من استاذ الامام ابو حنيفة



ابو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفى (80-150ة / 699-767م) فقية و عالم مسلم، و اول الائمة الاربعة عند اهل السنة و الجماعة ، و صاحب المذهب الحنفى فالفقة الاسلامي. اشتهر بعلمة الغزير و اخلاقة الحسنة ، حتي قال فية الامام الشافعي: «من اراد ان يتبحر فالفقة فهو عيال علي ابى حنيفة »، و يعد ابو حنيفة من التابعين، فقد لقى عددا من الصحابة منهم انس بن ما لك، و كان معروفا بالورع و كثرة العبادة و الوقار و الاخلاص و قوة الشخصية . كان ابو حنيفة يعتمد ففقهة علي ستة مصادر هي: القران الكريم، و السنة النبوية ، و الاجماع، و القياس، و الاستحسان، و العرف و العادة .


ولد ابو حنيفة بالكوفة و نشا فيها، و ربما كانت الكوفة احدي مدن العراق العظيمة ، ينتشر بها العلماء اصحاب المذاهب و الديانات المختلفة ، و ربما نشا ابو حنيفة فهذة البيئة الغنية بالعلم و العلماء، فابتدا منذ الصبا يجادل مع المجادلين، و لكنة كان منصرفا الي مهنة التجارة ، فابوة و جدة كانا تاجرين، بعدها انصرف الي طلب العلم، و صار يختلف الي حلقات العلماء، و اتجة الي دراسة الفقة بعد ان استعرض العلوم المعروفة فذلك العصر، و لزم شيخة حماد بن ابى سليمان يتعلم منة الفقة حتي ما ت حماد سنة 120ه، فتولي ابو حنيفة رئاسة حلقة شيخة حماد بمسجد الكوفة ، و اخذ يدارس تلاميذة ما يعرض له من فتاوى، حتي و ضع تلك الكيفية الفقهية التي اشتق منها المذهب الحنفي.


وقعت بالامام ابى حنيفة محنتان، المحنة الاولي فعصر الدولة الاموية ، و سببها انه و قف مع ثورة الامام زيد بن علي، و رفض ان يعمل عند و الى الكوفة يزيد بن عمر بن هبيرة ، فحبسة الوالى و ضربه، و انتهت المحنة بهروبة الي مكة عام 130ه، و ظل مقيما فيها حتي صارت الخلافة للعباسيين، فقدم الكوفة فزمن الخليفة العباسى ابى جعفر المنصور. اما المحنة الثانية = فكانت فعصر الدولة العباسية ، و سببها انه و قف مع ثورة الامام محمد النفس الزكية ، و كان يجهر بمخالفة المنصور فغاياتة عندما يستفتيه، و عندما دعاة ابو جعفر المنصور ليتولي القضاء امتنع، فطلب منة ان يصبح قاضى القضاة فامتنع، فحبسة الي ان توفى فبغداد سنة 150ه، و دفن فمقبرة الخيزران فبغداد، و بنى بجوار قبرة جامع الامام الاعظم عام 375ه.

مولدة و نسبه[عدل]

ولد الامام ابو حنيفة بالكوفة سنة 80 من الهجرة النبوية ، الموافقة لسنة 699 من الميلاد، علي رواية الاكثرين التي يكاد يجمع عليها المؤرخون.[1] و ابوه: هو ثابت بن النعمان بن زوطي بن ما ة ، و هنالك خلاف فتحديد انتماءة العرقي، حيث توجد روايات متعددة ، منها انه من اصل فارسى و هذة الرواية متداولة و معروفة و القول انه من اصل نبطي[2]بابلى ،عراقى منذ القدم [3] ، و هو ما اثبتتة عدد من الدراسات الاكاديمية التاريخية ، حيث ثبتت عروبتة و انه من اصل عربى عند المؤرخين العرب كمصطفي جواد، و ناجى معروف و غيرهم، و لقد الف الاستاذ ناجى معروف كتابا يثبت فية عروبتة و انتماءة الي اصل عربى بسند تاريخي، يبطل جميع ما قيل عنة سابقا بانة غير عربي، فكتابة القيم عروبة الامام ابى حنيفة النعمان، و استنادا الي مقولة : (اهل مكة ادري بشعابها)، تؤكد المصادر الحنفية ، انه عربى الارومة ، و ان ثابت بن المرزبان، من بنى يحيي بن زيد بن اسد، من عرب الازد الذين هاجروا من اليمن و سكنوا ارض العراق بعد انهيار سد ما رب جراء سيل العرم


نشا ابو حنيفة بالكوفة و تربي بها، و عاش اكثر حياتة فيها، متعلما و مجادلا و معلما، و لم تبين المصادر حياة ابية و حالة و ما كان يتولاة من الاعمال، و لكن ربما يستنبط منها شيء من احواله، فقد يستفاد منها انه كان من اهل اليسار و الغنى، و انه كان من التجار، و انه كان مسلما حسن الاسلام.[7] و لقد روى ان عليا بن ابى طالب دعا لثابت عندما راة بالبركة فية و فذريته، و يؤخذ من ذلك انه كان مسلما و قت هذة الدعوة ، و ربما صرحت كتب التاريخ بان ثابتا و لد علي الاسلام، و علي هذا يصبح ابو حنيفة ربما نشا اول نشاتة فبيت ديني خالص، و هذا ما يقررة العلماء جميعا الا من لا يؤبة لشذوذهم و لا يلتفت لكلامهم.[8]

ولقد كانت الكوفة و هى مولد ابى حنيفة احدي مدن العراق العظيمة ، بل ثاني مصرية العظيمين فذلك الوقت، و فالعراق الملل و النحل و الاهواء، و ربما كان موطنا لمدنيات قديمة ، كان السريان ربما انتشروا فية و انشاوا لهم مدارس بة قبل الاسلام، و كانوا يدرسون بها فلسفة اليونان و حكمة الفرس، كما كان فالعراق قبل الاسلام مذاهب نصرانية تتجادل فالعقائد، و كان العراق بعد الاسلام مزيجا من اجناس مختلفة و فية اضطراب و فتن، و فية اراء تتضارب فالسياسة و اصول العقائد، ففية الشيعة ، و فباديتة الخوارج، و فية المعتزلة ، و فية تابعون مجتهدون حملوا علم من لقوا من الصحابة ، فكان فية علم الدين سائغا مورودا، و فية النحل المتنازعة و الاراء المتضاربة .[9]

فتحت عين ابى حنيفة فراي هذة الاجناس، و نضج عقلة فانكشفت له هذة الاراء، و ابتدا منذ الصبا يجادل مع المجادلين، و لكنة كان منصرفا الي مهنة التجارة ، و يختلف الي الاسواق و لا يختلف الي العلماء الا قليلا، حتي لمح بعض العلماء ما فية من ذكاء و عقل علمي، فضن به، و لم يرد ان يصبح كلة للتجارة ، فاوصاة بان يختلف الي العلماء كما يختلف الي الاسواق. و يروي عن ابى حنيفة انه قال: مررت يوما علي الشعبى و هو جالس فدعاني، فقال لي: «الي من تختلف؟»، فقلت: «اختلف الي السوق»، فقال: «لم اعن الاختلاف الي السوق، عنيت الاختلاف الي العلماء»، فقلت له: «انا قليل الاختلاف اليهم»، فقال لي: «لا تغفل، و عليك بالنظر فالعلم و مجالسة العلماء، فانى اري فيك يقظة و حركة »، قال: «فوقع فقلبى من قوله، فتركت الاختلاف الي السوق، و اخذت فالعلم، فنفعنى الله بقوله».

