ما هو الصبر الحقيقي

ما هو الصبر الحقيقي



فضل الصبر


ليس من كلام ففضل الصبر اوضح و اجلي من كلام امير المؤمنين علية السلام حينما قال: “الصبر اقوى خلل الايمان و اشرف خلائق الانسان”1.


فاذا كان الصبر من اشرف الاخلاق الانسانية فان معني هذا ان الذي يتحلي بة هو من اشرف الناس و اعظمهم اخلاقا، و ذلك ما نراة جليا فامتحان الانبياء علية السلام فان احدي البليات التي يتعرض لها الانبياء لكى ينالوا مقام الامامة الالهية تتطلب الصبر الشديد بحيث لا يستطيع المؤمن العادى تحملة فهذا نبينا ابراهيم علية السلام ربما صبر علي طاعة الله عز و جل بعد ان

27

امرة بذبح و لدة فكاد ان يذبحة لولا الفداء العظيم من الله بعد ان اظهر علية السلام صبرا علي اداء التكليف الالهى فاعطاة الله مقام الامامة الالهية …


فالصبر صفة تدل علي كمال المرء كما دل الحديث عن الامام الصادق علية السلام: “لا ينبغى لمن لم يكن صبورا ان يعد كاملا”2.


وقد امر الله المؤمنين بالصبر كما جاء فالقران الكريم العديد من الايات التي تحث علية منها قولة تعالى: ﴿يا ايها الذين امنوا اصبروا و صابروا و رابطوا و اتقوا الله لعلكم تفلحون﴾3.

الصبر و الايمان‏


عن الامام الرضا علية السلام: “الايمان عقد بالقلب، و لفظ باللسان، و عمل بالجوارح”4.


ان البعد الحقيقى للايمان هو ان يتحول ذلك الاعتقاد الي فعل و عمل، لا ان يبقي داخل النفس، فاثر و فعالية ذلك الايمان هو دخولة حيز الواقع و التطبيق، و دخول

28

الايمان الي و اقع الحياة يحتاج بالدرجة الي الصبر، لان الاثر الحقيقى هو طاعة الله عز و جل و عدم الانحراف نحو معصيته، و ذلك ما يحتاج الي الصبر، فبالصبر ممكن ان تواجة جميع ما يعترضك فسبيل ان يصبح ايمانك ذا اثر و فعالية .


ومن هنا و ردت الروايات التي تعتبر الصبر هو الاساس فالايمان او الدين، عن ابى عبدالله علية السلام انه قال: “الصبر من الايمان بمنزلة الراس من الجسد فاذا ذهب الراس ذهب الجسد، ايضا اذا ذهب الصبر ذهب الايمان”5.


كما و رد عن الامام على علية السلام انه قال: “ايها الناس عليكم بالصبر فانة لا دين لمن لا صبر له”6.

كيف يصبح الصبر؟


سال رسول الله صلي الله علية و الة و سلم جبرائيل علية السلام: “يا جبرائيل فما تفسير الصبر؟ قال: تصبر فالضراء كما تصبر فالسراء، و فالفاقة كما تصبر فالغناء، و فالبلاء كما

29

تصبر فالعافية فلا يشكو حالة عند المخلوق بما يصيبة من البلاء”7.


وقد يقال للصابر صابرا او متصبرا و لكلا الكلمتين معني مختلفا عن الاخر حسب الرواية المروية عن امامنا الصادق علية السلام لما سئل عن الصابرين المتصبرين قال: “الصابرون علي اداء الفرائض، و المتصبرون علي تجنب المحارم”8.

انواع الصبر


ان من العوامل المانعة من تكامل الانسان و سلوكة فصراط العبودية للة تعالي ممكن ان نقسمها الي ثلاثة :


1 – العوامل المانعة التي تؤدى الي ترك الواجبات.


2 – العوامل التي تدفع نحو فعل المحرمات و ارتكاب الذنوب.


3 – العوامل التي تجلب حالة عدم الاستقرار و عدم الثبات الروحي.


والصبر هو المقاومة و عدم الاستسلام فمواجهة

30

هذة العوامل الثلاثة ، و ربما و رد عن امير المؤمنين علية السلام انه قال: “الصبر ثلاثة : الصبر علي المصيبة ، و الصبر علي الطاعة ، و الصبر عن المعصية “9.


فالصبر علي الطاعة : كالصبر علي اداء الصلاة و الصوم و الحج و الجهاد و اداء الخمس و غيرها من الواجبات، و الصبر علي المعصية : كالصبر علي ترك الغيبة و الكذب و النظر المحرم و غيرها من المحرمات، و الصبر علي المصيبة : حينما يبتلي الانسان بنقص فرزقة او بموت احد اقاربة و احبائة او يبتلي بمرض و نحو هذا من نوعيات الابتلاءات، و اما اروع مراتب الصبر و نوعياتة فهو الصبر عن المعاصى و ذلك ما نلاحظة من اثناء الدرجة التي يمنحها الله عز و جل الي الصابرين، فقد و رد عن رسول الله صلي الله علية و الة و سلم: “الصبر ثلاثة : صبر علي المصيبة ، و صبر علي الطاعة و صبر علي المعصية ، فمن صبر علي المصيبة حتي يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلاثمائة درجة ما بين الدرجة الي الدرجة كما بين السماء الي الارض، و من صبر علي الطاعة كتب الله له ستمائة درجة ما بين الدرجة الي الدرجة كما بين تخوم

31

الارض الي العرش، و من صبر علي المعصية كتب الله له تسعمائة درجة ما بين الدرجة الي الدرجة كما بين تخوم الارض الي منتهي العرش”10.

