ذي الكفل بالصور

ذى الكفل بالصور

 

تكرر اسم ذى الكفل فالقران الكريم مرتين: الاولى: فقولة سبحانه: {واسماعيل و ادريس و ذا الكفل جميع من الصابرين} (الانبياء:85). و الثانية =: فقولة تعالى: {واذكر اسماعيل و اليسع و ذا الكفل و جميع من الاخيار} (ص:48).

ولم يات ذكر لذى الكفل فغير هذين الموضعين من القران الكريم.

والذى علية اكثر المفسرين ان ذا الكفل نبى من الانبياء عليهم الصلاة و السلام اجمعين، قال الرازي: “والاكثرون انه من الانبياء عليهم السلام”. و قال ابن كثير: “واما ذو الكفل فالظاهر من السياق انه ما قرن مع الانبياء الا و هو نبي”. و قال الالوسي: “وظاهر نظم ذى الكفل فسلك الانبياء عليهم السلام انه منهم، و هو الذي ذهب الية الاكثر”. و قال ابن عاشور: “واما ذو الكفل فهو نبي، اختلف فتعيينه، فقيل: هو الياس المسمي فكتب اليهود (ايليا)، و قيل: هو خليفة اليسع فنبوة بنى اسرائيل. و الظاهر انه (عوبديا) الذي له كتاب من كتب انبياء اليهود، و هو الكتاب الرابع من الكتب الاثنى عشر، و تعرف بكتب الانبياء الصغار”.

وذهب اخرون الي ان ذا الكفل ليس بنبي، بل كان رجلا صالحا، و ربما روى عن مجاهد فقولة سبحانه: {وذا الكفل}، قال: رجل صالح غير نبي، تكفل لنبى قومة ان يكفية امر قومه، و يقيمهم له، و يقضى بينهم بالعدل، ففعل ذلك، فسمي: ذا الكفل. و نقل القرطبى فهذا الصدد ان الذي علية الجمهور انه ليس بنبي، و ذلك يخالف ما نقل عن اكثر المفسرين. و ربما توقف شيخ المفسرين الطبرى فهذا الامر، فلم يقطع بنبوة ذى الكفل، و لم يقطع بكونة غير نبي.

وقد استدل الرازى علي كون ذى الكفل نبيا بادلة ثلاثة ، هي:

الاول: ان ذا الكفل يحتمل ان يصبح لقبا، و ان يصبح اسما، و الاقرب ان يصبح مفيدا؛ لان الاسم اذا امكن حملة علي ما يفيد، فهو اولي من اللقب. اذا ثبت هذا، فيقال: (الكفل) هو النصيب، قال تعالى: {يؤتكم كفلين من رحمته} (الحديد:28). و الظاهر ان الله تعالي انما سماة بذلك علي سبيل التعظيم، فوجب ان يصبح هذا الكفل، هو كفل الثواب، فهو انما سمى بذلك؛ لان عملة و ثواب عمله، كان ضعف عمل غيره، و ضعف ثواب غيره، و لقد كان فزمنة انبياء، و من ليس بنبى لا يصبح اروع من الانبياء.

الثاني: انه تعالي قرن ذكرة بذكر اسماعيل و ادريس، و الغرض ذكر الفضلاء من عباده؛ ليتاسي بهم، و هذا يدل علي نبوته.

الثالث: ان السورة ملقبة بسورة الانبياء، فكل من ذكرة الله تعالي بها فهو نبي.

ولم يتعرض القران الكريم لقصة ذلك النبى من قريب او بعيد، بل غاية ما فعل ان ذكرة ضمن عدد من الانبياء، و صفهم بالصابرين و الاخيار.

روي المفسرون عن ابن عباس رضى الله عنهما، قال: “ان نبيا من انبياء بنى اسرائيل، اتاة الله الملك و النبوة ، بعدها اوحي الله الية انى اريد قبض روحك، فاعرض ملكك علي بنى اسرائيل، فمن تكفل لك انه يصلى بالليل حتي يصبح، و يصوم بالنهار فلا يفطر، و يقضى بين الناس فلا يغضب، فادفع ملكك اليه، فقام هذا النبى فبنى اسرائيل و اخبرهم بذلك، فقام شاب، و قال: انا اتكفل لك بهذا. فقال فالقوم: من هو اكبر منك فاقعد، بعدها صاح الثانية = و الثالثة ، فقام الرجل، و قال: اتكفل لك بهذة الثلاث، فدفع الية ملكه، و وفي بما ضمن. فحسدة ابليس، فاتاة و قت القيلولة ، فقال: ان لى غريما ربما مطلنى حقي، و ربما دعوتة اليك فابى، فارسل معى من ياتيك به، فارسل معه، و قعد حتي فاتتة القيلولة ، و دعا الي صلاته، و صلي ليلة الي الصباح، بعدها اتاة من الغد عند القيلولة ، فقال: ان الرجل الذي استاذنتك له فموضع كذا، فلا تبرح حتي اتيك به، فذهب و بقى منتظرا حتي فاتتة القيلولة ، بعدها اتاه، فقال له: هرب مني، فمضي ذو الكفل الي صلاته، فصلي ليلتة حتي اصبح، فاتاة ابليس و عرفة نفسه، و قال له: حسدتك علي عصمة الله اياك، فاردت ان اخرجك حتي لا تفى بما تكفلت به، فشكرة الله تعالي علي هذا و نباه، فسمى ذا الكفل”. و روى نحو ذلك الخبر عن مجاهد.