توجهة الي طلب العلم[عدل]

انصرف ابو حنيفة الي العلم بعد نصيحة الشعبي، و صار يختلف الي حلقات العلماء، و كانت حلقات العلم فذلك العصر ثلاثة نوعيات: حلقات للمذاكرة فاصول العقائد، و ذلك ما كان يخوض فية اهل الفرق المختلفة ، و حلقات لمذاكرة الاحاديث النبوية و روايتها، و حلقات لاستنباط الفقة من الكتاب و السنة ، و الفتيا فيما يقع من الحوادث.


وقد ذكرت المصادر عدة روايات عن ابى حنيفة تدل علي انه عندما تفرغ لطلب العلم اتجة الي الفقة بعد ان استعرض العلوم المعروفة فذلك العصر، و اختار اولا علم الكلام و الجدل مع الفرق، بعدها انصرف عنة الي الفقه.[11] و هذة رواية ربما رويت من عدة طرق احداها عن ابى يوسف صاحب ابى حنيفة ان ابا حنيفة سئل: «كيف و فقت الي الفقه؟»، فقال: «اخبرك، اما التوفيق فكان من الله، و له الحمد كما هو اهلة و مستحقه، انى لما اردت تعلم العلم جعلت العلوم كلها نصب عيني، فقرات فنا فنا منها، و تفكرت عاقبتة و موضع نفعه، فقلت اخذ فالكلام، بعدها نظرت، فاذا عاقبتة عاقبة سوء و نفعة قليل، و اذا كمل الانسان فية لا يستطيع ان يتكلم جهارا و رمى بكل سوء و يقال صاحب هوى، بعدها تتبعت امر الادب و النحو، فاذا عاقبة امرة ان اجلس مع صبى اعلمة النحو و الادب، بعدها تتبعت امر الشعر، فوجدت عاقبة امرة المدح و الهجاء، و قول الكذب و تمزيق الدين، بعدها تفكرت فامر القراءات، فقلت: اذا بلغت الغاية منة اجتمع الى احداث يقرؤون علي، و الكلام فالقران و معانية صعب، فقلت: اطلب الحديث، فقلت: اذا جمعت منة العديد احتاج الي عمر طويل حتي يحتاج الي، و اذا احتيج الى لا يجتمع الا الاحداث، و لعلهم يرموننى بالكذب و سوء الحفظ فيلزمنى هذا الي يوم الدين، بعدها قلبت الفقه، فكلما قلبتة و ادرتة لم يزدد الا جلالة ، و لم اجد فية عيبا، و رايت الجلوس مع العلماء و الفقهاء و المشايخ و البصراء و التخلق باخلاقهم، و رايت انه لا يستقيم اداء الفرائض و اقامة الدين و التعبد الا بمعرفته، و طلب الدنيا و الاخرة الا به، و من اراد ان يطلب بة الدنيا طلب بة امرا جسيما، و صار الي رفعة منها، و من اراد العبادة و التخلى لم يستطع احد ان يقول: تعبد بغير علم، و قيل انه فقة و عمل بعلم».[12][13]

تثقف ابو حنيفة اذن بالثقافة الاسلامية كلها التي كانت فعصره، فقد حفظ القران علي قراءة عاصم، و عرف قدرا من الحديث، و قدرا من النحو و الادب و الشعر، و جادل الفرق المختلفة فمسائل الاعتقاد و ما يتصل به، و كان يرحل لهذة المناقشة الي البصرة ، و كان يمكث فيها احيانا سنة لذا الجدل، بعدها انصرف بعد هذا الي الفقه،[14] و اتجة الي دراسة الفتيا علي المشايخ الكبار الذين كانوا فعصره، و لزم و احدا منهم، اخذ عنة و تظهر عليه، و لقد كانت الكوفة فعهدة موطن فقهاء العراق، كما كانت البصرة موطن الفرق المختلفة و من كانوا يخوضون فاصول الاعتقاد، و ربما كانت تلك البيئة الفكرية لها اثرها فنفسه، حتي قال: «كنت فمعدن العلم و الفقه، فجالست اهلة و لزمت فقيها من فقهائهم».[15]

ملازمتة لشيخة حماد بن ابى سليمان[عدل]

مسجد الكوفة عام 1915م، حيث تعلم ابو حنيفة و علم الفقة الاسلامي


لزم ابو حنيفة حماد بن ابى سليمان، و تظهر علية فالفقه، و استقر معة الي ان ما ت، و ان حمادا ربما ما ت فسنة 120ه، فكانة ما ت و ابو حنيفة فالاربعين من عمره، و علي هذا فان ابا حنيفة لم يستقل بالدراسة الا و هو فسن الاربعين، و ربما بلغ اشدة فالجسم و العقل معا، و ربما روى عن ابى حنيفة انه قال عن صلتة بشيخة حماد: «صحبتة عشر سنين، بعدها نازعتنى نفسى الطلب للرياسة ، فاردت ان اعتزله، و اجلس فحلقة لنفسي، فخرجت يوما بالعشى و عزمى ان افعل، فلما دخلت المسجد و رايتة لم تطلب نفسى ان اعتزله، فجئت و جلست معه، فجاءة فتلك الليلة نعى قرابة له ربما ما ت بالبصرة و ترك ما لا، و ليس له و ارث غيره، فامرنى ان اجلس مكانه، فما هو الا ان خرج حتي و ردت على مسائل لم اسمعها منه، فكنت اجيب و اكتب جوابي، بعدها قدم فعرضت علية المسائل، و كانت نحوا من ستين مسالة ، فوافقنى فاربعين و خالفنى فعشرين، فاليت علي نفسى الا افارقة حتي يموت، فلم افارقة حتي ما ت».[16][17][18]

وقد ثبت ان ابا حنيفة لازمة ثمانى عشرة سنة ، فقد روى عنة انه قال: «قدمت البصرة فظننت انى لا اسال عن شيء الا اجبت عنه، فسالونى عن حاجات لم يكن عندى بها جواب، فجعلت علي نفسى الا افارق حمادا حتي يموت، فصحبتة ثمانى عشرة سنة ».[17][19][20] و يلاحظ من هذا ان ابا حنيفة تتلمذ عند شيخة حماد و هو فسن الثانية = و العشرين، و لازمة حتي سن الاربعين، بعدها استقل بالدرس و البحث، و تولي حلقتة بعد ذلك، و كان مع ملازمتة لشيخة حماد ربما لاقي غيرة من الفقهاء و المحدثين، و كان يتتبع التابعين اينما كانوا و حيثما ثقفوا.[21]

جلس ابو حنيفة و هو فالاربعين من عمرة فمجلس شيخة حماد بمسجد الكوفة ، و اخذ يدارس تلاميذة ما يعرض له من فتاوى، و ما يبلغة من اقضية ، و يقيس الحاجات باشباهها، و الامثال بامثالها، حتي و ضع تلك الكيفية الفقهية التي اشتق منها المذهب الحنفي.[22]

فقهة و اصول مذهبه[عدل]

جامع الامام ابى حنيفة عام 2008م


روى عن الامام ابى حنيفة انه قال: «اخذ بكتاب الله تعالى، فان لم اجد فبسنة رسول الله Mohamed peace be upon him.svg، فان لم اجد فكتاب الله و لا فسنة رسول الله Mohamed peace be upon him.svg اخذت بقول الصحابة ، اخذ بقول من شئت منهم و ادع قول من شئت منهم، و لا اخرج عن قولهم الي قول غيرهم، فاذا انتهي الامر الي ابراهيم و الشعبى و ابن سيرين و الحسن و عطاء و سعيد بن المسيب -وعدد رجالا- فقوم اجتهدوا، فاجتهد كما اجتهدوا».[23]

وقال سهل بن مزاحم: «كلام ابى حنيفة اخذ بالثقة و فرار من القبح، و النظر فمعاملات الناس و ما استقاموا علية و صلح علية امورهم، يمضى الامور علي القياس، فاذا قبح القياس امضاها علي الاستحسان، ما دام يمضى له، فاذا لم يمض له رجع الي ما يتعامل المسلمون به، و كان يؤصل الحديث المعروف الذي ربما اجمع عليه، بعدها يقيس علية ما دام القياس سائغا، بعدها يرجع الي الاستحسان ايهما كان اوفق رجع اليه».[24]

هذة النقول و غيرها تدل علي مجموع المصادر الفقهية عند الامام ابى حنيفة ، فهي: القران الكريم، و السنة النبوية الشريفة ، و الاجماع، و القياس، و الاستحسان، و العرف و العادة .[25]

ولقد الف الامام المرتضي الزبيدى كتابا فادلة المذهب الحنفى اسماة : (عقود الجواهر الحنيفة فادلة مذهب الامام ابى حنيفة ).