الصبر علي البلاء


﴿ولنبلونكم بشي‏ء من الخوف و الجوع و نقص من الاموال و الانفس و الثمرات و بشر الصابرين﴾11.


يعترض العديد من الناس عند نزول البلاء عليهم، بل يصل الامر ببعضهم الي التشكيك بالعدل الالهى و العياذ بالله و اسباب هذا عدم استحكام الايمان فقلوبهم بالدرجة الاولي و عدم المعرفة بحكمة الابتلاء من الله عز و جل لعباده، و للمطالع للروايات و الايات الكريمة ان يستشف بعض الاسباب و الحكم التي يبتلى الله عبادة لاجلها و هذة الحكم هي:


اولا: ان تتبين حقيقة المدعين فكم من اشخاص يدعون من الكمالات و الكرامات بعدها بعد نزول البلاء تراهم ساخطين غير راضين بما قسم الله لهم فعن

32

الامام على علية السلام فقولة تعالى: ﴿واعلموا انما اموالكم و اولادكم فتنة و ان‏ الله عندة اجر عظيم﴾12، و معني هذا انه سبحانة يختبر عبادة بالاموال و الاولاد ليتبين الساخط لرزقة و الراضى بقسمه13.


وعن امير المؤمنين علية السلام: “فى تقلب الاحوال علم جواهر الرجال و الايام توضح لك السرائر الكامنة “14.


ثانيا: استحقاق المثوبة من الله عز و جل ففى تتمة الحديث فشرح قولة تعالى: “انما اموالكم و اولادكم فتنة ” يقول امير المؤمنين علية السلام: “وان كان سبحانة اعلم بهم من انفسهم و لكن لتظهر الافعال التي فيها يستحق الثواب و العقاب”15.


ثالثا: التاديب من الله لعباده، و غفران الذنوب فعن الامام على علية السلام: “… و لكن الله يختبر عبادة بانواع الشدائد و يتعبدهم بانواع المجاهد و يبتليهم بضروب المكارة اخراجا للتكبر من قلوبهم و اسكانا للتذلل فقلوبهم و لجعل هذا ابوابا فتحا الي فضله

33

واسبابا ذللا لعفوه”16.


وكلما زاد ايمان الانسان و اقترب من الله اكثر، كلما عظم بلاؤة و اشتد علية و ربما و رد ذلك المعني فالحديث الشريف عن الامام الصادق علية السلام: “انما المؤمن بمنزلة كفة الميزان، كلما زيد فايمانة زيد فبلائه”17.

كيف نحصل الصبر؟

ورد عن الامام على علية السلام انه قال: “والصبر منها علي اربع شعب: علي الشوق، و الشفق، و الزهد، و الترقب: فمن اشتاق الي الجنة سلا عن الشهوات، و من اشفق من النار اجتنب المحرمات، و من زهد فالدنيا استهان بالمصيبات، و من ارتقب الموت سارع الي الخيرات” فهذة الرواية يبين امير المؤمنين علية السلام اركان الصبر و السبل التي ممكن من خلالها تحقيق الصبر، و هى اربع صفات نفسانية ذات طابع عملي، و هي:


الشوق الي الجنه


الخوف من النار

34

الزهد فالدنيا


توقع و تذكر الموت.


ولكن لهذة الصفات اثار عملية تدلل علي و جودها عند من يدعيها و صدقه، فمن اشتاق الي الجنة ابتعد عن ما تشتهية نفسة من الامور الدنية ، فيطيب نفسة و يترفع عنها، و من خاف من النار اجتنب المحرمات التي تظهرة عن طريق عبادة الله عز و جل و طاعته، و بالتالي عن كمالة و سعادته، و من زهد فالدنيا استهان بالمصائب، فليست الدنيا اكبر همة و بالتالي المصيبة التي تفقدة شيئا من الدنيا لا تؤثر فية لانة لا يتعلق بالدنيا و زخرفها، و من ترقب الموت و يتذكرة يتوقع ان يوافية فاى لحظة فيسارع ففعل الخيرات خوفا من انتهاء ساعات ذلك العمر.


فمن ترفع عن المغريات الدنية و ابتعد عن المحرمات و لم تثنة المصيبات و ادي ما علية من و اجبات كان من الصابرين حقا.


