمي لا يقصد بة معصية تقديس الوثن و انما هو لغاية تربوية هى ( الف البنات لتربية الولاد، و بها و جة من و جوة التدبير و بحسب ما تقتضية شواهد الاحوال يصبح انكار اللعب و اقرارة ) (33) .


وهكذا اقروا من اللعب ما كانت غايتة نبيلة كاعداد الفتاة للحياة بتدريبها علي شؤون الاعتناء بالذرية و تربيتهم و علي هذا تقاس نوعيات اللعب التي يمارسها الاولاد و البنات، و التي ممكن ان يستغل البرئ منها لتحبيب بعض المهن او لاكتساب بعض البراعات اليدوية و الملكات الذهنية . الطفل فمحيطة المدرسى ادرك المربون المسلمون ان مؤسسات الدراسة ينبغى ان تكون متفاوتة متدرجة و يصبح لرواد جميع منها مستوي معين، و من هنا كان الكتاب او المكتب و المجسد و المدرسة تؤدى و ظيفة التعليم و تظهر للمجتمع الاسلامى فئات العلماء فمختلف فنون المعرفة .


ويهمنا من هذة المؤسسات ان نتحدث عن التي تقتبل الابناء فمرحلة طفولتهم لتعليمهم و تهذيب اخلاقهم : و كثيرا ما نصحوا ( بان يصبح طلب العلم فالصغر ليصبح كوشم فحجر ) (34) .


وكل اب مسلم يشعر بمسؤولية الابوة ، لا يغفل امر تعليم ابنائه، يقول ابن قيم الجوزية :


( من اهمل تعليم و لدة ما نفعة و تركة سدي فقد اساء الية غاية الاساءة ، و اكثر الاولاد انما جاء فسادهم من قبل الاباء و اهمالهم و ترك تعليمهم فرائض الدين و سننه، فاضاعوهم صغارا فلم ينتفعوا بانفسهم و لم ينفعوا اباءهم كبارا ) ( 35) .


فلاهمال التعليم نتائجة الوخيمة – كما ترون – سواء بالنسبة للذكر او بالنسبة للانثي التي ينبغى ان لا تحرم نور العلم و ان تتلقي من المعرفة و التوجية ما يفيدها و ما يجعل منها عضوا نافعا فبيئتها .


وقد استشهد افمام القابسى علي ان ( تعليم الانثي القرءان و العلم حسن و من مصالحها … ) باذن النبى صلي الله علية و سلم للنساء فشهود العبد و سماع المواعظ و الخير و يصبح القرءان الكريم ربما اخذ علي المؤمنات فيما عليهن كما اخذ علي المؤمنين فيما عليهم و هذا فقولة تعالي :


( و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة اذا قضي الله و رسولة امرا ان تكون لهم الخيرة من امرهم ) ( 36).


وبكونة تعالي امر ازواج نبية علية السلام ان يبلغن سنتة و يذكرن ما يسمهن منة صلي الله علية و سلم فقال تعالي :


« و اذكرن ما يتلي فبيوتكن من ايات الله و الحكمة » ( 37 ).


ويقول القايسى بعد ذلك :


( فكيف لا يعلمن الخير و ما يعين علية ؟ و يصرف عنهن القائم عليهن ما يحذرن عليهن منة اذ هو الراعى فيهن و المسؤول عنهن ) ( 38) .


ومن فقهائنا من يتحدث عن النية التي ينويها الاب بقلبة عند ارسال ابنائة الي المؤسسة التعليمية و عن النية التي ينويها المعلمون عند مباشرتهم و ظيفة التعليم فالاول ينوى ( اداء ما قلدة الله بة من ازالة جهل ابنة اذ جميع راع مسئول عن رعيتة ) و الثاني ينوى ( ابقاء ما دة تلاوة القرءان الي قيام الساعة و اعانة علي مفخرة مولانا محمد صلي الله علية و سلم ) كما يعبر احمد بن ابى جمعة المغراوى ( 38 ) . و كلاهما يصبح ما جورا علي نيتة و قصدة السامي، و لتتصور عظم ذلك الاجر و وفرتة نستمع الي ذلك الحوار الذي دار بين امام قطرنا الكبير محمد بن سحنون و احد اباء تلاميذة فقد قال الاب للفقية المدرس ابن سحنون :


– انى اتولي العمل بنفسى و لا اشغل ابنى عما هو فية من تلقى العلم فحلقة دروسك.


فقال له ابن سحنون :


– اعلمت ان اجرك فذلك اعظم من الحج و الرباط و الجهاد؟ (39).


وقد استنتج الامام القابسى من قولة علية الصلاة و السلام للمراة التي سالتة هل لصبيها حج؟


– « نعم و لك اجر».