القران الكريم[عدل]

القران الكريم عند الامام ابى حنيفة هو المصدر الاول و الاعلي فمسائل الفقه، لانة الكتاب القطعى الثبوت، لا يشك فحرف منه، و انه ليس يوازية و لا يصل الي رتبتة فالثبوت الا الحديث المتواتر، لذا لا يري نسخ القران الكريم بخبر الاحاد من السنة ، و انما يعمل فيها ما امكن، و الا ترك السنة الظنية للكتاب القطعي.[26]

السنة النبوية [عدل]

لا يجعل الامام ابو حنيفة السنة النبوية فرتبة و احدة ، بل يقدم مثلا السنة القولية علي الفعلية ، لجواز ان يصبح الفعل خصوصية للنبي، و يقدم السنة المتواترة علي خبر الاحاد عند التعارض و عدم امكان الجمع بينهما، بل انه يترك العمل بخبر الاحاد اذا خالف قاعدة شرعية ما خوذة من نصف القران او السنة .[27]

الاجماع[عدل]

فما اجمع علية اصحاب الرسول و ما اختلفوا فية لا يظهر عن اقوالهم الي اقوال غيرهم، و الاجماع: هو اتفاق الائمة المجتهدين فعصر من العصور بعد انتقال الرسول عن الدنيا علي حكم شرعي، و الاجماع عند الامام ابى حنيفة حجة معمول به.[28]

القياس[عدل]

وهو الحاق فرع باصل فية نصف بحكم معين من الوجوب او الحرمة ، لوجود علة الحكم فالفرع كما هى فالاصل. و الامام ابو حنيفة يقدم السنة و لو كان حديثا مرسلا علي القياس، كما يقدم الحديث الضعيف علي القياس.[29]

الاستحسان[عدل]

وهو طلب الاقوى للاتباع الذي هو ما مور به، و ربما بان ان الاستحسان عند الامام ابى حنيفة ليس اتباعا للهوي و لا حكما بالغرض، و لكنة اختيار اقوي الدليلين فحادثة معينة .[30]

العرف و العادة [عدل]

وهو ما استقر فالنفوس من جهة العقول، و تلقتة الطباع السليمة بالقبول، و الاصل فاعتبار العرف دليلا شرعيا قول ابن مسعود: «ما راة المسلمون حسنا فهو عند الله حسن»، و يصبح العرف دليلا حيث لا دليل شرعى من الكتاب و السنة ، اما اذا خالف العرف الكتاب و السنة كتعارف بعض التجار التعامل بالربا، فهو عرف مردود لانة محاد للشريعة و مخالف لها.[31]

تجارته[عدل]

نشا ابو حنيفة فبيت من بيوت اهل اليسار و الغنى، فابوة و جدة كانا تاجرين، و يغلب علي الظن ان تجارتهما كانت فالخز (وهو نوع من الاقمشة )، و هى تجارة تدر علي صاحبها الخير الوفير، و اخذ ابو حنيفة عنهما هذة التجارة ، فنشا اول نشاتة يختلف الي السوق، و لا يعكف علي الاستماع الي العلماء، بعدها اتجة الي العلم، و لكنة لم ينقطع عن التجارة ، بل استمر تاجرا الي ان ما ت، و كان له شريك يخرج انه اعانة علي الاستمرار فطلب العلم و خدمة الفقة و رواية الحديث.[32]

اتصف ابو حنيفة التاجر بصفات تجعلة مثلا كاملا للتاجر المستقيم، فقد كان ثرى النفس لم يستول علية الطمع الذي يفقر النفوس، و لعل منشا هذا انه نشا فاسرة غنية فلم يذق ذل الحاجة ، و كان عظيم الامانة شديدا علي نفسة فكل ما يتصل بها، و كان سمحا ربما و قاة الله شح نفسه، و كان بالغ التدين شديد التنسك عظيم العبادة يصوم النهار و يقوم الليل. فكان لهذة الصفات اثرها فمعاملاتة التجارية ، حتي كان غريبا بين التجار، و حتي شبهة كثيرون فتجارتة بابى بكر الصديق. و يروي انه ربما جاءتة امراة بثوب من الحرير تبيعة له، فقال: «كم ثمنه؟»، فقالت: «مئة »، فقال: «هو خير من مئة ، بكم تقولين؟»، فزادت مئة مئة حتي قالت: «اربعمئة »، قال: «هو خير من ذلك»، قالت: «تهزا بي»، قال: «هاتى رجلا يقومه»، فجاءت برجل، فاشتراة بخمسمئة .[33][34]

ولقد كان ابو حنيفة شديد الحرج فكل ما تخالطة شبهة الاثم و لو كانت بعيدة ، فان ظن اثما او توهمة فما ل خرج منه، و تصدق بة علي الفقراء و المحتاجين، و يروي انه بعث شريكة حفص بن عبدالرحمن بمتاع، و اعلمة ان فثوب منة عيبا، و اوجب علية ان يبين العيب عند بيعه، فباع حفص المتاع و نسى ان يبين، و لم يعلم من الذي اشتراه، فلما علم ابو حنيفة تصدق بثمن المتاع كله.[35][36][37][38]

وقد كانت تجارة ابى حنيفة تدر علية الدر الوفير، و يروي انه كان يجمع الارباح عندة من سنة الي سنة ، فيشترى فيها حوائج المشايخ و المحدثين و اقواتهم و كسوتهم و كل حوائجهم، بعدها يدفع باقى الدنانير من الارباح اليهم، فيقول: «انفقوا فحوائجكم، و لا تحمدوا الا الله، فانى ما اعطيتكم من ما لى شيئا، و لكن من فضل الله على فيكم».[39][40] كما كان ابو حنيفة حريصا ان يصبح مظهرة كمخبرة حسنا، فكان كثير الاعتناء بثيابه، يختارها جيدة ، حتي لقد كان كساؤة يقوم بثلاثين دينارا، و كان حسن الهيئة كثير التعطر.[41]

محنتة الاولي و هربة الي مكة [عدل]

عاش ابو حنيفة 52 سنة من حياتة فالعصر الاموي، و 18 سنة فالعصر العباسي، فهو ربما ادرك دولتين من دول الاسلام. و يروي انه لما خرج زيد بن على زين العابدين علي هشام بن عبدالملك سنة 121ة كان ابو حنيفة من المؤيدين للامام زيد، قال ابو حنيفة : «ضاهي خروجة خروج رسول الله Mohamed peace be upon him.svg يوم بدر»، و يروي انه قال فالاعتذار عن عدم الخروج معه: «لو علمت ان الناس لا يخذلونة كما خذلوا اباة لجاهدت معة لانة امام حق، و لكن اعينة بمالي، فبعث الية بعشرة الاف درهم».[42] و انتهت ثورة الامام زيد بقتلة سنة 132ه، كما قتل ابنة يحيي فخراسان، و ابنة عبدالله بن يحيي فاليمن. و لقد كان لزيد بن على منزلة فنفس ابى حنيفة ، و كان يقدرة فعلمة و خلقة و دينه، و عدة الامام بحق، و امدة بالمال، بعدها راة يقتل بسيف الامويين، بعدها يقتل من بعدة ابنه، بعدها من بعدة حفيده، فاحنقة جميع ذلك.


