مفهوم الوسواس
يعد الوسواس مرضا يبتلى به العبد، وقد يصاب به المؤمن والكافر، الصالح والطالح، وينقسم الى قسمين فمنه ما يعتبر علميا ومنه ما يعتبر اعتقاديا. والوسواس القهري هو ان يجبر الانسان على التفكير بشئ معين قهرا مما يؤدي به الى التوتر النفسي والقلق، ولا يزول حتى يستجيب الشخص لهذه الافكار التي قد تكون غريبه نوعا ما.
ومرض الوسواس يعني ايضا ان يكون امر ما قد سيطر على تفكير الشخص وسلوكه ودام معه في جميع احواله، اما من تخطر له هذه الافكار بين الحين والاخر فانما هي الوسوسه الطارئه وخاطره السوء والهم؛ فهذا لا يعد مرضا، وعلاجه سهل. وقال العلماء: ان العبد لا يحاسب عليه ولا يضره. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ان الله تجاوز لامتي عما وسوست به انفسها ما لم تعمل او تتكلم ) رواه البخاري.
اسباب مرض الوسواس
يكون الوسواس صنع من الشيطان في الدرجه الاولى، وقد يكون مرضا نفسيا، او شيئا خاطئا في الجهاز العصبي. ويبدا الشيطان في الوسوسه للعبد خلال عبادته وعمله وسلوكه، فعلى الشخص الاستعاذه وعدم التفكير فيه، وفي هذه الحاله فانه يتغلب عليه وينهيه، ولكن ان استجاب له وضعف امامه تمرد الشيطان اكثر واكثر حتى يتغلب عليه فيصل الى درجه ان يشككه بدينه وربه ويصبح الشخص اسيرا لهذا. قال عثمان بن ابي العاص :” يا رسول الله: ان الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ذاك شيطان يقال له خنزب ، فاذا احسسته فتعوذ بالله منه، واتفل عن يسارك ثلاثا ). قال : ففعلت ذلك فاذهبه الله عني”. رواه مسلم
وفي اغلب الاحيان يدخل الشيطان على الشخص في حال ضعفه وفتنته بالدنيا وغيرها من احوال ضعف البصيره وقله الاخلاص. قال الله تعالى: ( من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنه والناس ). وقال المعتمر بن سليمان عن ابيه ” ذكر لي ان الشيطان الوسواس ينفث في قلب ابن ادم عند الحزن وعند الفرح؛ فاذا ذكر الله خنس “. وقال ابن عباس في قوله ( الوسواس الخناس ) قال: ” الشيطان جاثم على قلب ابن ادم فاذا سها وغفل وسوس فاذا ذكر الله خنس “.
ويختلف مرض الوسواس من شخص لاخر؛ فمنهم من وسواسه خفيف، ومنهم متوسط، ومنهم شديد، ومنهم من وسواسه في العبادات، ومنهم من في الاعتقادات والعياذ بالله. واحوال وقصص الموسوسين عجيبه ومحزنه في هذا الباب. ((جاء احد الموسوسين المتشككين الى مجلس الفقيه ابن عقيل، فلما جلس، قال للفقيه: اني انغمس في الماء مرات كثيره ، ومع ذلك اشك: هل تطهرت ام لا، فما رايك في ذلك؟فقال ابن عقيل: اذهب، فقد سقطت عنك الصلاه .فتعجب الرجل وقال له: وكيف ذلك؟فقال ابن عقيل: لان النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” رفع القلم عن ثلاثه : المجنون حتى يفيق، والنائم حتى يستيقظ، والصبي حتى يبلغ “. ومن ينغمس في الماء مرارا – مثلك- ويشك هل اغتسل ام لا، فهو بلا شك مجنون )) منقول .
علاج الوسواس
- ان يقتنع الشخص المصاب ان هذا ما هو الا مرض ابتلي به من عند الله، فعليه ان يحتسب ويصبر ويحاول ان يبعده عنه. قال تعالى: ( وما اصابكم من مصيبه فبما كسبت ايديكم ويعفو عن كثير ).
- الاستعاذه من الشيطان في كل حين ومن شروره، وان يلجا الى الله، ويتمسك بالعبادات. قال تعالى ( واما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله انه سميع عليم ).
- ان يوقن انه لا معين له في هذا المرض الا الله تعالى، فيطلب منه العون، ويتوكل على الله. قال تعالى ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ). وقال تعالى: (الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ).
- الاكثار من الدعاء الصادق، ويحبذ ان يكون الدعاء داخل الاماكن الطاهره مثل المساجد ويدعو الله ويحسن الظن به. قال تعالى: ( امن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء ).
- اذا جاءت الوساوس الى راس المبتلى عليه ان يدفعها ويحاول قطعها ويشغل نفسه بامر اخر ديني او دنيوي نافع، ويحاول ان يشغل نفسه في امور تبعده عن هذا التفكير، وان لا يبقى فارغا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ياتي الشيطان احدكم فيقول من خلق كذا وكذا ؟ حتى يقول له من خلق ربك ؟ فاذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته ) رواه مسلم .
- اذا شعر بالوسواس في عقله فليقل ( امنت بالله ). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا خلق الله الخلق ، فمن خلق الله فمن وجد من ذلك شيئا فليقل امنت بالله ) رواه مسلم. وعلى الشخص ان يكثر من النظر في كتاب الله ودلائل الايمان واسماء الله وصفاته وافعاله الجميله والجليله . ويتفكر في ايات الله الكونيه ، وقراءه الاحاديث النبويه ، وسماع كلام اهل الحق والحكمه ، ومجالس العلم. قال تعالى: ( هو الذي انزل السكينه في قلوب المؤمنين ليزدادوا ايمانا مع ايمانهم ).
- ان يجعل ثقته بالله كبيره ، وان يعزم على ان الشيطان ما هو الا مخلوق ضعيف، وانه كشخص اقوى من هذا الشيطان. قال تعالى: ( فقاتلوا اولياء الشيطان ان كيد الشيطان كان ضعيفا ). وقال تعالى: ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الاعلون ان كنتم مؤمنين ).
- ان يداوم على ذكر الله والتفكير فيه وفي عظمته، وان يقرا الفاتحه والمعوذات وسوره البقره ؛ ففي هذا اطمئنان للقلوب والانفس. قال تعالى: ( الذين امنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله الا بذكر الله تطمئن القلوب ).
- واذا ثبت ان الوسواس الذي يصيبك ناشئ عن مرض نفسي فلا تنحرج من تعاطي العلاج النفسي و الاستعانه بالمختصين، وغير ذلك من الاسباب النافعه مع تلاوه القران والذكر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما انزل الله داء الا انزل له شفاء ) رواه البخاري.