استنتج منة ان الاجر الحاصل للمراة من حج صبيها من اجل احضلرة موسم الحج و توليها القيام بة فية و سببها فشهودة الخير ( 39 ) و حضورة المناسك التي يصبح لها فنفسة اطيب الاثر.


وقد حدد فقهاؤنا ما ينبغى ان يتوفر فمن يتولي مهمة تعليم الصبيان ليصبح عملة ناجعا و ليؤدى مهمتة التربوية علي امثل و جه، و ضبطوا نوع العلاقة التي ينبغى ان تربطة بتلاميذه.


يصبح المعلم ( من اهل الصلاح و العفة و الامانة حافظا للكتاب العزيز حسن الخط يدرى الحساب (40) و عند محمد القرشى ابن الاخوة المتوفي سنة 729ة ( الاولي ان يصبح متزوجا و لا يفسح لعزب ان يفتح مكتبا للتعليم الا ان يصبح شيخا كبيرا و ربما اشتهر بالخير و الدين، و مع هذا لا يؤذن بالتعليم الا بتزكية مرضية و بتبوث الاهلية لذا ) ( 40 ).


اما فقيهنا و مفخرتنا محمد بن عرفة المتوفي سنة 803هت فانة يري انه يكفى فالمعلم المتزوج ان يصبح مستور الحال، ( و يسال عن غيرة فان لم يسمع عنة الا العفاف ابيح له ) و اذا ثبت سوء الاخلاق و عدم الكفاءة فمترشح للتعليم فانة يمنع عن هذة الخطة مطلقا، و ذلك ما جري بة العمل فعهد ابن عرفة (41).


وتكون علاقة المعلم بتلاميذة قائمة علي اساس العدل بينهم، فعن انس بن ما لك انه صلي الله علية و سلم قال :


( ايما مؤدب و لى ثلاثة بنوتة من هذة الامة فلم يعلمهم بالسوية : فقيرهم مع غنيهم و غنيهم مع فقيرهم حشر يوم القيامة مع الخائنين (42).


ويصبح المعلم مع الصبيان حازما غير متجاذل يمزج بين الشدة و الرفق، يقول ابن عرفة فهذا الصدد :


( يصبح المعلم معهم مهابا، لا يصبح عبوسا مغضبا و لا منبسطا، و يصبح مترفقا بالصبيان دون لين) (43) . اي دون مبالغة فاللين الي حد الضعف و فقدان السلطة الادبية : و مراعاة الاحوال الصحية اقتضت تنظيم اوقات الدراسة و عدم المبالغة فالضرب المؤلم للتاديب و السماح بالخروج لاراقة الماء و قضاء الحاجة البشرية لان المنع من هذا يؤدى الي بعض الامراض (44) و اقتضت مراعاة و قت غذائهم كذلك (45) . و اوضح الشوشاوى ان حكم ضرب الصبيان للتاديب مباح فالاصل و يصبح مستحبا فبعض الاحوال ، و عقب ابو جمعة المغراوى علي قولة بان ( الصواب اعتبار حال الصبيان ) (46).   و لئن حدد القابسى عدد الضربات بالثلاث و جعلها اشهب متفاوتة بين الثلاثة و العشرة حسب المخالفة ، فان الجزولى يؤكد ان التاديب يصبح علي قدر الاجتهاد و ان ما لك بن انس لم يري فية حدا الا بقدر ما يراة المعلم (47).


اما المواد التي يتلقاها الطفل فمؤسسة التعليم فالقرءان الكريم و السنة النبوية و علوم اللسان التي تخدم نصوصها و تعين علي فهمها … و ذلك ما يجعل غاية التعليم اسلامية ، و ذلك ما يجعلنا نتمسك بالاصلين اللذين تركهما رسول الله صلي الله علية و سلم فينا و ضمن لنا ان لا نضل ما تمسكنا بهما.


علي ان حرص المسلمين علي التفتح و التقدم الحضارى اقتضي فتح المجال ازاء سائر العلوم و الاقبال علي العلم التجريبى و خوض جميع ميادين المعرفة النافعة التي اعتبرت من فروض الكفاية اعتبارا لمصلحة الامة كلها.


وقد ارتبط التعليم عند المسلمين بالتربية الي حد كبير و بذلك سمت اغراضة و شرفت مقاصدة و ضمن السعادة الكاملة .


وقد راعي احمد بن مسكوية ذلك الارتباط و قدر اهمية الجانب الاخلاقى لدي الاطفال، ذلك الجانب الذي راي ضرورة التدرج فبناء هيكلة و استغلال العلوم الشرعية و علم الاخلاق و العلوم العقلية لبنائة فقال:


( من اتفق له فالصبا ان يربي علي ادب  الشريعة و ياخذ بوظائفها و شرائطها حتي يتعود بها، بعدها ينظر بعد هذا فكتب الاخلاق حتي تتاكد تلك الاداب و المحاسن فنفسة بالبراهين ، بعدها ينظر فالحساب و الهندسة حتي يتعود صدق  القول و صحة البرهان، بعدها يتدرج فمنازل العلوم فهو السعيد الكامل ) (48).