كان يزيد بن عمر بن هبيرة و الى الكوفة انذاك، فارسل الي ابى حنيفة يريد ان يجعل الخاتم فيده، و لا ينفذ كتاب الا من تحت يد ابى حنيفة ، فامتنع ابو حنيفة عن ذلك، فحلف الوالى ان يضربة ان لم يقبل، فنصح الناس ابا حنيفة ان يقبل هذا المنصب، فقال ابو حنيفة : «لو ارادنى ان اعد له ابواب مسجد و اسط لم ادخل فذلك، فكيف و هو يريد منى ان يكتب دم رجل يضرب عنقة و اختم انا علي هذا الكتاب، فوالله لا ادخل فذلك ابدا»، فحبسة صاحب الشرطة ، و ضربة اياما متتالية ، فجاء الضارب الي الوالى و قال له: «ان الرجل ميت»، فقال الوالي: «قل له: تظهرنا من يميننا؟»، فسالة فقال ابو حنيفة : «لو سالنى ان اعد له ابواب المسجد ما فعلت»، بعدها امر الوالى بتخلية سبيله، فركب دوابة و هرب الي مكة بعد ان مكن له الجلاد من سبب الفرار، و كان ذلك فسنة 130ه. و لقد و جد فالحرم المكى امنا، فعكف علي الحديث و الفقة يطلبهما بمكة التي و رثت علم ابن عباس، و التقي ابو حنيفة بتلاميذة فيها، و ذاكرهم علمة و ذاكروة ما عندهم، و ظل مقيما بمكة حتي صارت الخلافة للعباسيين، فقدم الكوفة فزمن ابى جعفر المنصور.[43]

محنتة الثانية = و وفاته[عدل]

استقبل ابو حنيفة عهد العباسيين بارتياح، فقد راي اضطهاد الامويين لبنى على بن ابى طالب و اهل بيت =النبى محمد، و استمر علي و لائة للدولة العباسية لمحبتة لال المنزل جميعا، و لقد كان الخليفة ابو جعفر المنصور يدنية و يعلية و يرفع قدرة و يعطية العطايا الجزيلة ، و لكنة كان يردها و لا يقبل العطاء، و لم يعرف عن ابى حنيفة انه تكلم فحكم العباسيين حتي نقم عليهم ابناء على بن ابى طالب، و اشتدت الخصومة بينهم، و ربما كان و لاء ابى حنيفة لبنى علي، فكان طبيعيا ان يغضب لغضبهم، و خصوصا ان من ثارا علي حكومة ابى جعفر هما محمد النفس الزكية بن عبدالله بن الحسن، و اخوة ابراهيم بن عبدالله بن الحسن، و كان ابوهما عبدالله ممن اتصل بة ابو حنيفة اتصالا علميا، و ربما كان عبدالله و قت خروج و لدية فسجن ابى جعفر، و ما ت فية بعد مقتل و لديه.[44]

كان موقف ابى حنيفة من خروج محمد النفس الزكية علي المنصور شديدا، فقد كان يجهر بمناصرتة فدرسه، بل و صل الامر الي ان ثبط بعض قواد المنصور عن الخروج لحربه.[45] و كان ذلك العمل فنظر المنصور من اخطر الاعمال علي دولته، لان ابا حنيفة تجاوز فية حد النقد المجرد و الولاء القلبى الي العمل الايجابي، فاراد المنصور ان يختبر طاعة ابى حنيفة و ولاءة له، و ربما كان يبنى بغداد انذاك، فاراد ان يجعلة قاضيا، فامتنع ابو حنيفة ، فاصر المنصور علي ان يتولي له عملا ايا كان، فقبل ابو حنيفة ان يقوم ببعض اعمال البناء من اعداد اللبن و ما شابة ذلك، فاستطاع بذلك ان يغمض عنة عين المنصور.[46]

كان ابو حنيفة بعد مناواة بنى على للمنصور و ايذائة لهم و قتلة لرؤوسهم لا يرتاح الي حكومته، و ربما استطاع ان يدرا عنة اذاه، و انصرف الي العلم، و لكن كان من و قت لاخر يقول بعض الاقوال، او تكون منة امور تكشف عن راية فية و فحكومته، و من هذا ان اهل الموصل كانوا ربما انتفضوا علي المنصور، و ربما اشترط المنصور عليهم انهم اذا انتفضوا تحل دماؤهم له، فجمع المنصور الفقهاء و فيهم ابو حنيفة ، فقال: «اليس صح انه علية السلام قال: «المؤمنون عند شروطهم»، و اهل الموصل ربما شرطوا الا يظهروا علي، و ربما خرجوا علي عاملي، و ربما حلت لى دماؤهم»، فقال رجل: «يدك مبسوطة عليهم، و قولك مقبول فيهم، فان عفوت فانت اهل العفو، و ان عاقبت فبما يستحقون»، فقال لابى حنيفة : «ما تقول انت يا شيخ؟ السنا فخلافة نبوة و بيت =امان؟»، قال: «انهم شرطوا لك ما لا يملكونه، و شرطت عليهم ما ليس لك، لان دم المسلم لا يحل الا باحد معان ثلاثة ، فان اخذتهم اخذت بما لا يحل، و شرط الله احق ان توفى به»، فامرهم المنصور بالقيام فتفرقوا بعدها دعاة و قال: «يا شيخ، القول ما قلت، انصرف الي بلادك و لا تفت الناس بما هو شين علي امامك فتبسط ايدى الخوارج».[47]

لقد كان ابو حنيفة يميل الي ابناء على بن ابى طالب، و كان هذا يبدو علي لسانة فحلقة درسة و بين تلاميذه، و كان يجهر بمخالفة المنصور فغاياتة عندما يستفتيه، كما كان يمتنع عن قبول العطاء من المنصور، و كان ينقد القضاء نقدا مرا اذا و جد فية ما يخالف الحق فنظره، من غير ان يلتفت الي ما يجرة هذا النقد من ضياع حلوة الاحكام.[48]

وعندما دعا ابو جعفر المنصور ابا حنيفة ليتولي القضاء امتنع، فطلب منة ان يرجع الية القضاة فيما يشكل عليهم ليفتيهم فامتنع، فانزل بة العذاب بالضرب و الحبس، او الحبس و حدة علي اختلاف الروايات،[49] و يروي ان ابا جعفر حبس ابا حنيفة علي ان يتولي القضاء و يصير قاضى القضاة ، فابي حتي ضرب مئة و عشرة اسواط، و اخرج من السجن علي ان يلزم الباب، و طلب منة ان يفتى فيما يرفع الية من الاحكام، و كان يرسل الية المسائل، و كان لا يفتي، فامر ان يعاد الي السجن، فاعيد و غلظ علية و ضيق تضييقا شديدا.[50] و ربما اتفق الرواة علي انه حبس، و انه لم يجلس للافتاء و التدريس بعد ذلك، اذ انه ما ت بعد هذة المحنة او معها، و لكن اختلفت الرواية : امات محبوسا بعد الضرب الذي تكاد الروايات تتفق علية ايضا؟ ام ما ت محبوسا بالسم فلم يكتف بضربة بل سقى السم ليعجل موته؟ ام اطلق من حبسة قبل موتة فمات فمنزلة بعد المحنة و منع من التدريس و الاتصال بالناس؟ جميع هذة الروايات رويت.[51]