ثواب الصبر

ان الكرم الالهى علي العباد لا يستطيع الانسان ان يعدة او يحصيه، و من الثواب الجزيل الذي اعدة الله للصابرين

35

من المؤمنين ما و رد فالرواية عن الامام الصادق علية السلام: “من ابتلى من شيعتنا فصبر كان له اجر الف شهيد”18.


فينبغى لمن ابتلاة الله بمصيبة ان يشكرة لانة ربما فتح امامة خزائن كرمة اذا صبر عليها ففى الحديث الاخر عنة علية السلام: “لا تعدن مصيبة اعطيت عليها الصبر و استوجبت عليها من الله ثوابا بمصيبة ، انما المصيبة التي يحرم صاحبها اجرها و ثوابها اذا لم يصبر عند نزولها”19.

اثار الصبر و بركاته‏


للصبر اثار جليلة و بركات عظيمة منها ما فهذة الحياة عاجلا، و منها ما يخرج فالعالم الاخر اجلا، و هى كثيرة ، منها:


معونة الله عز و جل للصابر:


قال الله تعالي فمحكم كتابه: “ان الله مع الصابرين”20، حيث ان الله عز و جل يصبح مع الصابر يساعدة و يمدة بالعون، فتكون القدرة الالهية معه.

36

استحقاق الرحمة الالاهية :


قال الله سبحانة و تعالي الذكر الحكيم: “﴿ولنبلونكم بشي‏ء من الخوف و الجوع و نقص من الاموال و الانفس و الثمرات و بشر الصابرين * الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا للة و انا الية راجعون * اولئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة و اولئك هم المهتدون﴾21، فالصابرون الذين يعيشون حالة ذكر الله عز و جل و الاتكال علية عز شانة و الرجوع اليه، يبشرهم الله سبحانة و تعالي بالرحمة الالهية لهم و انهم علي طريق الهداية الدائم.


النصر و الغلبة :


قال الله تعالي فمحكم التنزيل: ﴿ان يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين و ان يكن منكم مئة يغلبوا الفا من الذين كفروا بانهم قوم لا يفقهون﴾22، و عن رسول الله صلي الله علية و الة و سلم : “ان النصر مع الصبر و الفرج مع الكرب و ان مع العسر يسرا”. فالمجاهد لشهوات نفسة التي يبغضها الله عز و جل او لعدوه

37

الخارجى متسلحا بسلاح الصبر و العزم و الارادة ففى نهاية المواجهة سيصبح منتصرا حتما.


تحصيل الهدف و البغيه


عن الامام على علية السلام: “بالصبر تدرك الرغائب”، كما و رد عنة علية السلام: “لا يعدم الصبور الظفر، و ان طال بة الزمان”، و عن الامام الصادق علية السلام: “الصبر يعقب خيرا، فاصبروا تظفروا”، فالمثابرة علي سلوك الطريق الموصل الي هدفك بالصبر و تحملك الصعاب و المتاعب لا بد و ان تدرك غايتك و لو بعد حين.


الثواب الجزيل:


عن الامام علية السلام انه قال: “ثواب العمل علي قدر المشقة فيه”، يدل هذة الرواية بشكل و اضح و جلى علي المعادلة بين العمل و مشقتة من جهة ، و ثوابة و اجرة من جهة اخرى، فكلما كان العمل شاقا كان ثوابة ارفع، و من هنا كان ثواب الصبر ارفع الثواب، فعن امير المؤمنين علية السلام: “ثواب الصبر اعلي الثواب”23، و علي ذلك الاساس و ردت الروايات الكثيرة فاجر الصبر و ثوابه، عن الامام الباقر علية السلام: “لو يعلم المؤمن ما له فالمصائب من الاجر لتمني ان يقرض بالمقاريض”.

38

لكن ذلك الاجر العظيم و الثواب الجزيل مشروط بعدم الجزع و باستمرار الصبر و عدم الخروج عن الحالة الطبيعية من قول او فعل، و عن الامام على علية السلام للاشعث بن قيس لما عزاة عن ابن له: “يا اشعث ان تحزن علي ابنك فقد استحقت منك هذا الرحم، و ان تصبر ففى الله من جميع مصيبة خلف، يا اشعث ان صبرت جري عليك القدر و انت ما جور، و ان جزعت جري عليك القدر و انت ما زور، يا اشعث ابنك سرك و هو بلاء و فتنة ، و حزنك و هو ثواب و رحمة “.


دفاع الصبر عن المؤمن‏


عن ابى عبدالله الصادق علية السلام: “اذا دخل المؤمن فقبره، كانت الصلاة عن يمينة و الزكاة عن يساره، و البر مطل علية و يتنحي الصبر ناحية ، فاذا دخل علية الملكان اللذان يليان مساءلته، قال الصبر للصلاة و الزكاة و البر: دونكم صاحبكم، فان عجزتم عنة فانا دونه”24، ففى هذا العالم حينما يحتاج الانسان الي من يدافع عنة و يلتمس هذا و يطلبه، لن ينفعة الا اعمالة الصالحة و اخلاقة الحسنة ، و منها و علي راسها الصبر.

 


ما هو الصبر الحقيقي