ملفات محايدة جديده



ملفات محايدة جديده

انهي زميلى نقاشنا العابر فشان قضية غير عابرة ، بعبارة و احدة . قالها بنفاد صبر، كما بدا لى لحظتها، و كانها الحقيقة المرة التي كان يخشي ان يواجهنى فيها طوال الوقت، لكنة اضطر لاستخدامها فالنهاية ، فاطلقها كمن يطلق رصاصة الرحمة ، قبل ان ينسحب من النقاش، و يترك المكان كله. قال: انت اصلا غير محايدة فاى نقاش سياسي، و دائما تكونين متحيزة لرايك.


لا اعرف اي راى علي المرء ان ينحاز اليه، ان لم يكن رايه؟ و لماذا يحتفظ براى شخصي، ما دام ربما انحاز الي راى احدث مثلا؟ و لماذا اصلا نتبني رايا، و ندافع عنه، ان لم نكن منحازين اليه؟


ثم كيف ممكن ان يبقي هذا المرء محايدا، و هو يناقش قضية سياسية و انسانية ، و اضحة المعالم محددة الاطراف؟ و لماذا علية ان يصبح محايدا فنقاش حول امر كون راية فيه، و انتهي الامر؟


على ان اشير الي ان القضية التي كنت اناقش زميلى فشانها هى قضية الثورة السورية ، و تداعياتها المستمرة منذ نحو ثلاثة اعوام. اشير الي ذلك، لابين لى و لكم اي معني للحياد، ممكن ان يصبح بين القاتل و المقتول، او بين السارق و المسروق، بين الجلاد و الضحية ، بين السجان و السجين، بين الطاغية و الشعب؟ باختصار؛ كيف ممكن للمرء ان يقف فنقطة المنتصف بين الصح و الخطا، و يجرؤ، بعد ذلك، علي القول انه محايد احتراما للموضوعية ، و تحقيقا للعدالة ؟


فى القضايا الكبري التي تواجة الضمير الانساني، و تضعة علي المحك، لا توجد منطقة و سطي بين الحق و الباطل. و عليه، فان من يقول انه يقف فتلك المنطقة انما يقف مع الباطل بلا جدال، و ان لم يعترف لنفسه، او للاخرين، بذلك. فالساكت عن الحق ليس محايدا، بل مجرد شيطان اخرس، و الشيطان الاخرس لا يعنى انه شيطان طيب، او شيطان عاطل عن العمل، بل هو شيطان محتال، يمارس شيطنتة بالسكوت عن الحق، و بادعاء الحياد، و عدم الانحياز الي طرف من الطرفين، فيساهم فايهام كثيرين بان القضية المطروحة هى قضية راى ملتبسة ، و قابلة للنقاش، و تحتمل و جهات النظر كلها، و كانها قضية للمفاضلة بين قصيدتى العمود و النثر، او بين التشكيلين، التكعيبى و السوريالي، او بين السينما الاميركية و السينما الهندية ، او بين المطبخين الايطالى و الهندي، امثلة .


لا يا سيدى المحايد. سكوتك و انت تري القاتل يقتل ضحيتة لا يعنى انك موضوعى و محايد، بل يعنى انك منحاز تماما لصالح القاتل، و تبرر له جريمتة و تسانده، و ان تم هذا بلا قصد منك، او ادعيت انه بلا قصد منك.


صحيح ان كثيرين، لظروف معينة ، لا يودون، او لا يستطيعون الانغماس فامر معين، و ذلك من حقهم بالتاكيد، شرط الا يوهموا الاخرين بانهم يفعلون هذا حيادا بين الطرفين، و رغبة فعدم التحيز الي اي منهما. فيفترض الا يعنى تعمدهم عدم ابداء رايهم فقضية معينة ، لاسباب تخصهم و حدهم، انهم علي الحياد، بل يعنى انهم لا يرغبون فاعلان موقفهم الان، او دائما. و بين ذلك و اعلانهم الحياد خيط رفيع جدا جدا فالمعني شكليا، لكنة قوى و متين موضوعيا.


والمسالة تكون اصعب و اقسى، بالنسبة للعاملين فالاعلام بكل صوره، فاعلاميون كثيرون يتحرجون من ابداء و جهات نظرهم فالموضوعات المطروحة بين ايديهم، خوفا من ان يتهموا بالتحيز و عدم الموضوعية فالعمل، و كان المطلوب من الاعلامي، صحفيا او مقدم برامج، علي سبيل المثال، ان يصبح دمية او ببغاء، او الة تسجيل، يردد معلوماتة و اسئلتة من دون ان يعلق عليها براية الشخصي. ذلك غير صحيح، فللاعلامى الحق كلة فان يبدى و جهة نظرة فاى قضية مطروحة امامه. و بالتاكيد، من دون ان يعنى هذا السماح له بتغيير الخبر، او تزييف المعلومة ، او تغييبهما لمصلحة تعزيز راية الخاص، و قناعتة الشخصية ، فهذا ما لا يملكة كاعلامي، و لا ممكن ان يتسامح بة جمهوره، مهما كانت القضية . فحق ذلك الجمهور فالخبر مقدس، اما الراى فليس له، هنا، ان يتدخل فيه، و لا ان يطالب الاعلامى بالوقوف علي الحياد فالقضية التي يطرحها للنقاش مثلا. لان ذلك الجمهور لن يصبح فاستطاعتة انقاذ هذا “المحايد” من الجحيم الذي اشار اليه، ما رتن لوثر كينغ، عندما قال: اسوا مكان فالجحيم مخصص للذين يقفون علي الحياد فالمعارك الاخلاقية الكبرى.

 


ملفات محايدة جديده