توفى ابو حنيفة فرجب و قيل فشعبان و قيل لاحدي عشرة ليلة خلت من جمادي الاولي سنة 150ه، و قيل سنة 151ه، و قيل سنة 153ه، و قيل توفى فاليوم الذي و لد فية الامام الشافعي، و كانت و فاتة فبغداد، و دفن فمقبرة الخيزران، و قبرة هنالك مشهور يزار، و صح ان الامام لما احس بالموت سجد، فمات و هو ساجد.[52] و ربما اوصي ابو حنيفة ان يدفن فارض طيبة لم يجر عليها غصب، و الا يدفن فارض ربما اتهم الامير بانة غصبها، حتي يروي ان ابا جعفر عندما علم هذا قال: «من يعذرنى من ابى حنيفة حيا و ميتا»، و شيعت بغداد كلها جنازة فقية العراق، و الامام الاعظم، و لقد قدر عدد من صلوا علية بخمسين الفا، حتي لقد صلي ابو جعفر نفسة علي قبرة بعد دفنه.[53][54]

مؤلفاتة و سبب قلتها[عدل]

لم يكن عصر الامام ابى حنيفة عصر تاليف و تدوين بالمعني المعروف فيما بعد، بمعني ان يخلو العالم الي نفسة فيكتب او يملى الحاجات الكثيرة ، فلم يكن ابو حنيفة ربما فرغ نفسة للتاليف و الاملاء، فقد كان يقوم الليل حتي يصبح، فاذا اصبح صلي الصبح بعدها جلس يعلم الناس حتي يضحي، بعدها ذهب الي بيتة لحاجاته، بعدها يظهر الي السوق لينظر فشؤون تجارتة و دنياه، و يعود مريضا، او يشيع ميتا، او يزور صديقا، و ينام بين الظهر و العصر، بعدها يجلس بعد العصر لتعليم الناس و الاجابة علي اسئلتهم الي الليل، و هكذا. و التدريس شغلة عن الاتيف، و هو فوق هذا مرجع طلاب العلم و شداته، يقصدونة من الكوفة و البصرة و دانى البلاد و قاصيها، لذلك لم تكن لابى حنيفة تاليف كثيرة تتناسب مع مكانتة العلمية العظيمة .[55]

ولقد ثبت عن الامام ابى حنيفة انه الف فعلم الكلام كتابى “الفقة الاكبر” و ”الفقة الاوسط”، و كتاب “العالم و المتعلم”، و كتاب “الرسالة ” الي مقاتل بن سليمان صاحب التفسير، و كتاب “الرسالة ” الي عثمان البتى فقية البصرة ، و كتاب “الوصية ” و هى و صايا عدة لاصحابه.[56]

كما املي الامام ابو حنيفة و كتب الاحاديث النبوية الشريفة ، فقد اخذ احاديث كثيرة من رواتة الاعلام، حتي جمع منة صناديق، و انتخب الاثار التي قال فيها من اربعين الف حديث، و ربما اخذ حديث الكوفة و العراق و غيرها، غير انه شغل عن رواية الحديث بفقة الحديث و فهمة و جمع نصوصه. و ربما روى عن يحيي بن نصر بن حاجب انه قال: سمعت ابا حنيفة رحمة الله تعالي يقول: «عندى صناديق من الحديث ما اخرجت منها الا اليسير الذي ينتفع به». و لقد جمع حديث ابى حنيفة فسبعة عشر مسندا، و كان ابو حنيفة اول من صنف فالحديث النبوى الشريف مرتبا علي ابواب الفقه.[57]

فضلة و ثناء الناس عليه[عدل]

تبشير النبى محمد به[عدل]

قال الامام جلال الدين السيوطي: «قد بشر Mohamed peace be upon him.svg بالامام ابى حنيفة فالحديث الذي اخرجة ابو نعيم فالحلية عن ابى هريرة رضى الله عنة قال: قال رسول الله Mohamed peace be upon him.svg: «لو كان العلم بالثريا لتناولة رجال من ابناء فارس»».[58] و اخرج الشيرازى فالالقاب عن قيس بن سعد بن عبادة قال: قال رسول الله Mohamed peace be upon him.svg: «لو كان العلم ملعقا بالثريا لتناولة قوم من ابناء فارس».[59]

ثناء بعض العلماء عليه[عدل]

قال و كيع بن الجراح و هو شيخ الامام الشافعي: «كان ابو حنيفة عظيم الامانة ، و كان يؤثر رضا الله تعالي علي جميع شيء، و لو اخذتة السيوف فالله تعالي لاحتملها».[60]

وقال الامام الشافعي: سئل ما لك بن انس: «هل رايت ابا حنيفة و ناظرته؟»، فقال: «نعم، رايت رجلا لو نظر الي هذة السارية و هى من حجارة ، فقال انها من ذهب لقام بحجته».[61][62]

وقال الامام الشافعي: «من اراد الحديث الصحيح فعلية بمالك، و من اراد الجدل فعلية بابى حنيفة ، و من اراد التفسير فعلية بمقاتل بن سليمان».[61] و قال: «من اراد ان يتبحر فالفقة فهو عيال علي ابى حنيفة ، كان ابو حنيفة ممن و فق له الفقه».[63]

وقال الامام احمد بن حنبل: «ان ابا حنيفة من العلم و الورع و الزهد و ايثار الاخرة بمحل لا يدركة احد، و لقد ضرب بالسياط ليلى للمنصور فلم يفعل، فرحمة الله علية و رضوانه».[60] كما كان الامام احمد كثيرا ما يذكرة و يترحم عليه، و يبكى فزمن محنته، و يتسلي بضرب ابى حنيفة علي القضاء.[64] و قال ابو بكر المروزي: سمعت ابا عبدالله احمد بن حنبل يقول: «لم يصح عندنا ان ابا حنيفة رحمة الله قال: القران مخلوق»، فقلت: «الحمد للة يا ابا عبدالله، هو من العلم بمنزلة »، فقال: «سبحان الله! هو من العلم و الورع و الزهد و ايثار الدار الاخرة بمحل لا يدركة فية احد، و لقد ضرب بالسياط علي ان يلى القضاء لابى جعفر فلم يفعل».[65]

وقال عبدالله بن المبارك: «رايت اعبد الناس، و رايت اورع الناس، و رايت اعلم الناس، و رايت افقة الناس، فاما اعبد الناس فعبد العزيز بن ابى رواد، و اما اورع الناس فالفضيل بن عياض، و اما اعلم الناس فسفيان الثوري، و اما افقة الناس فابو حنيفة »، بعدها قال: «ما رايت فالفقة مثله».[66] و عن محمد بن احمد بن يعقوب قال: حدثنى جدى قال: املي على بعض اصحابنا ابياتا مدح فيها عبدالله بن المبارك ابا حنيفة :[67]

رايت ابا حنيفة جميع يوم يزيد نبالة و يزيد خيرا


وينطق بالصواب و يصطفية اذا ما قال اهل الجور جورا


يقائس من يقايسة بلب فمن ذا تجعلون له نظيرا


كفانا فقة حماد و كانت مصيبتنا بة امرا كبيرا


فرد شماتة الاعداء عنا و ابدي بعدة علما كثيرا


رايت ابا حنيفة حين يؤتي و يطلب علمة بحرا غزيرا


اذا ما المشكلات تدافعتها رجال العلم كان فيها بصيرا


كما اثني الشيخ ابو زكريا السلماسى علي ابى حنيفة فقال:


ابو حنيفة النعمان اما ابو حنيفة فلة فالدين المراتب الشريفة ، و المناصب المنيفة ، سراج فالظلمة و هاج، و بحر بالحكم عجاج، سيد الفقهاء فعصره، و راس العلماء فمصره، له البيان فعلم الشرع و الدين، و الحظ الوافر من الورع المتين، و الاشارات الدقائق فحقيقة اليقين، مهد ببيانة قواعد الاسلام، و احكم بتبيانة شرائع الحلال و الحرام، و صار قدوة الائمة الاعلام، سبق الكافة منهم الي تقرير القياس و الكلام، و غدا اماما تعقد علية الخناصر، و يشير الية الاكابر و الاصاغر، انتشر مذهبة فالافاق، و عد من الافراد بالاتفاق، فضلة و افر، و دينة ثابت، و علمة فمرادة للمجد ثابت، اسمة النعمان و ابوة ثابت.[68] ابو حنيفة النعمان


وقال الامام ابو يوسف: «كانوا يقولون: ابو حنيفة زينة الله بالفقة و العلم، و السخاء و البذل، و اخلاق القران التي كانت فيه». و قال الامام سفيان الثوري: «ما مقلت عيناى كابى حنيفة ». و قال يحيي بن سعيد القطان (امام الجرح و التعديل): «ان ابا حنيفة -والله- لاعلم هذة الامة بما جاء عن الله و رسوله».[69]

وقال اسحاق بن ابى اسرائيل: ذكر قوم ابا حنيفة عند ابن عيينة فتنقصة بعضهم، فقال سفيان: «مه! كان ابو حنيفة اكثر الناس صلاة ، و اعظمهم امانة ، و احسنهم مروءة ».[70]

وقال صدقة المقابري: لما دفن ابو حنيفة فمقابر الخيزران سمعت صوتا فالليل ثلاث ليال:[71]

لقد زان البلاد و من عليها امام المسلمين ابو حنيفه


فما بالمشرقين له نظير و لا بالمغربين و لا بكوفه


وياتيكم باسناد صحيح كايات الزبور علي الصحيفه


اخلاقة و صفاته[عدل]

اتصف ابو حنيفة بصفات تجعلة فالذروة العليا بين العلماء، منها:


احد التابعين[عدل]

يعد الامام ابو حنيفة تابعيا من التابعين، قال ابو حنيفة : «لقيت من اصحاب رسول الله Mohamed peace be upon him.svg سبعة و هم: انس بن ما لك، و عبد الله بن جزء الزبيدي، و جابر بن عبدالله، و معقل بن يسار، و واثلة بن الاسقع، و عائشة فتاة عمر، و عبد الله بن انيس، رضى الله عنهم».[72] و ربما روي الامام جلال الدين السيوطى عن الشيخ و لى الدين العراقى انه قال: «الامام ابو حنيفة لم يصح له رواية عن احد من الصحابة ، و ربما راي انس بن ما لك، فمن يكتف فالتابعى بمجرد رؤية الصحابى يجعلة تابعيا، و من لم يكتف بذلك لا يعدة تابعيا».[73] و يروي عن ابى حنيفة انه قال: «سمعت انس بن ما لك رضى الله عنة يقول: سمعت رسول الله Mohamed peace be upon him.svg يقول: «طلب العلم فريضة علي جميع مسلم»».[74]

غزارة العلم[عدل]

تخطيط لاسم الامام ابى حنيفة النعمان ملحوق بدعاء الرضا عنه


كان الامام ابو حنيفة صاحب علم غزير، و ربما شهد له العلماء بذلك، قال الامام محمد بن ادريس الشافعي: «من اراد ان يتبحر فالفقة فهو عيال علي ابى حنيفة ، كان ابو حنيفة ممن و فق له الفقه».[63] و قال: «الناس عيال علي ابى حنيفة فالقياس و الاستحسان».[75]

وقيل للقاسم بن معن بن عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود: «ترضي ان تكون من غلمان ابى حنيفة ؟»، قال: «ما جلس الناس الي احد انفع من مجالسة ابى حنيفة ».[76] و روى عن عبدالله بن المبارك انه قال: «لولا ان الله عز و جل اعاننى بابى حنيفة و سفيان، كنت كسائر الناس».[76][77]

الورع و كثرة العبادة [عدل]

عرف عن ابى حنيفة انه كان و رعا كثير العبادة ، قال مسعر بن كدام: «دخلت ذات ليلة المسجد، فرايت رجلا يصلى فاستحليت قراءته، فقرا سبعا فقلت يركع، بعدها قرا الثلث بعدها النصف، فلم يزل يقرا القران حتي ختمة كلة فركعة ، فنظرت فاذا هو ابو حنيفة ».[78][79] و قال يحيي بن نصر: «ربما ختم ابو حنيفة القران فرمضان ستين مرة ».[80] و قال عبدالله بن المبارك: «قدمت الكوفة فسالت عن اورع اهلها فقالوا: ابو حنيفة ».[78]

وقال يزيد بن هارون: «كتبت عن الف شيخ حملت عنهم العلم، ما رايت و الله فيهم اشد و رعا من ابى حنيفة و لا احفظ للسانه».[75] و روي ابن اسحاق السمرقندى عن القاضى ابى يوسف، قال: «كان ابو حنيفة يختم القران جميع ليلة فركعة ». و عن يحيي بن عبدالحميد الحمانى عن ابيه: انه صحب ابا حنيفة ستة اشهر، قال: «فما رايتة صلي الغداة الا بوضوء عشاء الاخرة ، و كان يختم جميع ليلة عند السحر».[81][82]

الهدوء و الوقار[عدل]

كان ابو حنيفة ضابطا لنفسه، مستوليا علي مشاعره، لا تعبث بة العبارات العارضة ، و لا تبعدة عن الحق الكلمات النابية ، و كان يقول: «اللهم من ضاق بنا صدره، فان قلوبنا ربما اتسعت له». و يروي انه قال له بعض مناظريه: «يا مبتدع يا زنديق»، فقال: «غفر الله لك، الله يعلم منى خلاف ذلك، و انى ما عدلت بة مذ عرفته، و لا ارجو الا عفوه، و لا اخاف الا عقابه»، بعدها بكي عند ذكر العقاب، فقال له الرجل: «اجعلنى فحل مما قلت»، فقال: «كل من قال فشيئا من اهل الجهل فهو فحل، و جميع من قال فشيئا مما ليس فمن اهل العلم فهو فحرج، فان غيبة العلماء تبقى شيئا بعدهم».[83]

وروي الحسن بن اسماعيل بن مجالد عن ابيه، قال: كنت عند الرشيد اذ دخل علية ابو يوسف، فقال له هارون: «صف لى اخلاق ابى حنيفة »، قال: «كان و الله شديد الذب عن حرام الله، مجانبا لاهل الدنيا، و طويل الصمت دائم الفكر، لم يكن مهذارا و لا ثرثارا، ان سئل عن مسالة عندة منها علم اجاب فيها، ما علمتة يا امير المؤمنين الا صائنا لنفسة و دينه، مشتغلا بنفسة عن الناس لا يذكر احدا الا بخير»، فقال الرشيد: «هذة اخلاق الصالحين».[84]

وعن بشر بن يحيى: سمعت ابن المبارك يقول: «ما رايت رجلا اوقر فمجلسه، و لا اقوى سمتا و حلما من ابى حنيفة ، و لقد كنا عندة فالمسجد الجامع، فوقعت حية من السقف فحجره، فما زاد علي ان نفض حجره، فالقاها و ما منا احد الا هرب».[85]

الاخلاص و التواضع[عدل]