وعلي سبيل الوجوب العينى يتعلم الطفل ما يحتاج الية فدينه، و هو قدر من المعرفة يعتبر ميسرا و فمتناول كل المدارك و به  يتقوم عنصر الايمان و العبادة و العمل عند جميع مسلم، بعدها يفسح له مجال التخصص و التوجة الي ما ظهر ميلة الية و بدا استعدادة له، فيمكن من الاسباب التي تتيح لمواهبة ان تنمو و ملكاتة ان تكتمل فالميدان الذي اختاره، ما دام فهذا الميدان رجاء نفع له و للناس (49) .


هذا و ربما فكر المربون المسلمون فمعالجة المشكلة الجنسية و خاصة فالمحيط المدرسى تلك المشكلة التي راي بعضهم ان عدم معالجتها بحذق و مهارة كان من عوامل الشذوذ و الانحراف و الامراض العبنوتة و النفسية ، فها هو الامام سحنون يذكر ( انه من حسن النظر التفريق بين الذكور و الاناث ) و يكرة خلطتهم لما تؤدى الية من فساد (50)  و ها هو الامام القابسى يوصى المعلم بان يحترس من الاطفال الذين يخاف شرهم الاخلاقى و الذين ناهزوا الاحتلام او كانت لهم جراة يخشي معها فسادهم (51).


وها هو الجزولى ينصح المعلم بان ( لا يحمل بعض الاطفال علي بعض لئلا يؤدى الي فسادهم اذ يخاف بعضهم من بعض فيؤدى الي ان يغرة علية الشيطان فيطلب منة الفساد ) (52).


وها هم المؤلفون فالحسبة العملية يلفتون انظار المعلمين الي ما ينبغى الحذر منة من الوسائل التي توقع الاطفال الابرياء بين براثن الاشرار المصابين بالشذوذ و انحراف : فلا يرسل الطفل الي مكان خال و لا يصحب امراة اجنبية عنة ليكتب لها مكتوبا  و لا مع رجل لهذا الغرض اذ ربما يصبح فذلك خدعة للايقاع بالاطفال الابرياء … (53) و يصبح المرافق لهم امينا ثقة متاهلا لانة يتسلمهم فغدوهم و رواحهم و ينفرد بهم (54).


وهكذا يمكننا ان نقيس علي هذا .. فنمنع الاطفال من ارتياد جميع مواطن الشك درءا للاخطار الخلاقية .


ولما كان للمهمة التي يؤديها المشرفون علي مؤسسات التعليم فالمجتمع الاسلامى خطرها و اثرها فالرقى بمستوي الافراد و فنهضة الامة فقد بلغ المخلصون منهم درجة المتعبدين .. و كان العلماء يوجهونهم الي تمثل ذلك المعني السامى و اشعارهم انهم فروضة من رياض الجنة و كان انطلاقهم لبيان ذلك المعني من بعض الاحاديث النبوية كقولة علية الصلاة و السلام فيما رواة عنة عثمان بن عفان رضى الله عنة : ( خيركم من تعلم القرءان و علمة ) (55)، و الي ذلك المعني السامى يوجة الفقية ابو جمعة المغراوى عندما يقول : ( ليكن المعلم كالمعتكف لا يتهيا للنوم فو قت حقوقهم ( اي التلاميذ) الاغلبية ( للضرورة ) و لا يبتغى بعبادتهم سواها اذ هى روضة من رياض الجنة و تطفئ غضب الله ) (56).


ولكن اذا لم يصبح ذلك التوجية الدينى النبيل ضمير المراقبة و وازعا حيا يقظا لدي بعض المعلمين فان الوازع السلطانى يتدخل نظرا لاهمية الدور المناط بعهدتهم و الذي لا ممكن التغاضى عن التقصير فيه  و يتمثل ذلك الوازع السلطانى الرادع فو ظيفة الاشراف علي اعمالهم و تفقدها و هى و ظيفة اسندت الي المحتسب القائم بتغيير المنكرات الظاهرة و حماية الفراد فالمجتمع المسلم، و ربما تحدث عنها ابو الحسن الملوردى و وضح ان من طرائق التعليم و التربية التي ينشا الصغار عليها ما يعسر نقلهم عنها بعد الكبر و لذلك فغن المحتسب ( يقر منهم اي المعلمين ) من توفر علمة و حسنت طريقتة و يمنع من قصر و اساء، من التصدى لما تفد بة النفوس و تعبت بة ( الاداب ) (57).


منهج التربية الاسلامية للطفل المسلم