وقد روي خبر ابن عباس رضى الله عنهما ابن كثير، و لم يعقب عليه، ما يدل علي قبولة له. و روي القرطبى عن كعب خبرا اخر، ليس ببعيد عما جاء فخبر ابن عباس.

ثم ان الحافظ ابن كثير ربما روي عن الامام احمد حديثا عن ابن عمر رضى الله عنهما، قال: (سمعت من رسول الله صلي الله علية و سلم حديثا، لو لم اسمعة الا مرة او مرتين – حتي عد سبع مرات – و لكن ربما سمعتة اكثر من ذلك، قال: (كان الكفل من بنى اسرائيل، لا يتورع من ذنب عمله، فاتتة امراة فاعطاها ستين دينارا، علي ان يطاها، فلما اراد ان يفعل، ارعدت، و بكت، فقال: ما يبكيك؟ اكرهتك؟ قالت: لا، و لكن ذلك عمل لم اعملة قط، و انما حملنى علية الحاجة . قال: فتفعلين هذا، و لم تفعلية قط؟ فتركها، و قال لها: اذهبى فالدنانير لك. بعدها قال: (والله لا يعصى الله الكفل ابدا. فمات من ليلته، فاصبح مكتوبا علي بابه: ربما غفر الله للكفل).

وقد و صف ابن كثير ذلك الحديث بالغريب، بعدها قال: “وهذا الحديث لم يظهرة احد من اصحاب الكتب الستة ، و اسنادة غريب”. ذلك ما قالة ابن كثير. و الصواب ان الحديث رواة الترمذى ف“جامعه”، باللفظ نفسه، و ربما عقب الترمذى بعد ان روي الحديث بقوله: ذلك حديث حسن. ذلك فيما يتعلق بهذا الحديث من جهة السند.

اما فيما يتعلق بة من جهة المتن، فقد قال ابن كثير: “هكذا و قع فهذة الرواية (الكفل)، من غير اضافة ، فالله اعلم. و علي جميع تقدير فلفظ الحديث (الكفل)، و لم يقل: (ذو الكفل)، فلعلة رجل اخر”. و العجيب ان القرطبى روي الحديث نفسة بلفظ (كان ذو الكفل من بنى اسرائيل..) الحديث. و لا شك ان ذلك و هم من القرطبي؛ اذ لم يرد ايضا لا فراوية احمد، و لا فرواية الترمذي، و المعول علية عند التعارض و الاختلاف فروايات الحديث ما جاء فكتب الحديث، لا ما جاء فكتب التفسير؛ حيث ان المفسرين احيانا يتساهلون فنقل الحديث، و لا يهتمون بضبط لفظة كما هو شان المحدثين.

ومهما يكن، فالذى ينبغى اعتقادة فحق الانبياء عصمتهم من الوقوع فالذنوب و الخطايا؛ اذ لا يصبح منهم ذلك، و ذلك ما يدفع ان تكون هذة الرواية و اردة فحق النبى ذى الكفل، بل الراجح ما ذكرة ابن كثير من كون المراد رجلا احدث اسمة (الكفل)، كما هو نصف الرواية ، و ليس (ذا الكفل)، كما جاء فرواية القرطبي.

والذى ينبغى الوقوف عنده، و التعويل علية فهذا الشان، هو خبر القران الكريم، و ربما و صف القران ذا الكفل بوصفين:

الاول: انه من الصابرين، و الصبر من شيم الانبياء و المرسلين و من تبعهم من الصالحين.

الثاني: انه من الاخيار، اي: من المختارين المجتبين الاخيار. و هو و صف شارك فية غيرة من الانبياء عليهم اروع الصلاة و اتم السلام.


ذي الكفل بالصور