كان ابو حنيفة مخلصا فطلب الحق، و كان لاخلاصة لا يفرض ان راية هو الحق المطلق الذي لا يشك فيه، بل كان يقول: «قولنا ذلك راي، و هو اقوى ما قدرنا عليه، فمن جاءنا باقوى من قولنا فهو اولي بالصواب منا». و قيل له: «يا ابا حنيفة ، ذلك الذي تفتى بة هو الحق الذي لا شك فيه»، فقال: «والله لا ادرى لعلة الباطل الذي لا شك فيه». و كان ابو حنيفة لاخلاصة فطلب الحق يرجع عن راية اذا ذكر له مناظرة حديثا لم يصح عندة غيرة و لا مطعن له فيه، او ذكرت له فتوي صحابى كذلك.[86]

قوة الشخصية [عدل]

اتصف ابو حنيفة بقوة الشخصية ، و النفوذ و المهابة ، و التاثير فغيرة بالاستهواء و الجاذبية و قوة الروح، و ربما و صف مجلس ابى حنيفة مع اصحابة معاصرة مسعر بن كدام، فقال: «كانوا يتفرقون فحوائجهم بعد صلاة الغداة ، بعدها يجتمعون الية فيجلس لهم، فمن سائل و من مناظر، و يرفعون الاصوات لكثرة ما يحتج لهم، ان رجلا يسكن الله بة هذة الاصوات لعظيم الشان فالاسلام».[87]

صفتة الشكلية [عدل]

كان الامام ابو حنيفة اسمر اللون مع ميل الي بياضه، ربعة من الناس، الي الطول اقرب، رائع الصورة ، مهيب الطلعة ، طويل اللحية ، و قورا، يتانق فثوبة و عمامتة و نعليه، حسن المنطق، حلو النغمة فصيحا، كثير التطيب يعرف بة اذا ذهب و اذا جاء، نحيفا “ما ابقي علية خوفة من الله تعالي و طول مراقبتة و كثرة عبادتة فضلا من لحم بلة من شحم”.[88]

قال ابو نعيم بن دكين: «كان ابو حنيفة جميلا، حسن الوجه، حسن اللحية ، حسن الثوب». و قال ابو يوسف: «كان ابو حنيفة ربعة من الرجال، ليس بالقصير و لا بالطويل، و كان اقوى الناس منطقا، و احلاهم نغمة ، و ابينهم عما تريد». و قال عمر بن جعفر بن اسحاق بن عمر بن حماد بن ابى حنيفة : «ان ابا حنيفة كان طويلا تعلوة سمرة ، و كان لباسا حسن الهيئة كثير التعطر، يعرف بريح الطيب اذا اقبل و اذا خرج من منزلة قبل ان تراه». و قال على بن عبدالرحمن بن محمد بن المغيرة الكوفى بمصر: سمعت ابي، يقول: «رايت شيخا فمسجد الكوفة يفتى الناس و علية قلنسوة طويلة ، فقلت من هذا؟»، قالوا: «ابو حنيفة ».[89][90][91]

شيوخه[عدل]

شيوخ الامام ابى حنيفة كثيرون لا يسع ذكرهم، و ربما ذكر منهم الامام ابو حفص الكبير اربعة الاف شيخ، و قال غيره: «لة اربعة الاف شيخ من التابعين، فما بالك بغيرهم؟»، و من شيوخه: الليث بن سعد، و ما لك بن انس امام دار الهجرة .[92] و ربما روي الامام ابو حنيفة عن كثير من الشيوخ منهم: عطاء بن ابى رباح، و هو اكبر شيخ له و افضلهم علي ما قال، و الشعبي، و طاووس، و جبلة بن سحيم، و عدى بن ثابت، و عبد الرحمن بن هرمز الاعرج، و عمرو بن دينار، و ابى سفيان طلحة بن نافع، و نافع مولي ابن عمر، و القاسم بن عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود، و محارب بن دثار، و علقمة بن مرثد، و عبد العزيز بن رفيع، و حماد بن ابى سليمان و بة تفقه، و سماك بن حرب، و عبد الملك بن عمير، و ابى جعفر الباقر، و ابن شهاب الزهري، و محمد بن المنكدر، و عطاء بن السائب، و هشام بن عروة ، و خلق سواهم.[93]

تلاميذه[عدل]

حدث عن الامام ابى حنيفة خلق كثير منهم: ابو يوسف يعقوب بن ابراهيم، و ابو الهذيل زفر بن الهذيل العنبري، و ابراهيم بن طهمان عالم خراسان، و ابيض بن الاغر بن الصباح المنقري، و اسد بن عمرو البجلي، و اسماعيل بن يحيي الصيرفي، و الحسن بن زياد اللؤلؤي، و حفص بن عبدالرحمن القاضي، و ابنة حماد بن ابى حنيفة ، و حمزة الزيات و هو من اقرانه، و داود الطائي، و عبد الله بن المبارك، و عبد الله بن يزيد المقرئ، و محمد بن الحسن الشيباني، و يوسف بن خالد السمتي، و غيرهم كثير.[94][95]

انتشار المذهب الحنفى عبر التاريخ[عدل]

اماكن انتشار المذهب الحنفى (اللون الاخضر الفاتح) فالعالم


يسمي المذهب الحنفى مذهب اهل الراي، و هو اقدم المذاهب الاربعة ، و صاحبة هو الامام ابو حنيفة النعمان، و ربما نشا المذهب الحنفى بالكوفة موطن الامام ابى حنيفة ، بعدها تدارسة العلماء بعد و فاة شيخة ببغداد، بعدها شاع من بعد هذا و انتشر فاكثر البقاع الاسلامية ، فكان فمصر و الشام و بلاد الروم و العراق و ما و راء النهر، بعدها اجتاز الحدود فكان فالهند و الصين، حيث لا منافس له و لا مزاحم، و يكاد ان يصبح هو المنفرد فتلك الاصقاع الي الان.[96]

ويقال لاصحاب المذهب الحنفى اهل الراي، لان الحديث كان قليلا بالعراق، فاستكثروا من القياس و مهروا فيه. و روى ان اصحاب ابى حنيفة الذين دونوا مذهبة اربعون رجلا منهم: ابو يوسف يعقوب بن ابراهيم، و ابو الهذيل زفر بن الهذيل العنبري، و ان اول من كتب كتبة اسد بن عمرو.[97]

ايثار الحنفية بالقضاء فالعصر العباسي[عدل]

لما تولي هارون الرشيد الخلافة ، و لي القضاء ابا يوسف صاحب ابى حنيفة ، و هذا بعد سنة 170ه، و اصبحت تولية القضاء بيده، فلم يكن يولى ببلاد العراق و خراسان و الشام و مصر (الي اقصي عمل افريقية ) الا من اشار به، و كان لا يولى الا اصحابة و المنتسبين الي مذهبه، فاضطرت العامة الي احكامهم و فتاواهم، و فشا المذهب فهذة البلاد فشوا عظيما، حتي قال ابن حزم: «مذهبان انتشرا فبدء امرهما بالرئاسة و السلطان: الحنفى بالمشرق، و المالكى بالاندلس». و لم يزل ذلك المذهب غالبا علي هذة البلاد لايثار الخلفاء العباسيين بالقضاء، حتي تبدلت الاحوال و زاحمتة المذاهب الثلاثة الاخرى. و بلغ من تمسكهم بة فالقضاء ان القادر بالله استخلف مرة قاضيا شافعيا هو ابو العباس احمد بن محمد البارزى الشافعى عن ابى محمد بن الاكفانى الحنفى قاضى بغداد، فشاع ان الخليفة نقل القضاء عن الحنفية الي الشافعية ، فاشتهر هذا و صار اهل بغداد حزبين ثارت بينهما الفتن، فاضطر الخليفة الي صرف البارزي، و اعادة الحنفية الي القضاء، و هذا فسنة 393ه.[98][99]

انتشارة فالمغرب و صقلية [عدل]

كان الغالب علي افريقية السنن و الاثار، الي ان قدم عبدالله بن فروح ابو محمد الفاسى بمذهب ابى حنيفة ، بعدها غلب عليها لما و لى قضاءها اسد بن الفرات بن سنان، بعدها بقى غالبا عليها حتي حمل المعز بن باديس اهلها علي المذهب المالكي، و هو الغالب الي اليوم علي اهلها الا قليلا منهم يقلدون المذهب الحنفي. و روى ان المذهب الحنفى ظهر ظهورا كثيرا بافريقية الي قريب من سنة 400ه، فانقطع و دخل منة شيء الي ما و راءها من المغرب قريبا من الاندلس و مدينة فاس. كما روى ان اهل صقلية حنفيون.[100]

انتشارة فمصر[عدل]

كان اهل مصر لا يعرفون المذهب الحنفى حتي و لي الخليفة المهدى قضاءها لاسماعيل بن اليسع الكوفى سنة 146ه، و هو اول قاض حنفى بمصر، و اول من ادخل اليها المذهب الحنفي، و كان من خير القضاة ، الا انه كان يذهب الي ابطال الاحباس، فثقل امرة علي اهل مصر و قالوا: «احدث لنا احكاما لا نعرفها ببلدنا»، فعزلة المهدي.[101]

ثم فشا المذهب الحنفى بها بعد هذا لمدة تمكن العباسيين، الا ان القضاء فيها لم يكن مقصورا علي الحنفية ، بل كان يتولاة الحنفيون تارة ، و المالكيون او الشافعيون تارة اخرى، الي ان استولي عليها الفاطميون، و اظهروا مذهب الشيعة الاسماعيلية ، و ولوا القضاة منهم، فقوى ذلك المذهب بالدولة ، و عمل باحكامه، الا انه لم يقض علي المذاهب السنية فالعبادات، لانهم كانوا يبيحون للرعية التعبد بما يشاؤون من المذاهب.[102]

ثم لما قامت الدولة الايوبية بمصر، و كان من سلاطينها شافعية ، قضوا علي التشيع فيها، و انشاوا المدارس للفقهاء الشافعية و المالكية . و كان نور الدين الشهيد حنفيا، فنشر مذهبة ببلاد الشام، و منها كثرت الحنفية بمصر، و قدم اليها كذلك عدة فقهاء منهم من بلاد المشرق، فبني لهم صلاح الدين الايوبى المدرسة اليوسفية بالقاهرة ، و ما زال مذهبهم ينتشر و يقوى، و فقهاؤهم يكثرون بمصر، الا فاخر هذة الدولة . و اول من رتب دروسا اربعة للمذاهب الاربعة فمدرسة و احدة هو الصالح نجم الدين ايوب فمدرستة الصالحية بالقاهرة سنة 641ه. بعدها فشا ذلك النوع من المدارس فالدولتين التركية و الجركسية ، و حدث فالاولي جعل القضاة اربعة ، فعاد الحنفية الي القضاء بعد انقطاعهم عنة لمدة الفاطميين، و الاقتصار لمدة الايوبيين علي نواب منهم و من المالكية و الحنابلة عن القاضى الشافعي.[103]

ثم لما فتح العثمانيون مصر حصروا القضاء فالحنفية ، و اصبح المذهب الحنفى مذهب امراء الدولة و خاصتها، و رغب كثير من اهل العلم فية لتولى القضاء، الا انه لم ينتشر بين اهل الريف (الوجة البحري) و الصعيد انتشارة فالمدن و لم يزل ايضا الي اليوم.[104]

انتشارة فالبلاد الاسلامية الاخرى[عدل]

اما بدء دخول المذهب الحنفى فسائر البلاد الاسلامية فكان فالقرن الرابع الهجري، و ربما كان المذهب الحنفى هو الغالب علي اهل صنعاء و صعدة باليمن، و الغالب علي فقهاء العراق و قضائه، و كان منتشرا بالشام، تكاد لا تخلو فية قصبة او بلد من حنفي، و قد كان القضاء منهم، الا ان اكثر العمل بها كان علي المذهب الفاطمى فزمنه، اي كما كان بمصر. و كان المذهب الحنفى فاقليم الشرق اي خراسان و سجستان و ما و راء النهر و غيرها، الا فبلاد منها كان اهلها شافعية ، و كان اهل جرجان و بعض طبرستان من اقليم الديلم حنفية . و كان غالبا علي اهل دبيل من اقليم الرحاب الذي منة الران و ارمينية و اذربيجان و تبريز، و موجودا فبعض مدنة بلا غلبة . و كان غالبا علي اهل القري من اقليم الجبال، و كثيرا فاقليم خوزستان المسمي قديما الاهواز، و كان لهم بة فقهاء و ائمة كبار. و كان باقليم فارس كثير من الحنفية ، الا ان الغلبة كانت فاكثر السنين للظاهرية ، و كان القضاء فيهم. و كانت قصبات السند لا تخلو من فقهاء حنفية ، كما ان اهل سجستان كانوا حنفية ، و كان ملوك بنجالة بالهند جميعا حنفية .[105]

انتشارة فالبلاد الاسلامية فالعصر الحالي[عدل]

يغلب علي بلاد المغرب العربى فالمغرب و الجزائر و تونس و طرابلس المذهب المالكي، و لا تكاد تجد بها من مقلدى غيرة الا الحنفية بقلة ، و هم من بقايا الاسر التركية و اكثرهم فتونس، و مع قلة المقلدين للمذهب الحنفى فان من السنن المتبعة عندهم ان يصبح نص مدرسى جامع الزيتونة حنفية ، و النصف ما لكية ، و انما امتاز الحنفى بذلك لكونة مذهب الاسرة المالكة سابقا.


ويغلب فمصر الشافعى و المالكي: الاول فالريف، و الثاني فالصعيد، و يكثر الحنفى و هو مذهب الدولة سابقا و المتبع فالفتوي و القضاء، و الحنبلى قليل بل نادر. و يغلب المذهب الحنفى فبلاد الشام، فيكاد يشمل نص اهل السنة بها، بينما ربعهم شافعية ، و الربع الاخر حنابلة . و يغلب المذهب الشافعى علي فلسطين، و يلية الحنبلي، فالحنفي، فالمالكي. و يغلب فالسودان المذهب المالكي.


والغالب علي الحجاز و تهامة : المذهبان الشافعى و الحنبلي، و فيهما حنفية و ما لكية فالمدن، و يغلب فنجد المذهب الحنبلي، و يغلب فعسير المذهب الشافعي، و اهل السنة فاليمن و عدن و حضرموت شافعية ايضا، و ربما يوجد بنواحى عدن حنفية .


واهل السنة من اهل فارس اغلبهم شافعية و قليل منهم حنفية . و الغالب علي بلاد الافغان المذهب الحنفي، و يقل الشافعى و الحنبلي. و كان الغالب علي تركستان الشرقية (المسماة كذلك بالصينية ) المذهب الشافعي، بعدها تغلب المذهب الحنفى بمسعي العلماء الواردين اليها من بخارى. و الغالب علي بلاد القوقاز و ما و الاها المذهب الحنفي، و فيهم الشافعية . و الغالب فالهند المذهب الحنفي، و مسلمو سريلانكا (سرنديب او سيلان) و جزائر الفلبين و الجاوة و ما جاورها من الجزائر: شافعية ، و ايضا مسلمو سيام، و فيها قلة من الحنفية ، و هم النازحون اليها من الهنود. و مسلمو الهند الصينية شافعية ، و ايضا مسلمو استراليا. و الغالب علي مسلمى البرازيل المذهب الحنفي، و فالبلاد الامريكية الاخري تختلف مذاهب المسلمين


من استاذ الامام ابو حنيفة